مأزق الولايات المتحدة وإسرائيل مع جبهة الإسناد اليمنية.. الحلول المتوقعة
خاص – المساء برس| تقرير: يحيى محمد الشرفي|
في ظل العدوان المتصاعد على غزة، برزت الجبهة اليمنية كداعم فاعل للمقاومة الفلسطينية، واضعةً التحالف الأمريكي-الإسرائيلي في موقف دفاعي غير معتاد.
حكومة صنعاء، التي تسيطر على أجزاء كبيرة من اليمن من حيث الجغرافيا السكانية بما في ذلك الجزء الشمالي من الساحل المطل على البحر الأحمر، حولت هذا الممر البحري الاستراتيجي إلى ساحة حرب حقيقية، محكمةً حصارها على الشحنات المتجهة لإسرائيل والدول الداعمة لها، ومثيرةً اضطراباً غير مسبوق في الملاحة الدولية.
أميركا تتورط في مواجهة مباشرة
كانت البداية بتحركات عسكرية دفاعية حاولت الولايات المتحدة من خلالها حماية شريان إسرائيل التجاري البحري، لكن العمليات اليمنية المستمرة براً وبحراً دفعت واشنطن إلى التدخل المباشر، مضطرة إلى شن ضربات جوية على مواقع يمنية. انخرطت القوات الأمريكية في الصراع بصورة سافرة، في خطوة أظهرت عجز الولايات المتحدة عن وقف العمليات اليمنية، ودفعتها إلى توريط نفسها في حرب إقليمية لم تكن لتتوقعها، وسط تصاعد الضغوط السياسية عليها عشية الانتخابات الأمريكية.
تحوّل باب المندب إلى حصن دعم للمقاومة الفلسطينية
أنصار الله لم يكتفوا بمجرد استهداف السفن العسكرية، بل شددوا على استهداف السفن التجارية المتجهة نحو إسرائيل وحلفائها في المنطقة، ما أجبر العديد من الشركات الكبرى، مثل “ميرسك” و”شل”، على تجنب المرور عبر باب المندب، مفضلةً المسارات البديلة حول رأس الرجاء الصالح، والتي تستغرق أياماً إضافية وتزيد من كلفة الشحن. وبذلك، أظهرت اليمن قدرتها على تعطيل الاقتصاد الإسرائيلي بطرق لا يمكن للولايات المتحدة ولا حلفاؤها تجاوزها.
الهدف الرئيسي لصنعاء من هذه الاستراتيجية ليس فقط إيقاع الخسائر بإسرائيل، بل أيضاً تقديم دعم غير مباشر للمقاومة الفلسطينية، مما يزيد من استنزاف الاحتلال الإسرائيلي من عدة جبهات.
لم تتوقف عمليات القوات المسلحة اليمنية عند حدود معينة، بل أصبحت طائراتهم المسيّرة وصواريخهم البحرية تحلق في سماء البحر الأحمر، كاشفة عن ثغرات في الدفاعات الأمريكية والإسرائيلية، ومثبتةً أن اليمن يمكنها توجيه الضربات العميقة، رغم كل المحاولات الغربية لاحتواء هذا التهديد.
الفشل الأمريكي في مواجهة “حصار اليمن” البحري
ورغم كل ما بذلته الولايات المتحدة من جهود استخباراتية وعسكرية، يبدو أن الحصار اليمني قد أربكها تماماً؛ فقد تم إسقاط العديد من الطائرات المسيرة الأمريكية المتقدمة، والتي كانت تهدف إلى جمع المعلومات الاستخباراتية عن أنصار الله والقوات اليمنية. ولأن اليمنيين يعتمدون على تكتيكات مبتكرة تجمع بين الطائرات المسيّرة والزوارق المفخخة والصواريخ الباليستية المضادة للسفن، فإن محاولات واشنطن لكسر الحصار اصطدمت بعائق كبير يتمثل في بسالة اليمنيين وابتكاراتهم القتالية التي نجحت في التغلب على التكنولوجيا الغربية المتقدمة.
خلال هذه العمليات، بات واضحاً أن الولايات المتحدة لم تتمكن من حماية التجارة البحرية لحلفائها، خاصة مع تزايد وتيرة الهجمات اليمنية التي تستهدف مصالح إسرائيل الاقتصادية، والتي وضعتها في حصار اقتصادي بحري. هذا الحصار الذي فرضته اليمن جعل الاحتلال يشعر بالعزلة، خصوصاً مع تأثيرات الحصار على ميناء أم الرشراش (إيلات)، الذي يمثل شريان الحياة الاقتصادية لإسرائيل مع الدول الآسيوية.
