“تحذيرات أمريكية مشبوهة” من تدهور الوضع جنوب اليمن.. هل هي تمهيد لتغييرات سياسية؟
خاص – المساء برس| تقرير: يحيى محمد الشرفي|
حذر “التكتل الوطني للأحزاب والمكونات السياسية”، الذي أنشأته الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بإشراف استخباراتي أمريكي، اليوم الخميس، من التدهور المتسارع في الخدمات الأساسية والانهيار الاقتصادي في المناطق الخاضعة لسيطرة التحالف السعودي الإماراتي وأدواته المحلية، محملًا مجلس القيادة الرئاسي وحكومة التحالف السعودي الإماراتي المسؤولية الكاملة عن هذه الأوضاع.
يأتي هذا التحذير الذي جاء عبر بيان للتكتل رصده “المساء برس”، وسط تصاعد الغضب الشعبي في عدن والمحافظات الجنوبية، حيث يعاني المواطنون من انهيار غير مسبوق في العملة، وتوقف الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه، وارتفاع أسعار الوقود، ما أدى إلى خروج احتجاجات شعبية واسعة، وقمعها من قبل فصائل الانتقالي الجنوبي الموالي للإمارات.
التكتل الأمريكي.. أداة لضبط الإيقاع السياسي في الجنوب
يضم “التكتل الوطني” أذرعًا سياسية من المكونات المشاركة في المجلس الرئاسي وحكومة بن مبارك، ما يثير تساؤلات حول أهدافه الحقيقية من هذا البيان كون التكتل بمثابة اداة سياسية مستنسخة عن المجلس الرئاسي وجميعهم يدينون بالولاء للولايات المتحدة الأمريكية وأدوات للتحالف السعودي الإماراتي. فمنذ تأسيسه، بدا التكتل كأداة أمريكية لإعادة هندسة المشهد السياسي في الجنوب، عبر دعم شخصيات وأطراف موالية لواشنطن أكثر من ولائها للرياض وأبوظبي، وتسويق خطاب يبدو في ظاهره ناقدًا لكنه في حقيقته قد يكون تمهيد لإعادة ترتيب السلطة الشكلية جنوب اليمن وفق الرؤية الأمريكية الجديدة المبنية حديثاً بعد التغييرات الجديدة التي شهدتها المنطقة خلال معركة طوفان الأقصى والانخراط اليمني عبر حكومة صنعاء لإسناد غزة عسكرياً ودخول أمريكا بشكل مباشر في حرب مع صنعاء في البحر الأحمر لمنعها من مواصلة فرض حصارها البحري على الاحتلال الإسرائيلي ومنعها من قصف العمق الإسرائيلي وهو ما فشلت فيه أمريكا خلال معركة حشدت لها واشنطن ٤ حاملات طائرات بما معها من أساطيل من مدمرات وفرقاطات مرافقة خلال أكثر من ١٤ شهراً، وهو الذي رأت فيه واشنطن أبرز هزيمة مدوية لها منذ الحرب العالمية الثانية، وبسبب هذه النتيجة تدفع واشنطن لإعادة صياغة المشهد في اليمن بما يؤدي إلى تحقيق هزيمة عسكرية وسياسية لصنعاء ولو عبر الأدوات المحلية السابقة التي سبق وفشلت في أن تحقق للتحالف السعودي الإماراتي أهدافه في اليمن على مدى ما يقارب العشرة أعوام.
ومن اللافت أن التكتل لم ينتقد التدخل السعودي الإماراتي في الجنوب أو عمليات النهب الممنهجة للثروات والتي تعتبر السبب الرئيسي فيما وصل إليه الوضع المعيشي والخدمي والاقتصادي بمناطق سيطرته وسيطرة المجلس الرئاسي وحكومة بن مبارك، بما في ذلك تهريب النفط والغاز والسيطرة الإماراتية على الموانئ والجزر الاستراتيجية مثل سقطرى وميون، وسيطرة الرياض على القرار السيادي لهذا المجلس بشكل كامل وفرض الإقامة الجبرية على أعضائه ورئيسه رشاد العليمي في الرياض وأبوظبي، بل ركز خطابه على “فشل الإدارة المحلية”، في محاولة لإبعاد الأنظار عن الدور الخارجي في تفاقم الأزمة.
أزمة الخدمات والانهيار الاقتصادي.. فشل داخلي أم تخطيط خارجي؟
تعيش عدن والمناطق الخاضعة للتحالف السعودي الإماراتي أسوأ أزمة اقتصادية وخدمية منذ ١٠ سنوات، حيث تجاوز سعر الدولار 2200 ريال يمني، ما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية وانهيار القدرة الشرائية للمواطنين. كما تسبب فساد حكومة بن مبارك والمجلس الرئاسي وقبلهم الحكومات السابقة وسلطة عبدربه منصور هادي الشكلية أيضاً في توقف الكهرباء والمياه، وفرض جرعات سعرية على الوقود، وإهمال حقوق الموظفين والمتقاعدين.
ومع تصاعد الاحتجاجات، لجأ التحالف وواشنطن إلى استخدام “التكتل الوطني” كأداة ضغط سياسي”، مستغلين الأزمة لدفع أجندات جديدة، قد تشمل إجراء تغييرات في تركيبة المجلس الرئاسي أو استبدال شخصيات داخل الحكومة، دون تقديم حلول فعلية للمشكلات القائمة.
هل تتجه واشنطن نحو إعادة صياغة تحالفاتها جنوب اليمن؟
تزامن بيان التكتل مع تصعيد أمريكي بملف “الشرعية” في اليمن، عبر التلويح بورقة الفشل الحكومي، ومحاولة صناعة بدائل سياسية جديدة. فبعد سنوات من دعم المجلس الرئاسي، يبدو أن واشنطن تبحث عن شخصيات جديدة تدين بالولاء لها كما هو الحال بالأدوات الحالية لكنها تخفف الضغط الشعبي قليلاً قبل أن ينفجر في وجه التحالف السعودي والولايات المتحدة الأمريكية باعتبارهم السبب في هذا الوضع الذي يعاني منه اليمنيون جنوب وشرق اليمن، وبما تكون قادرة على تحقيق توازن بين المصالح الأمريكية والسعودية والإماراتية.
لكن اللافت أن هذا الحراك السياسي يتم بالتوازي مع استمرار النفوذ الإماراتي في الجنوب، وخصوصًا في شبوة وحضرموت وسقطرى، حيث تتجه أبوظبي لترسيخ وجودها طويل الأمد، دون أي اعتراض أمريكي حقيقي.
نحو سيناريو أمريكي جديد في عدن؟
تشير التحركات الأخيرة إلى أن واشنطن تمهد لتحولات سياسية في الجنوب، قد تشمل تغيير بعض الشخصيات في الحكومة أو التمهيد لإعادة هيكلة المجلس الرئاسي. لكن ما لم يتم كبح التدخلات الخارجية، فإن الأزمة ستظل قائمة، لأن جذورها ليست فقط في فساد السلطة، بل في الاحتلال السعودي الإماراتي ونهب الموارد لصالح أجندات خارجية والخضوع التام للولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي.
ويبقى السؤال: هل سينجح الشارع الجنوبي في فرض معادلة جديدة بعيدًا عن الوصاية الأجنبية، أم أن واشنطن والتحالف سيواصلون إدارة اللعبة لصالحهم؟