انهيار اقتصادي متواصل.. تأثيرات الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان على اقتصاد الكيان

تقرير خاص – المساء برس|

منذ بدء الحرب على غزة ولبنان في أكتوبر 2023، شهد الاقتصاد الإسرائيلي تدهورًا متسارعًا، حيث أدت العمليات العسكرية والتوترات السياسية إلى تبعات اقتصادية خطيرة ومتفاقمة على كيان الاحتلال.

التداعيات الاقتصادية المباشرة

وفقًا لتقرير نشرته صحيفة “جيروزاليم بوست” في 15 أكتوبر 2023، أدت التعبئة العسكرية الواسعة النطاق إلى استدعاء نحو 360,000 جندي احتياط، مما تسبب في فراغ كبير في سوق العمل وتأثيرات سلبية على قطاعات عدة، أبرزها قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة الذي شهد إغلاق نحو 46,000 شركة منذ بداية الحرب. هذا الانخفاض في العمالة أثر بشكل كبير على الإنتاجية، مما أدى إلى تراجع في الإيرادات المالية للشركات المحلية.

كما تأثرت قطاعات السياحة والضيافة بشكل ملحوظ، حيث أشارت وزارة السياحة الإسرائيلية في تقرير صدر في 20 أكتوبر 2023 إلى أن نسبة الإشغال في الفنادق في مناطق مثل تل أبيب والقدس انخفضت بأكثر من 70%، ما تسبب في تراجع إيرادات قطاع السياحة بشكل حاد، وهو ما أكده تقرير سابق لـ”رويترز” الذي أشار إلى إغلاق العديد من الفنادق والمطاعم بسبب غياب الزوار.

تكاليف العمليات العسكرية والدفاع الجوي

مع استمرار القصف الصاروخي من غزة ولبنان، تكبدت “إسرائيل” تكاليف ضخمة في الدفاع الجوي.

ووفقًا لتقرير صادر عن “وول ستريت جورنال” في أواخر أكتوبر 2023، فإن تكلفة تشغيل منظومات مثل “القبة الحديدية” و”مقلاع داود” بلغت ما يقرب من 100 مليون دولار أسبوعيًا، حيث تم إطلاق الآلاف من الصواريخ الاعتراضية منذ بداية الحرب، مشيرة إلى أن هذه التكاليف تزيد العبء على ميزانية حكومة الاحتلال في ظل تزايد العجز المالي.

وبحسب تقرير لـ “رويترز” صدر في الشهر الجاري، 2024، فإن العمليات البرية والضربات الجوية ضد مواقع حزب الله في الجنوب اللبناني رفعت من تكاليف العمليات العسكرية التي أجبر من خلالها جيش الاحتلال على نشر المزيد من القوات على الحدود الشمالية، مع فرض قيود أمنية في مدن الشمال مثل “نهاريا”، “حيفا”، و”كريات شمونة”، حيث زادت ميزانية الجيش لتغطية تكاليف الأسلحة والذخائر والدعم اللوجستي المطلوب للتصدي للهجمات الصاروخية التي ينفذها حزب الله، وقُدّرت التكاليف اليومية للمجهود العسكري بمئات الملايين من الدولارات بسبب الاستعدادات والردود العسكرية المكثفة.

أثر الصراع على الأسواق المالية والميزانية العامة

تسببت الحرب بخسائر البورصة في “إسرائيل”، إذ قُدّرت بنسب تتراوح بين 9% و20% على مدى فترات مختلفة، وكان قطاع البنوك الأكثر تضررا في البورصة بسبب خروج المستثمرين الأجانب، وقدرت دراسة للمعهد العربي للدراسات خسائر البورصة الإسرائيلية بسبب الحرب على غزة بنحو 20 مليار دولار، وفقًا لتقرير صدر عن “الجزيرة نت” مطلع الشهر الجاري.

