الرياض تتحرك لتقليص نفوذ أبوظبي في المنطقة… إلى أي مدى يمكن أن تنجح؟
تقرير _ المساء برس|
استقبلت السعودية خلال أيام قليلة كلاً من الرئيس الإريتري أسياسي أفورقي ورئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، في زيارتين رسميتين تحملان دلالات سياسية تتجاوز الطابع البروتوكولي، وتعكس تحولات محتملة في توجه الرياض لملفات البحر الأحمر والقرن الإفريقي واليمن.
وتأتي زيارة البرهان، المعروف بموقفه العدائي الواضح تجاه أبوظبي، على خلفية اتهامه للإمارات بدعم قوات “الدعم السريع” التي تسيطر على أجزاء واسعة من السودان، وارتكابها انتهاكات جسيمة بحق المدنيين، في وقت لا تزال فيه الحرب السودانية مفتوحة على سيناريوهات خطيرة تهدد السودان والمنطقة بأكملها.
أما زيارة الرئيس الإريتري أسياسي أفورقي، فقد سبقت زيارة البرهان بأيام، وجاءت في إطار تنسيق سياسي وأمني أوسع، خصوصاً في ظل موقع إريتريا الاستراتيجي المطل على البحر الأحمر.
وتتزامن هاتان الزيارتان مع تصاعد غير مسبوق في حدة التوتر بين الرياض وأبوظبي، لا سيما في الملف اليمني، بعد قيام قوات المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً بالسيطرة على أجزاء من محافظتي حضرموت والمهرة، وهو ما اعتبرته السعودية تهديداً مباشراً لأمنها القومي، ومحاولة لفرض أمر واقع جديد في حدودها الجنوبية.
وكانت الرياض قد طالبت بشكل صريح بانسحاب قوات الانتقالي من المناطق التي سيطرت عليها، إلا أن هذه المطالب لم تُنفذ حتى الآن، ما زاد من التوتر بين الطرفين.
ويرى مراقبون أن استقبال السعودية لكل من أفورقي والبرهان يعكس توجهاً واضحاً لدى الرياض لإعادة توسيع شبكة تحالفاتها الإقليمية، وإرسال رسائل متعددة الاتجاهات، مفادها أنها تمتلك بدائل وأوراق ضغط قادرة على موازنة النفوذ الإماراتي، خصوصاً في البحر الأحمر والقرن الإفريقي، وعدم السماح لأبوظبي بالتحرك منفردة في هذه الساحة الحيوية.
وفي هذا السياق، قال الرئيس الإريتري أسياسي أفورقي، عقب اختتام زيارته إلى الرياض، في تصريحات لصحيفة التيار، إن “استعادة السعودية لدورها الطبيعي في منطقتي القرن الإفريقي والبحر الأحمر من شأنه إحداث التوازن المطلوب في الإقليم”.
وأضاف أفورقي: “خصصت جانباً كبيراً من محادثاتي مع ولي العهد السعودي لشرح خطورة التدخلات الخارجية في السودان، واستمرار تدفق السلاح والمرتزقة، والدور الذي تقوم به بعض الدول في تأجيج الحرب وإطالة أمدها”.
وتابع قائلاً: “هناك أدوار إقليمية لدول أخرى تسهم في تعقيد المشهد، سواء في ليبيا عبر نقل السلاح، أو في اليمن من خلال دعم مشاريع تقسيمية تهدد وحدة الدولة، وتفتح المجال أمام نفوذ خارجي متزايد”.
وفي إشارة غير مباشرة إلى تنامي الدور الإماراتي مقابل تراجع الحضور السعودي خلال السنوات الماضية، قال أفورقي: “القوى الإقليمية الأصغر حجماً تنامى نفوذها ونشاطها في القرن الإفريقي وعبر البحر الأحمر، وعلى السعودية إعادة تموضعها بما يتناسب مع ثقلها السياسي والاقتصادي العالمي”.
ويستخلص متابعون من هذه التصريحات أن زيارة أفورقي لم تكن منفصلة عن سياق الصراع غير المعلن بين الرياض وأبوظبي، بل هدفت بشكل أساسي إلى بحث سبل تقليص النفوذ الإماراتي المتنامي في البحر الأحمر والقرن الإفريقي، خاصة بعد أن دفعت أبوظبي بالقوى الموالية لها في اليمن للسيطرة على المحافظات الشرقية، بما يمنحها أوراق ضغط استراتيجية على السعودية مستقبلاً.
في المقابل، يرى محللون أن التحرك السعودي، رغم أهميته، قد يكون متأخراً نسبياً، وأن تحقيق أهدافه لن يكون سهلاً، في ظل شبكة النفوذ الواسعة التي نسجتها أبوظبي خلال السنوات الماضية، عبر دعم كيانات محلية وعسكرية وسياسية في أكثر من ساحة، بما يتماشى مع الأجندات الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة.