التاريخ لا يرحم المتواطئين.. درسٌ من ذاكرة “الفرقان”
أدهم أبو سلمية – وما يسطرون|
في الوقت الذي كانت فيه غزة تلملم أشلاء شهدائها بعد “السبت الأسود” في بداية حرب 2008، وتواجه أكثر من 100 غارة متزامنة، كانت الهواتف ترن في مكاتب قادة المقاومة، لم تكن اتصالات للدعم، بل كانت اتصالات للضغط والابتزاز، التسريب الصوتي بين خالد مشعل وعلي عبد الله صالح ليس مجرد أرشيف، بل هو كشف أشعة للنفسية الانهزامية التي حكمت المشهد العربي الرسمي منذ خرجت الشمطاء ليفني لتعلن الحرب على غزة من القاهرة، مروراً بفشل القمة العربية في الدوحة، وصولاً لحالة التماهي الرسمي مع المواقف الصهيونية وغياب الإرادة العربية لوقف الحرب.
لكن؛ أخطر ما في هذا التسجيل ليس “النصح”، بل “التبني الكامل” لرواية الاحتلال عبر:
1- تسفيه المقاومة: فبينما كانت الصواريخ هي السلاح الوحيد لردع العدو، وصفها علي عبد الله صالح بأنها “مضرة بالشعب الفلسطيني” وأنها “لم تفزع حتى امرأة”. هذا المنطق هو الذي يمنح العدو الضوء الأخضر للاستمرار، بذريعة أن المقاومة “عبثية”.
2- تبني سردية الاحتلال: وصل التماهي حد تبرير المجازر، حين طالب الرئيسُ المقاومةَ بتجنيب الناس “الأهداف المختارة من قبل إسرائيل”، وكأن الاحتلال يملك “أخلاقيات انتقاء الأهداف”! متجاهلاً أن بنك أهداف الاحتلال هو المدنيون والأطفال الذين شاهدهم العالم يُذبحون.
في مقابل هذا التمييع الرسمي العربي، وقف خالد مشعل “أبو الوليد” كالجبل، راسماً الخط الفاصل بين “السياسة” و”التنازل”، واثقاً بمقاومته، مرتكزاً على مبادئه، رافضاً القبول بتهدئة تعيد إنتاج الحصار. كانت المعادلة واضحة: “يريدون استمرار التهدئة مع استمرار الحصار، من يقبل هذا؟”.
خاتماً مكالمته بكل ثقة بمطالب شعبنا ومقاومتنا في كلمات موجزة وحادة: “أن يوقف العدوان، وتفتح المعابر، ويرفع الحصار”.
وكما في كل الحروب الصهيونية على شعبنا تحاول الأنظمة المهزومة الاختباء خلف “الدم الفلسطيني” لا للضغط على العدو النازي بل للضغط على المقاومة، مستشهدين بتوجيهات “البيت الأبيض”. لكن الرد المقاوم المفحم جاء كالصاعقة حين قال له مشعل: “أمريكا لن يخرج منها إلا الظلم والعدوان”. هذا الرد يكشف وعياً مبكراً بأن الرهان على “إنسانية الغرب” أو “وساطة الأنظمة المرتهنة” هو رهان خاسر، وأن الرهان الوحيد هو على الصمود في الميدان.
حكم التاريخ
اليوم، بعد مرور السنوات، أين ذهب علي عبد الله صالح الذي كان يرى المقاومة “عبثاً”؟ لفظه التاريخ وشعبه. وأين بقيت المقاومة؟ بقيت وتطورت وفرضت معادلاتها.
إن هذا التسجيل وثيقة إدانة أبدية لكل نظام يرى الأمور “بعين صهيونية”، ووثيقة فخر لكل حر يرى أن ” تحرير الأرض، والدفاع عن المقدسات، ورفع الحصار” ليس منّة تُطلب، بل حق يُنتزع بالمقاومة والجهاد والصواريخ التي سخروا منها يوماً.