وبحسب تقرير لوكالة “بلومبرج” في أكتوبر الجاري، فإن تصاعد العمليات العسكرية تسبب في حالة من الذعر في سوق الأسهم الإسرائيلية، مما أدى إلى انخفاض مؤشرات البورصة بنسب كبيرة. كما شهدت الشركات الكبرى العاملة في مجالات الصناعة والطاقة والسياحة تراجعًا حادًا في قيمة أسهمها، مما أضر بالاقتصاد الكلي وزاد من الضغوط على المؤسسات المالية الإسرائيلية.

وتتعرض مدن مثل “حيفا” و”نهاريا” لضربات صاروخية من قبل حزب الله، مما أثر بشكل مباشر على الحركة الاقتصادية في هذه المناطق. ونقلت “الجزيرة” في تقرير لها في أكتوبر 2024 عن مصادر إسرائيلية حديثها عن بتعطل حركة التجارة في شمال فلسطين المحتلة، وإغلاق العديد من الأعمال التجارية نتيجة الخوف من الهجمات الصاروخية وتضرر البنية التحتية.

وبحسب تقرير سابق لرويترز، فإن استهداف البنية التحتية الحيوية من قبل حزب الله، بما في ذلك محطات الطاقة وخطوط النقل، أثر بشكل مباشر على الصناعات الرئيسية في إسرائيل، خاصة في شمال فلسطين المحتلة. هذا الأمر أجبر العديد من المصانع على خفض الإنتاج أو حتى الإغلاق الكامل، مما تسبب في تقليص فرص العمل في تلك المناطق وزيادة معدلات البطالة .

وفيما يتعلق بالميزانية العامة، أعلنت وزارة المالية الإسرائيلية في بيان نشرته في أواخر أكتوبر 2023، أن العجز المالي ارتفع إلى 10.5% من الناتج المحلي الإجمالي نتيجة لزيادة الإنفاق العسكري وتراجع الإيرادات الضريبية بسبب انخفاض النشاط الاقتصادي.

وذكرت وكالة “أسوشييتد برس”، في تقرير لها قبل أسبوع، أن الإنفاق على الجيش الإسرائيلي ارتفع بشكل كبير، فبعدما كان نحو 1.8 مليار دولار شهريا قبل السابع من أكتوبر 2023، صار حوالي 4.7 مليارات دولار بحلول نهاية العام الماضي، وفقا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.

ووفقًا للمعهد، فقد أنفقت “إسرائيل” 27.5 مليار دولار على الجيش العام الماضي، لتحتل المرتبة 15 عالميا خلف بولندا، ولكنها تتقدم على كندا وإسبانيا، وجميعها عدد سكانها أكبر. وبلغ الإنفاق العسكري كنسبة من الناتج الاقتصادي السنوي 5.3%، مقارنة بنحو 3.4% في الولايات المتحدة و1.5% في ألمانيا.

توقعات بتفاقم الأزمة الاقتصادية

ويحذر العديد من الخبراء الاقتصاديين من أن استمرار الحرب سيؤدي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية، ومن بينهم المحلل الاقتصادي الإسرائيلي، يوفال شتاينيتز، الذي قال في مقابلة مع “قناة 13 الإسرائيلية” في 23 أكتوبر 2023: “إذا استمرت الحرب حتى نهاية العام الحالي، فإننا قد نشهد أكبر ركود اقتصادي منذ عقود”.

وأشار إلى أن تكاليف إعادة الإعمار والبنية التحتية ستكون باهظة، مما سيؤدي إلى زيادة في الضرائب وتقليل الإنفاق على الخدمات الاجتماعية.

كما توقعت مجلة “الإيكونوميست” في تحليل لها بتاريخ 22 أكتوبر 2023، أن الاقتصاد الإسرائيلي سيواجه تحديات كبيرة في الربع الأول من 2025 إذا لم يتم التوصل إلى هدنة سريعة، حيث أشارت المجلة إلى أن الأسواق قد تحتاج لعدة سنوات لاستعادة الثقة، خاصة في ظل استمرار هروب رؤوس الأموال إلى الخارج.

