حضرموت والمهرة بين حسابات الحلفاء.. تسوية مؤجّلة وصراع نفوذ مفتوح

تقرير – المساء برس|

على عكس الصورة التي حاول الإعلام السعودي ترسيخها حول اقتراب التوصّل إلى تسوية سياسية للأزمة التي أعقبت سيطرة «المجلس الانتقالي الجنوبي» المدعوم إماراتياً على محافظتي حضرموت والمهرة، تكشف الوقائع الميدانية والسياسية أن المسار التفاوضي عاد عملياً إلى نقطة الصفر. فزيارة الوفد السعودي – الإماراتي إلى عدن، التي روّجت لها قناة «العربية» بوصفها محطة حاسمة لوضع آليات انسحاب قوات «الانتقالي» من المحافظات الشرقية، انتهت من دون أي اختراق ملموس، وعاد أعضاء الوفد إلى بلديهما من دون نتائج تُذكر.

هذا التعثّر جاء مباشرة بعد رفض «الانتقالي» الانسحاب من حضرموت والمهرة، وهو ما أكدته وكالة «فرانس برس» نقلاً عن مسؤول في المجلس شدّد على أن القيادة غير مستعدة للتراجع عن المكاسب التي حققتها على الأرض.

بالتوازي، تحدثت وسائل إعلام محلية عن وصول تعزيزات عسكرية كبيرة تابعة للمجلس إلى الشرق، في خطوة جرى تبريرها بذريعة «مكافحة التهريب»، وهو الشعار الذي بات يستخدم لتسويغ تمدده العسكري وتثبيت وقائع جديدة.

ورغم فشل المحادثات في تحقيق تقدّم، أبقت الأطراف المعنية قنوات التواصل مفتوحة، في ظل غياب أي بدائل عملية لإدارة الأزمة. وفي هذا السياق، سعى الطرفان، ومعهما الدولتان الراعيتان، إلى ضبط إيقاع التوتر ومنع الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة.

الناطق باسم «الانتقالي»، أنور التميمي، تحدث عن «تفاهم» مع وفد التحالف على عدم التصعيد في محافظات شرق اليمن، مشيراً إلى أن النقاشات تمحورت حول «مجموعة من الأفكار»، واصفاً الأجواء العامة بالإيجابية، في محاولة لاحتواء الفشل السياسي بغطاء إعلامي هادئ.

غير أن مجريات الأحداث تعكس واقعاً أكثر تعقيداً في العلاقة بين السعودية والإمارات ووكلائهما المحليين. فمن منظور «الانتقالي»، لم يعد خيار العودة إلى ما قبل السيطرة على حضرموت والمهرة مطروحاً، لما قد يسببه من صدمة داخل حاضنته الشعبية وتقويض لموقعه السياسي في الجنوب. في المقابل، ترى الرياض في شرق اليمن مساحة مرتبطة مباشرة بأمنها القومي، ولا يمكن التفريط بها أو إخضاعها لهيمنة طرف واحد، ما يضع «الانتقالي» أمام معادلة صعبة يصعب تحمّل كلفتها في ظل اختلال موازين القوة الإقليمية.

ضمن هذا السياق، برزت في كواليس مفاوضات عدن مقترحات تتعلق بحصر القوات التي تمركزت حديثاً في وادي وصحراء حضرموت بأبناء المحافظة، ولا سيما في المناطق التي بسط «الانتقالي» نفوذه عليها. في المقابل، بقي مصير انتشار قوات «درع الوطن» المموّلة سعودياً موضع خلاف، سواء في الوادي والصحراء أو في الساحل الذي يمتلك فيه «الانتقالي» حضوراً سابقاً ومتشابكاً.

ويبدو أن السيناريو الأقرب يتمثل في الذهاب نحو حلول وسط تقوم على إعادة توزيع النفوذ العسكري في حضرموت بين التشكيلات الجنوبية، بما فيها «النخبة الحضرمية»، إلى جانب قوات «درع الوطن»، مع ترتيب وضع مشابه في المهرة بين محور الغيضة والشرطة العسكرية والقوات السعودية التمويل. إلا أن هذه الترتيبات تبقى مرهونة بتفاهمات الرياض وأبو ظبي، وحساباتهما المتغيرة في إدارة ملف بالغ الحساسية.

في المحصلة، لا تبدو السعودية مستعدة للتسليم بالأمر الواقع الذي فرضه «الانتقالي»، وتسعى، وفق معطيات محلية، إلى إعادة خلط الأوراق سياسياً وأمنياً، بما في ذلك محاولات اختراق داخل بنية التشكيلات الجنوبية لإضعاف قبضة المجلس من الداخل. وفي هذا الإطار، جرى تداول معلومات عن انسحاب قوات «العمالقة» بقيادة عضو «المجلس الرئاسي» أبو زرعة المحرمي من مواقع في وادي حضرموت وتسليمها لقوات «درع الوطن»، في مؤشر على إعادة تموضع محسوبة.

لكن حتى مع هذه الخطوات، بات واضحاً أن التطورات الأخيرة تفرض على الرياض مراجعة أوسع لمقاربتها في الجنوب، في ظل كلفة استمرار التشظي والفوضى على حدودها الجنوبية. وفي هذا السياق، بدأت تلوح في الأفق ملامح تفاهم جديد يُتداول إعلامياً تحت مسمى «اتفاق الرياض – 2»، تقوده مشاورات مكثفة بين السعودية والإمارات مع الأطراف اليمنية، وفي مقدمتها حكومة «الشرعية» و«الانتقالي»، بينما يظهر «الإصلاح» كأكبر الخاسرين من إعادة تشكيل المشهد جنوباً.

قد يعجبك ايضا