كيف أخرجت الإمارات السعودية من ساحة جنوب اليمن؟
متابعات خاصة _ المساء برس|
كشف تقرير مطوّل نشره موقع “دارك بوكس” الفرنسي عن أبعاد التحركات الإماراتية في جنوب اليمن خلال السنوات الماضية، مسلطًا الضوء على ما وصفه بإعادة تشكيل موازين النفوذ في جنوب اليمن، بما أدى عمليًا إلى تقليص الدور السعودي وإخراجه من التأثير الفعلي على الأرض في المحافظات الجنوبية.
وبحسب مصادر مطلعة نقل عنها الموقع، فإن السعودية تواجه ضغوطًا استراتيجية متزايدة في الملف اليمني، تُعدّ نتيجة مباشرة لتدخل إماراتي طويل الأمد اتسم بالتخطيط المتدرج وبناء النفوذ عبر الوكلاء المحليين.
ويشير التقرير إلى أن هذا النهج قوض الرؤية السعودية القائمة على الحفاظ على” دولة يمنية موحدة ذات سلطة مركزية”.
مشروعان متناقضان داخل تحالف واحد:
يوضح التقرير أن التباين بين الرياض وأبوظبي لم يكن طارئًا، بل تراكم بهدوء على مدى سنوات، ففي حين دخلت السعودية الحرب بهدف “إعادة سلطة الدولة اليمنية ومنع قيام كيان معادٍ على حدودها الجنوبية”، انتهجت الإمارات مقاربة مختلفة ركزت على التفتيت، والسيطرة غير المباشرة، وتأمين الجغرافيا الاستراتيجية، خصوصًا في الجنوب.
ويرى” دارك بوكس” أن هذا التناقض في الأهداف انعكس بوضوح على مسار الحرب، وكانت نتيجته إعادة رسم خريطة النفوذ في جنوب اليمن.
المجلس الانتقالي… أداة النفوذ الإماراتي:
يضع التقرير صعود المجلس الانتقالي الجنوبي في صلب هذا التحول، فبحسب تقييمات اطّلع عليها الموقع، لم يكن نفوذ المجلس نتاج ديناميات محلية فقط، بل جاء نتيجة دعم إماراتي منظم شمل التمويل، والتدريب، والدعم السياسي، وبناء هياكل إدارية وأمنية منضبطة تدين بالولاء المباشر لأبوظبي.
وفي المقابل، عانت التشكيلات المدعومة من السعودية من ضعف التماسك وفقدان القدرة على فرض السيطرة، ما جعل الرياض تتحمل العبء السياسي للحرب دون امتلاك أدوات النفوذ الفعلي على الأرض.
الجنوب كمنطقة نفوذ دائمة:
تكشف وثائق مسرّبة، وصفها التقرير بـ”الصندوق الأسود”، أن الإمارات تعاملت مع جنوب اليمن بوصفه منطقة نفوذ طويلة الأمد، لا مجرد ساحة معركة مؤقتة، وقد أُعطيت الأولوية للسيطرة على الموانئ والسواحل والجزر ومنشآت الطاقة، على حساب مسارات المصالحة الوطنية.
ومن خلال الاعتماد على قوات محلية موالية، ضمنت أبوظبي أن أي تسوية سياسية مستقبلية في اليمن لن تتجاهل مصالحها الاستراتيجية، في وقت ظلت فيه السعودية متمسكة بإطار دولة مركزية لم يعد له وجود فعلي إلا على المستوى الشكلي.
مأزق سياسي للسعودية:
يشير التقرير إلى أن الرياض باتت عالقة في “فخ سياسي معقّد”، فرغم استمرار دعمها لمجلس القيادة الرئاسي باعتباره الممثل الشرعي للوحدة اليمنية، إلا أن هذا المجلس يعاني من تآكل سلطته في الجنوب، نتيجة تمدد القوى المدعومة من الإمارات.
وتدرك السعودية، وفقًا لمصادر مطلعة، أن أي توسع إضافي للمجلس الانتقالي يُضعف المجلس الرئاسي أكثر، غير أن مواجهته عسكريًا قد تفتح باب صدام مباشر مع أبوظبي، وهو خيار تحاول الرياض تجنبه.
إعادة تموضع بدل المواجهة:
تُظهر التقييمات المسربة أن الوحدات المدعومة من السعودية أصبحت معزولة في مناطق تسيطر فيها قوات موالية للإمارات على الأمن والإدارة والتمويل، وبدلًا من التصعيد، اختارت الرياض سياسة إعادة التمركز وضبط النفس، وهي خطوة فسرتها أبوظبي على أنها قبول ضمني بالوضع الجديد.
ويرى التقرير أن ما جرى لا يُعد هزيمة عسكرية سعودية، بقدر ما هو نتيجة لاختلال في طبيعة الالتزام داخل التحالف، حيث أدارت الإمارات الملف الجنوبي بمنطق “الحكم بالوكالة”، فيما تحملت السعودية الكلفة السياسية والدبلوماسية للدفاع عن” وحدة لم تعد قادرة على فرضها”.
صراع جنوبي بدل مواجهة “الحوثيين”:
أدى هذا الخلل إلى تغيير طبيعة الصراع، إذ باتت المواجهة الأبرز في الجنوب تدور بين فصائل مناهضة للحوثيين، بدل تركيز الجهود على الجبهة الشمالية.
ووفق التقرير، كرّست الفصائل المتحالفة مع الإمارات جزءًا كبيرًا من طاقتها لتحجيم نفوذ القوى المدعومة من السعودية، وتعزيز سيطرتها على المؤسسات والأراضي.
تداعيات إقليمية أوسع:
لا يقتصر التباين بين الرياض وأبوظبي على اليمن، بل يمتد إلى ملفات إقليمية أخرى كالسودان والقرن الأفريقي، غير أن اليمن يظل الساحة الأوضح لهذا الخلاف، حيث تتصادم رؤية السعودية لدولة موحدة مع نموذج إماراتي يقوم على اللامركزية والهيمنة عبر وكلاء محليين.
نحو تفتيت دائم:
يخلص تقرير دارك بوكس إلى أن النهج الإماراتي أوصل السعودية إلى معادلة صعبة: سلطة شمالية لم تنجح في هزيمتها، وجنوب خارج عن سيطرتها، وبدلًا من التوجه نحو حل شامل، يتجه اليمن – وفق التقرير – نحو تفتيت رسمي.
ويحذّر التقرير من أن استمرار هذا المسار سيؤدي إلى تآكل ما تبقى من مشروع الوحدة اليمنية الذي تدعمه السعودية، في مقابل ترسيخ بنية نفوذ إماراتية طويلة الأمد في جنوب البلاد.