كما أن استمرار المواجهة العسكرية مع حزب الله سيدفع الاقتصاد الإسرائيلي نحو مزيد من الانكماش، ويقول المحلل الاقتصادي جاكوب باركر في تقرير سابق لـ”فاينانشال تايمز” البريطانية، إن “الوضع الاقتصادي لإسرائيل بات هشًّا، وإذا استمرت المواجهات على هذا النحو، فقد تجد الحكومة نفسها أمام تحديات مالية غير مسبوقة، مع تزايد الديون العامة وتراجع الاستثمارات الأجنبية” .

وحذر باركر من أن استمرار هذه الحرب سيؤدي إلى فقدان الثقة في قدرة حكومة الاحتلال على إدارة الأزمة الأمنية والاقتصادية معًا.

ونقلت وكالة “أسوشيتد برس” قبل نحو أسبوع، عن خبراء اقتصاد أن “إسرائيل” تواجه تحديات اقتصادية كبيرة نتيجة الحرب المستمرة منذ أكثر من عام، مما أدى إلى ضغوط متزايدة على ميزانية الدولة. بسبب التكاليف الباهظة للعملية العسكرية على عدة جبهات، بما في ذلك قطاع غزة ولبنان.

وأضاف الخبراء أن “إسرائيل” بدأت تعاني من انخفاض كبير في الاستثمارات الأجنبية، حيث يشعر المستثمرون بالقلق من الوضع الأمني. ومع ارتفاع تكاليف الحرب التي تضغط على ميزانية الحكومة لجأت تل أبيب إلى زيادة الضرائب.

وفي الأشهر الثلاثة التي أعقبت الحرب على غزة، انكمش الناتج الاقتصادي الإسرائيلي بنسبة 5.6%، وهو أسوأ أداء لأي من الدول الـ 38 الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وهي مجموعة من الدول الغنية في معظمها.

كما يتوقع معهد آرون للسياسة الاقتصادية بجامعة رايخمان الإسرائيلية أن يصل الدين العام إلى 80% من الناتج المحلي الإجمالي، على افتراض عدم اشتداد القتال بشكل ملحوظ وإمكانية التوصل إلى نوع من وقف إطلاق النار أو التوصل إلى نتيجة بحلول نهاية العام المقبل.

من جهته، توقع وزير مالية الاحتلال، بتسلئيل سموتريتش،

وتوقع وزير مالية الاحتلال بتسلئيل سموتريتش، في يناير الماضي، أن عجز ميزانية عام 2025 بحدود 4%، مشيرًا إلى أن “إسرائيل” لديها عملة مستقرة، وأسعار أسهم مرتفعة، وسوق عمل ضيقة، وعائدات ضريبية قوية، وإمكانية الحصول على الائتمان، وانتعاش قطاع التكنولوجيا، غير أن وكالة موديز إلا أن وكالة موديز الدولية للتصنيف الائتماني، شككت، في مارس الماضي، في أرقام العجز، متوقعة عجزًا بنسبة 6% في العام المقبل.

تخفيض التصنيف الإئتماني

وكانت شركات إئتمانية عالمية، قد أعلنت تخفيض التصنيف الإئتماني لكيان الاحتلال، على رأسها وكالة ستاندرد آند بورز ووكالة موديز، حيث أخفضت الأولى تصنيف “إسرائيل”، في مطلع أكتوبر الجاري، على المدى الطويل من “إيه+” (A+) إلى “إيه” (A) جراء المخاطر الأمنية المتزايدة في ضوء التصعيد الأحدث في الصراع مع حزب الله في لبنان وخطر نشوب حرب مباشرة مع إيران.

وسبقتها وكالة موديز/ بأسبوع، بتخفيض تصنيف “إسرائيل” الائتماني درجتين إلى “بي إيه إيه1” (Baa1)، محذرة من خفضه إلى درجة “عالي المخاطر” إذا تحول التوتر الحالي المتصاعد مع حزب الله إلى صراع واسع النطاق.

قد يعجبك ايضا