تأثيرات استراتيجية عميقة: اليمن قلب المعادلة لصالح المقاومة
اليمنيون تمكنوا من تفعيل استراتيجية عسكرية جديدة ضد قوى الهيمنة في المنطقة، حيث أصبحت هذه الهجمات دعماً نوعياً للمقاومة الفلسطينية في غزة ولبنان. وقد أبدت الإدارة الأمريكية ارتباكاً ملحوظاً في التعامل مع هذا التهديد المتنامي، وسط تقارير تفيد بأن اليمنيين يملكون مخازن أسلحة واسعة وموزعة بطريقة تجعل استهدافها أمراً صعباً للغاية، وقدرت التقارير الأمريكية أن مخازن القوات اليمنية مليئة بالطائرات المسيّرة والصواريخ البحرية، مما يتيح لها الاستمرار في عملياتهم بكفاءة عالية دون أن يتمكن الغرب من استئصالها.
على الصعيد الدولي، بدأ حجم الخسائر يتجلى بشكل أكبر، فقدرت مجموعة “راسل” البريطانية للأبحاث أن حجم التجارة المتضررة بلغ تريليون دولار، وتوقفت عشرات شركات الشحن عن استخدام البحر الأحمر. ورغم الصعوبات الاقتصادية الناتجة، أعلن اليمنيون أن استهدافهم للسفن مرتبط بدعمهم للمقاومة الفلسطينية، في إشارة واضحة إلى أن العمليات ستستمر طالما استمرت إسرائيل في اعتداءاتها.
المقاومة البحرية اليمنية تزلزل هيبة الولايات المتحدة
تعكس تحركات اليمنيين وحجم التأثيرات الناتجة عنها، أن اليمن لم يعد فقط بلداً مهمشاً على الصعيد الإقليمي، بل بات لاعباً رئيسياً يستطيع التأثير على موازين القوى في المنطقة، وإظهار نقاط الضعف في الهيمنة الأمريكية. هذا التحدي يتجاوز البعد العسكري، إذ يكشف عن عجز الولايات المتحدة عن السيطرة الكاملة على أهم ممرات العالم البحرية.
في مواجهة هذه التحديات، باتت الدول الغربية عاجزة أمام هذا الصمود اليمني. من جهة، تكبدت البحرية الأمريكية خسائر فادحة في المعدات باهظة الثمن، بينما تواصل الطائرات المسيّرة اليمنية والصواريخ الباليستية والزوارق وغير ذلك من الأسلحة التي طورتها اليمن لفرض تهديد دائم على السفن المعادية. ومن جهة أخرى، كشف التورط الأمريكي عن تناقضات جوهرية في سياستها المعلنة حول “حرية التجارة”، التي انتهكتها بذاتها من خلال حصارها على الشعوب.
مشهد جديد للهيمنة: اليمن يُحرج أميركا ويكسر صورة “الجيش الذي لا يُقهر”
اليمنيون، من خلال استراتيجيتهم في البحر الأحمر، قدموا دعماً لا يقدر بثمن لجبهة المقاومة في فلسطين ولبنان، وأثبتوا أن امتلاك الإرادة والابتكار يمكن أن يكسر الجغرافيا ويكسر تكنولوجيا متقدمة تقف وراءها أقوى جيوش العالم. بهذا الشكل، ووسط الانتصارات اليمنية المتتالية، أصبحت أميركا وإسرائيل تواجهان معادلة جديدة في الشرق الأوسط، حيث أصبحت القواعد التقليدية للهيمنة تتهاوى أمام عزيمة الشعوب.
اليمن، رغم الحصار والعقوبات، أثبت قدرته على التحرك بفاعلية على الساحة الدولية، واضعاً الاحتلال أمام عزلته، ومبشراً بواقع جديد يكون فيه الدعم للمقاومة ليس مجرد شعارات، بل ميداناً حقيقياً للانتصار، وهذا الدعم والموقف لا يتغير بتغيّر الأشخاص في والحكومات والرئاسات في الدول المعادية المواجهة لليمن، ولهذا كان حديث زعيم أنصار الله عبدالملك الحوثي في خطابه أمس الخميس واضحاً بشأن ثبات الموقف اليمني وعدم تغيّره بوصول دونالد ترامب للرئاسة.
ورطة الغرب وإسرائيل والحل المتوقع
حالياً يعيش الغرب بقيادة أمريكا والاحتلال الإسرائيلي ورطة في كيفية التعامل مع جبهة الإسناد اليمنية، ولهذا من المرجح جداً وبحسب المؤشرات التي تلوح في الأفق القريب أن هناك توجهاً لتحريك جبهات قتال ضد صنعاء لغرض واحد فقط وهو إبعاد القوات المسلحة اليمنية عن الشريط الساحلي الغربي لليمن، ما يعني أن أي توجه عسكري بري ضد اليمن سيكون مركزاً على الحديدة بدرجة أساسية، حتى وإن أبدت الولايات المتحدة ظاهرياً عدم رغبتها في التوجه نحو خيار العمل العسكري البري تجنباً لمزيد من الخسائر ومزيد من الهزائم المعنوية وخسارة السمعة العسكرية التي تلاشت سريعاً على مدى 11 شهراً مضت في البحر الأحمر.