عندما يتحول العرب إلى رماة سهام في ظهر فلسطين
محمد بن عامر – وما يسطرون – المساء برس|
في لحظة ما يجد المرء نفسه فيها مجرداً تماماً من أوهام كثيرة، قد يكون وهم الأمان أو الصداقة والإخوة أو الوفاء، وفي أحلك الأوقات يُخَذَّل المرء من أقرب الناس إليه، وتنهار في دواخله صور جميلة رسمها لعلاقاته مع من حوله، ليصطدم بمرارة خذلانهم، هذا هو الحال الذي تعيشه القضية الفلسـ ـطينية اليوم مع أشقائها العرب، ففي لحظة فاصلة من تاريخها تجد نفسها وحيدة إلا من بعض من لا زال يحمل في عروقه العروبة الحقيقية، فـ الخذلان العربي بلغ مداه، ولم يعد للمرء إلا الصبر على مرارة الواقع.
إنها لعنة أن تلعب فئة من العرب دور الرصاصة في بندقية العدو، فبدلاً من أن يكونوا سندًا أمنيًا وعسكريًا أو حتى إعلاميًا لشقيقتهم فلسـ ـطين، يحاربون في قوتها ووجودها، يحاربون في صمودها وثباتها، يحاربون كل من يقول أنا فلسـ ـطيني، ويصبح دعم المقاومة الفلســطينية جريمة في بعض العواصم العربية، يرفعون العلم الإســرائـ يــلي في عواصمهم، ويحاربون رفع علم فلسـطين، يحاصرون غزة، ويطبعون مع الاحتـلال، يتغنون بالسلام مع من ينكر سلامهم، ويحاربون من يقاوِم الاحتـ ـلال، يتصرفون كصــهــاينة أكثر من الصهـ ـاينة أنفسهم، في خيانة مكتملة الأركان، لشقيق مستضعف، فأي جبن هذا الذي استشرى في النفوس، وأي خذلان هذا الذي بات قدرًا على الفلسـطينيين؟!
لقد أصبحت القضية الفلسـطينية هاجسًا مزعجًا لدى بعض العرب، يشغلون أنفسهم بالنيل منها، والتنكر لمن يؤيدها، بدلاً من إشغال أنفسهم بمحاربة الاحتلال الذي يبتلع رويدًا رويدًا أرضهم العربية، وسيطالهم حتمًا يومًا ما. الشعوب العربية باتت مشغولة بخدمة جلاديها، منشغلة بالفتات الذي يلقى لها من ثرواتها ومقتدراتها، فـ خُدِعَت بأنصاف الحلول، وبالسلام الزائف، وأُغدِر بها إلى مصالحة مذلَّة مع جلاديها، فـ لا قضيةَ فلســطين باقية في وجدانهم، ولا هم يحاربون تحديًا واحدًا من كثرة ما تفرقوا، انظروا إلى حالهم، شعوب ممزقة، مقسمة، مهجرة، مشردة، تقاتل بعضها بعضاً، وتحارب هويتها، وتناصب ثقافتها العداء، فأي خذلان هذا الذي يفوق خذلان العرب لفلسـ ـطين؟!
إن الشعوب العربية اليوم في حاجة ماسة إلى مراجعة نفسها قبل فوات الآوان، لتقف أمام هذا النزيف المستمر منذ عقود، نزيف الضمير العربي. هل العروبة تكون بدون فلســ ـطين، والكرامة بدون تحريرها؟ ليست قضيةَ فلســطين قضية جانبية، أو أمراً هامشياً يمكن التغاضي عنه، أو تركه للأجيال القادمة، فما يجري في فلســطين هو معيار صدق أيِ تحرر في الوطن العربي، ولن تتحرر الشعوب من قيودها إن كانت قد خذلت فلسـ ـطين، ولا يحق لها الحديث عن حرية لها وقد أهدرت كرامة إخوانها، الحرية أن تسعى لتحرير الآخرين، لا أن تقيدهم بالأغلال، والكرامة أن تقاوِم مع المظلوم، لا أن تَكونَ مع الظالم، فيا إخواننا في مصر والأردن وبقية بلداننا العربية انتبهوا، فخير لكم أن تكونوا مع أنفسكم، مع عدالة قضيتكم، مع الله في صراع مع الباطل، فلا خير فيكم إن خذلتم فلسـطين، ولا كرامة لكم إن نسيتم قضيتها، فأرضها أرضكم، وعدوها عدوكم، ومصيرها مرتبطٌ بمصيركم، فأنصفوها إن كنتم منصفين لأنفسكم.
من حائط الكاتب على منصة “أكس”