وهم الحل
فراس الشوفي – وما يسطرون|
يخجل، أي سياسي إسرائيلي من الدرجة العاشرة، ولو شكليّاً، من الحديث عن أي «حلّ سياسي» لإنهاء الصراع على فلسطين. والحال مغايرة على الضفّة الأخرى من الصراع، الذي تنصّل كثيرون منه وبالتدريج، كلّ لقناعاته وأسبابه، على الرغم من أنّ المشروع الصهيوني لا يحيّد أحداً، الآن أو في المستقبل. فما كتبه رئيس الكنيست أمير أوهانا، حول الاعتداء الإسرائيلي على مطار الحديدة، عن أنه «رسالة إلى الشرق الأوسط»، ليس دقيقاً كفاية.
لأن أساس نشوء إسرائيل في القرن الماضي والدعم الغربي الذي تلقاه، هو رسالة دموية مستمرة للشرق، وللإنسان بشكل عام.يمكن لحرب التحرير الجزائرية، أو الحرب الفرنسية – الأميركية على فييتنام، أن تجسّد المنحى الحقيقي لحرب المستعمَر مع المستعمِر دفاعاً عن الحريّة، ولو أن فييتنام تقع على أبرز فوالق الحرب الباردة في المحيط الهادئ. ويمكن أيضاً، لمعركة الحقوق ضدّ نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، أن تختصر خمسة قرونٍ من نضال الجنوب ضدّ «المستعمِر الأبيض»، وتُظهر قدرة البشر على التكيّف مع «حلول الأمر الواقع»، على حساب العدالة والمحاسبة، ولو حتى بمفعولٍ رجعي.
لكن ذلك لا ينطبق على حالة فلسطين. ينطلق دعاة «الحلّ السياسي» من الغربيين في فلسطين، كمثل «حلّ الدولتين»، من قاعدتين أساسيّتين: أن المشروع الصهيوني الإيديولوجي يمكن الاستفادة منه والتعايش معه ووضع ضوابط له واحتواؤه في الشرق، وأنه يمكن هزيمة الفلسطينيين والحصول منهم على تنازل تاريخي نهائي عن الأرض، والاستمرار بإبادتهم إلى ما لا نهاية.
والحقيقة، أن هؤلاء يستمدّون حلولهم من حتمية بقاء إسرائيل تركة من الدول الأوروبية العميقة كجواب على المسألة اليهودية في الغرب، وقاعدة في منطقتنا لتحالف الدول الغربية، ومحفّزاً لجماعات الشرق للانفصال و«الاستقلال».
أمّا دعاة الحلّ السياسي من الفلسطينيين والعرب، كـ«حلّ الدولتين»، فينطلقون أيضاً من قاعدتين أساسيّتين: التعايش مع وجود إسرائيل كأمر واقع مكرّس في النظام الدولي بعد الحرب العالمية الثانية، والتحايل على الشعوب بالتمسّك بفتات الحقوق للفلسطينيين، وإزالة عبء الحرب عن كاهلها. وتلك الخلاصات لم تنبع من الهزائم العربية وسعياً إلى كسب ودّ الغرب، ولا من السّعي لحماية الأنظمة وتكريس الهويّات الكيانية، إنما أيضاً من الرّهان على ضبط الغرب للمشروع الصهيوني وحصر توسّعه.
أثبتت الأحداث قبل 7 أكتوبر، وبعد 7 أكتوبر، وهي تثبت كلّ يوم منذ بداية الاستيطان على أرض فلسطين، مروراً بالمعارك والتسويات المرحليّة، أن المشروع الصهيوني لا يمكن احتواؤه، وأن إبادة الفلسطينيين أكثر تعقيداً ممّا يظنّ الغرب وإسرائيل. وبقدر ما تتوحّش إسرائيل بحقّ الفلسطينيين، تبتعد حتى الإمكانية التقنية لإقامة دولة فلسطينية مسخ، إلى جانب الدولة اليهودية.
لا يمكن إزالة البعد الإيديولوجي عن هجوم الحركة الصهيونية، وتجريده إلى مشروع سياسي يمكن تفكيكه بالاستيعاب، كما خلص ياسر عرفات. يفرض المشروع الصهيوني على الفلسطيني، الإنسان، صراعاً أيديولوجياً حادّاً، ويحدّد المسألة الفلسطينية بمحدّدات لا تحتمل التأويل، شديدة الوضوح لا تحتمل التنازلات أو التقسيم، تنفي معها حتى التكتيكات الآنية في «مَرْحَلَة» الصراع. بعد قرن على البداية، يبرز صراع الوجود على أرض فلسطين، بينما ينقسم العالم.
ماذا يعني ذلك؟ إنها الحرب، حرب الوجود الطويلة المريرة، ليس لفلسطين وحدها، إنما للمنطقة كلّها.