لماذا تقلق بريطانيا وأمريكا من تحقيق السلام في اليمن؟
حلمي الكمالي – وما يسطرون – المساء برس|
لطالما دفعت القوى الغربية المشاركة في تحالف الحرب على اليمن، وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وكيان الإحتلال الصهيوني؛ لإستمرار هذه الحرب العدوانية البشعة التي استهدفت كل مقدرات اليمنيين وتسببت في أسوأ أزمة إنسانية في التاريخ الحديث، لذلك فإن القوى الغربية تجن جنونها أمام أي مساعي لإنهاء هذه الحرب، إذ تسعى لرفضها وعرقلتها بشتى الطرق.. فما الذي تخشاه هذه القوى بالضبط، من توقف الحرب على اليمن ؟!.
إعلان بريطانيا تأييدها للإجراءات الإقتصادية القاتلة التي اتخذتها حكومة معين ومجلسها الرئاسي، برفع سعر الدولار الجمركي إلى 750 ريال، لم يكن مستغرباً من قوة استعمارية، دفعت بأساطيلها العسكرية والإستخباراتية منذ الوهلة الأولى لحرب التحالف على اليمن، إلى المناطق الحيوية والإستراتيجية للبلد، في محاولة لإحتلاله، وإعادة إحياء أطماع العهد القديم في جنوب اليمن وشرقه، وهو ما يمكن ملاحظته من خلال القواعد العسكرية البريطانية المنتشرة من باب المندب إلى سواحل المهرة، أقصى شرق البلاد.
ما يمكن التركيز عليه، هو أن الإعلان البريطاني، جاء بعد ساعات قليلة من البيان التحريضي الصادر عن الرئيس الأمريكي جو بايدن، في الذكرى الأولى لعملية إعصار اليمن التي نفذتها قوات صنعاء واستهدفت مواقع حيوية في أبو ظبي ودبي، والذي أشار فيه إلى ما وصفه بالمساعي الأمريكية للدفاع عن الإمارات، في محاولة كيدية فاضحة للدفع بالإمارات نحو مواصلة حربها على اليمن والزج بها إلى الهاوية، في ظل التحركات الأمريكية الغربية الأخيرة للتصعيد في البلد.
هذا التناغم البريطاني الأمريكي في تأييد الإعتداءات وتأزيم الأوضاع في اليمن، هو إمتداد واضح ليساسة قذرة تنتهجها القوى الغربية طوال الثمانية أعوام الماضية من عمر حرب التحالف، لإجهاض أي جهود لتحقيق السلام في البلد، لكنها تطفو اليوم بشكل كبير إلى سطح المشهد، تزامناً مع المفاوضات القائمة بين صنعاء وقوى التحالف في سلطنة عُمان، والأنباء التي تتحدث عن تقارب إيجابي بين الأطراف لتنفيذ مطالب صنعاء المتمثلة بوقف الحرب ورفع الحصار ودفع المرتبات وتنفيذ كافة الإستحقاقات الإنسانية.
لا يمكن فصل الإندفاعة الغربية في اليمن، عن إستراتيجيتها الدائمة في إشعال الحروب والأزمات حول العالم، لإستثمارها وإستنزاف ثروات شعوبها. وحرب التحالف التي ساهمت في إندلاعها؛ فتحت شهية القوى الإستعمارية نحو تحقيق أطماعها في البلد الغني بثرواته، فتسلل جنودها لإنشاء القواعد العسكرية والإستخباراتية في السواحل والجزر اليمنية الإستراتيجية، اعتقاداً منها أن البلد سيكون صيداً سهلاً لنهب ثرواته، والإحكام على مقدراته الحيوية، لكنها تفاجئت بوجود مقاومة شرسة تمكنت من صد قوى التحالف وتبثيط مشاريعها التخريببة والتوسعية.
اليوم تنظر القوى الغربية، للسلام في اليمن، كخطر حقيقي يهدد وجودها الإستعماري في البلد، خصوصاً مع تمسك صنعاء التي نجحت في فرض شروطها ومطالبها على طاولة المفاوضات، في أعقاب سيطرتها على مجمل تفاصيل المواجهة المفتوحة مع قوى التحالف السعودي الإماراتي، في مختلف الميادين؛ وهو ما يعكس بوضوح محاولاتها المتكررة للتصعيد، ليس فقط من خلال مثل هذه التصريحات التحريضية، بل أيضاً من خلال تكثيف تحركاتها العسكرية في السواحل والجزر اليمنية، وكذلك ابتزازها لوكلائها في التحالف وتصدير المخاوف للسعودي والإماراتي.
يدرك الأمريكي والبريطاني وكل أمراء الحرب في اليمن، عجزهم عن مواجهة صنعاء بعد فشلهم للعام الثامن على التوالي في تحقيق أي نصر يذكر في الميدان العسكري. ومخاوف هؤلاء لا تكمن فقط من قرب قطع أيديهم بشكل نهائي من الداخل اليمني وحسب، بل في ما تمثله صنعاء اليوم، من قوة كبيرة قادرة على قلب المعادلات العسكرية في المنطقة والتأثير على التوازنات الإقليمية، ما يعني أن الوجود الغربي الإستعماري الذي يهيمن على ثروات الجوار ويستثمرها في قتل وتهديد شعوبها، لن يكون في مأمن طالما حاولت القوى الغربية من جديد تكريسها كمنطلق لزعزعة الأمن والإستقرار في اليمن.
استناداً على ذلك، فإن كل تلك الحقائق تضع التصريحات أو التحركات الغريبة للتصعيد في اليمن، في خانة “الأحلام الوردية”، إذ لن تغير شيئاً في واقع المعادلة القائمة، التي ظلت لثمانية أعوام عاجزه عن تحريكها، وهذا ما يعكس الهرولة الدولية للإعتراف بسلطة صنعاء وإستئناف العلاقات الثنائية معها، في وقت تفقد الإمبراطورية العجوز وبريطانيا وكل القوى الإستعمارية الغربية هيمنتها تدريجياً من أقصى جنوب المنطقة في اليمن إلى أقصى الشرق الأوروبي والآسيوي.