الدعم الأمريكي للكيان… إلى ماهو أبعد من “المصالح المشتركة”
وما يسطرون – رضوان العمري – المساء برس|
ينظر الكثير من المهتمين والباحثين إلى أن الدعم الأمريكي للكيان الإسرائيلي منذ تأسيسه وإلى اليوم علئ أنه دعم يندرج في إطار العلاقات الاستراتيجية عسكرياً واقتصادياً وغيرها من العلاقات الثنائية بين الكيان وأمريكا، إلا أن حجم الدعم الذي يوصف بأنه لا محدود وبدون سقوف أو شروط يشير إلى أن هذا الدعم قد تخطى كل العلاقات المعروفة بين أي بلدين متحالفين، مما يثير التساؤلات والنقاش حول ماهية هذه العلاقات ودوافعها وخلفياتها، وما طبيعة هذه العلاقات التي تقود أمريكا إلى درجة تعريض نفسها ومصالحها للخطر في سبيل تثبيت هذه العلاقات؟!
بحسب ماهو معلن فإن الكيان الإسرائيلي يعد أكبر متلق للمساعدات الخارجية الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية، ووفقا للمؤشرات الرسمية الأميركية، فقد بلغت المساعدات الإجمالية المقدمة من الولايات المتحدة للكيان فيما بين عامي 1946 و2023 نحو 158.6 مليار دولار، وبحسب “الوكالة الأميركية للتنمية الدولية” فإن حجم المساعدات أكبر بكثير مما جاء في التقديرات الرسمية، إذ وصل إجمالي المساعدات الأميركية للكيان في الفترة ذاتها نحو 260 مليار دولار.
وفي عام 2021 بلغت نسبة المساعدات المقدمة لإسرائيل نسبة 59% من إجمالي ما تقدمه الولايات المتحدة من مساعدات عسكرية تحت برنامج التمويل العسكري الخارجي، وتبلع نسبة بقية دول العالم 41% من إجمالي المساعدات الأميركية، كما أن أمريكا لديها قاعدة عسكرية في “إسرائيل” وتجيز لها استخدام الأسلحة المتواجدة فيها في حالة الطوارئ، كما تحرص واشنطن على تزويد الكيان أحدث الأسلحة الحديثة وتحجبها عن بقية دول المنطقة حتى تضمن تفوق الكيان عسكرياً.
وهنا لن نعرض حجم الدعم الأمريكي المقدم للكيان منذ تأسيسه إلى اليوم لأننا لن نستطيع تضمينه في تقرير أو مقال، ولكننا سنركز على الدعم الأمريكي للكيان منذ 7 أكتوبر الماضي وإلى اليوم.
منذ أكتوبر وإلى اليوم أعلنت واشنطن تقديم أكثر من 40 مليار دولار للكيان الإسرائيلي وغالبية هذه الأموال تذهب لصالح الدعم العسكري للكيان، ففي 20 أكتوبر الماضي أي بعد مرور 13 يوماً من حدوث طوفان الأقصى أعلنت واشنطن تقديم 14 مليار دولار، وقبل حوالي أسبوعين أقر مجلس النواب الأمريكي دعم الكيان الإسرائيلي ب26 مليار دولار وتتوزع الحزمة بين 4 مليارات دولار لمنظومتي “القبة الحديدية” و”مقلاع داود” الدفاعيتين، و1.2 مليار دولار لنظام الدفاع “مغين أور” الذي يعمل بتقنية الليزر، وإلى جانب ذلك تشمل حزمة المساعدات ميزانيات لتعزيز القدرات الهجومية، و4.4 مليارات دولار لتجديد وتحديث المنتجات الهجومية والدفاعية والخدمات الأمنية المقدمة لإسرائيل، و3.5 مليارات دولار لشراء أنظمة أسلحة متقدمة ومعدات هجومية أخرى، و9.2 مليارات دولار مساعدات إنسانية.
وفور بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، سارعت الولايات المتحدة إلى إرسال ذخائر وقنابل كثيرة للجيش الإسرائيلي لتعويض أي نقص قد يتعرض له، ففي نهاية ديسمبر الماضي كشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية وصول عدد من طائرات وسفن الشحن الأميركية إلى “إسرائيل” وتحمل على متنها أسلحة وذخائر، وقالت الصحيفة أنه منذ بداية الحرب حتى نهاية ديسمبر، وصلت 230 طائرة و20 سفينة شحن أميركية، تحمل مساعدات عسكرية، وسلّم الجسر الجوي الأمريكي لاسرائيل أكثر من 10 آلاف طن من الأسلحة والمعدات العسكرية.
