لماذا تعارض الرياض تمدد الانتقالي في حضرموت والمهرة وتغاضت عن سيطرته على محافظات جنوبية أخرى؟

تقرير _ المساء برس|

أثار الموقف السعودي الأخير من تحركات المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم إماراتياً، في محافظتي حضرموت والمهرة، تساؤلات واسعة في الأوساط السياسية والإعلامية، لا سيما في ظل التباين الواضح بين هذا الموقف ومواقف سابقة اتسمت بالصمت أو القبول الضمني تجاه سيطرة المجلس على محافظات جنوبية أخرى.

فقد أبدت السعودية، انزعاجاً واضحاً من التحركات العسكرية للمجلس الانتقالي باتجاه محافظتي حضرموت والمهرة، ودعته بشكل صريح إلى الانسحاب الفوري من المناطق التي سيطر عليها.

ولم يقتصر هذا الموقف على البيانات الرسمية، بل رافقه هجوم إعلامي سعودي مكثف، وُصفت فيه تحركات الانتقالي بأنها “انقلاب على الشرعية”، في تصعيد غير مسبوق مقارنة بمراحل سابقة.

وجاء هذا التصعيد الإعلامي والسياسي متزامناً مع تحركات دبلوماسية نشطة قادها رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي – الذي تم تعيينه بدعم ورعاية سعودية – حيث أجرى سلسلة اتصالات وضغوط سياسية بهدف إجبار المجلس الانتقالي على التراجع والانسحاب من المناطق الشرقية التي تقدم إليها.

ازدواجية الموقف السعودي

هذا الانزعاج السعودي المفاجئ أعاد إلى الواجهة تساؤلات مشروعة لدى مراقبين ومحللين سياسيين، خاصة أن المملكة لم تُبدِ في السنوات الماضية أي اعتراض يُذكر على سيطرة المجلس الانتقالي على محافظات عدن وأبين ولحج وشبوة، رغم أن الشعارات والأهداف التي يرفعها الانتقالي اليوم هي ذاتها التي أعلنها منذ تأسيسه عام 2017، تحت مرأى ومسمع من الرياض.

بل على العكس من ذلك، كانت السعودية، عقب كل تصعيد عسكري يقوم به المجلس الانتقالي ضد قوات ماتسمى بـ”الحكومة الشرعية”، تسارع إلى رعاية لقاءات سياسية بين الطرفين، في محاولة لاحتواء التوتر دون المساس فعلياً بمكاسب الانتقالي على الأرض.

وفي هذا السياق، تم توقيع اتفاق الرياض في 5 نوفمبر 2019، والذي شكّل نقطة تحول مفصلية، حيث قامت السعودية من خلاله بشرعنة المجلس الانتقالي سياسياً، وإشراكه رسمياً في ما يُسمى بـ”الحكومة الشرعية”، مانحةً إياه غطاءً سياسياً وقانونياً غير مسبوق.

واستمر هذا النهج السعودي القائم على استيعاب الانتقالي والتغاضي عن تمدده العسكري في المحافظات الجنوبية، إلى أن وصل الأمر إلى حدود المحافظات الشرقية، وتحديداً حضرموت والمهرة.

حضرموت والمهرة: الخط الأحمر السعودي

يرى مراقبون أن هذا التحول في الموقف السعودي لا يرتبط بمبدأ “الشرعية” بقدر ما يرتبط بحسابات استراتيجية بحتة، فحضرموت والمهرة تمثلان بالنسبة للسعودية عمقاً جغرافياً وأمنياً بالغ الأهمية، نظراً لموقعهما الجغرافي المحاذي للمملكة، إضافة إلى ما تتمتعان به من ثروات نفطية ومعدنية، ومنافذ بحرية وبرية ذات بعد استراتيجي.

وبحسب هذا التحليل، فإن الرياض لا ترى مشكلة حقيقية في أن يكون للإمارات نفوذ واسع في محافظات الجنوب الأخرى، لكنها ترفض بشكل قاطع أن يمتد هذا النفوذ إلى المحافظات الشرقية القريبة من حدودها، والتي تعتبرها ضمن نطاق أمنها القومي ومجال نفوذها المباشر.

صراع نفوذ لا علاقة له بمصالح اليمن

ويخلص المراقبون إلى أن هذا التباين في المواقف يكشف بوضوح أن أولويات السعودية، كما الإمارات، لا تنطلق من حرص حقيقي على وحدة اليمن أو أمنه واستقراره، بقدر ما تنطلق من اعتبارات المصالح والنفوذ وتقاسم الأدوار، وهو ما يفسر استمرار حالة الصراع والتوتر بين القوى المحلية الموالية لكل طرف، وتحول اليمن إلى ساحة صراع إقليمي مفتوح منذ سنوات.

 

قد يعجبك ايضا