وبرغم إن الكيان الإسرائيلي يعد من أكبر مصدري الأسلحة في العالم، حيث وصلت مبيعاته من الأسلحة في عام 2020 إلى ما يقارب 11 مليار دولار، إلا أن واشنطن عملت على تمرير صفقات سلاح ضخمة للكيان بعيداً عن الكونجرس فقد كشفت صحيفة واشنطن بوست في مارس الماضي، أن الولايات المتحدة وافقت بهدوء على أكثر من 100 صفقة بيع عسكرية منفصلة، سلّمتها لإسرائيل منذ 7 اكتوبر.
وقالت الصحيفة إن تلك الصفقات تضمنت آلاف الذخائر الموجهة بدقة، والقنابل ذات القطر الصغير، وتلك الخارقة للتحصينات، والأسلحة الصغيرة، وغيرها من المساعدات الفتاكة.
أما الجمعيات والاتحادات اليهودية الموجودة في أمريكا فقد دعمت الكيان منذ 7 أكتوبر وحتى بداية ديسمبر بأكثر من 1.6 مليار دولار وفق موقع “واينت” العبري.
لم تتوقف واشنطن عند هذا الدعم العسكري المقدم للكيان بل إنها اتخذت مساراً موازياً بالتصدي والهجوم على الجبهات المساندة لغزة في اليمن والعراق وغيرها وأرسلت بوارجها وأساطيلها للمنطقة في مهمة الدفاع عن الكيان ، حيث أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون” بعد مرور ثلاثة أيام من العدوان على غزة، وصول حاملة الطائرات الأمريكية “جيرالد فورد” العاملة بالطاقة النووية إلى شرق البحر الأبيض المتوسط، ترافقها مدمرات صواريخ موجهة.
وفي 4 نوفمبر أعلنت الولايات المتحدة، وصول حاملة الطائرات “دوايت دي أيزنهاور” إلى البحر الأحمر في مهمة الدفاع عن الكيان في جبهة البحر الأحمر وعززت ذلك بإعلان “تحالف الازدهار” ومن ثم العدوان على اليمن بعد أن فشلت في صد الهجمات اليمنية ضد سفن الكيان في البحر الأحمر .
وحتى الآن لم تصدر وزارة الدفاع الأمريكية إحصائية عن حجم الخسائر التي تكبدتها من نفقات تشغيلية ولوجستية ودفاعية في جبهة البحر الأحمر وفي العراق وغيرها، بما معنى أن الدعم الأمريكي المقدم للكيان في سياق احتواء الجبهات المساندة قد يوازي الدعم الأمريكي المقدم للكيان بصورة مباشرة.
أما في سياق الدعم الدبلوماسي والإعلامي فإن الولايات المتحدة استخدمت كل ثقلها لدعم الكيان الإسرائيلي في محاولة لتثبيت الرواية الإسرائيلية في الخطابات الدبلوماسية والإعلامية وتعزيز الجانب النفسي للكيان من خلال تنفيذ زيارات مكثفة بدءاً من بايدن وانتهاءً بأصغر المسؤولين الأمريكيين، ومنذ 7 أكتوبر وإلى اليوم فقد زار وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن “إسرائيل” المنطقة حوالي 6 زيارات، ناهيك عن الوقوف الأمريكي الكامل مع الكيان في مجلس الأمن وفي باقي المؤسسات الأممية والدولية.
ولاننسى أن الشرطة الأمريكية وفي إطار الدعم الأمريكي للكيان استخدمت العنف ضد الحراك الطلابي الداعم لغزة في الجامعات الأمريكية خلال الأيام الماضية ضاربةً بشعاراتها عن حرية التعبيرعرض الحائط.
ومن خلال ماسبق فإن المتابع لمسارالعلاقات بين أمريكا والكيان يجد أنها أبعد من أن تكون علاقات في إطار مصالح مشتركة بل إنها علاقات متعلقة بشكل وثيق بالإيدلوجيا الدينية المتأصلة في كل الأنظمة الأمريكية والتي رسختها الصهيونية خلال القرن الماضي، بمايعرف ب”المسيحية الصهيونية”، كمنهج أساسي لمعظم الأمريكيين وبالخصوص الدوائر السياسية وتتمثل هذه الأيدلوجيا بأن حماية “إسرائيل” التزام ديني يتلخص في أن ‘المسيح لن يعود لإعلان مملكة الالفية إلا إذا عاد اليهود الى ارض الميعاد وأعلنوا إسرائيل، وأنه إذا لم يتم دعم إسرائيل فإن ذلك يعتبر خيانة للمسيح”، ولذلك فإن الولايات المتحدة كانت أول من اعترف بإسرائيل “دولة مستقلة”، فقد أصدر الرئيس هاري ترومان بيان “الاعتراف” عقب إعلان دولة إسرائيل مباشرة في 14 مايو/أيار 1948.