ما بين الصراع السعودي الإماراتي و”أولوية” مواجهة صنعاء.. ما هو سياق التطورات الأخيرة في حضرموت والمهرة؟

ضرار الطيب|

لم تكن التطورات الأخيرة في مناطق سيطرة تحالف العدوان السعودي الإماراتي جنوب وشرق اليمن مفاجئة، لا في سياق الصراع الدائر منذ سنوات داخل معسكر التحالف، ولا في سياق الصراع الأوسع في المنطقة، ولكن يبدو أن السياق الثاني يتحكم بالأول، إن لم يكن على مستوى التفاصيل، فعلى مستوى السقف الذي يمكن أن تصل إليه الأمور، ذلك أنه لا يمكن لأي طرف من الأطراف المنخرطة في هذا الصراع تجاهل الأولويات الأمريكية فيما يتعلق بملف اليمن، ولكن بالمقابل، لا يمكن للولايات المتحدة أن تتجاهل تأثير هذا الصراع على مستوى ونطاق التزام هذه الأطراف بتلك الأولويات.

طبيعة الصراع داخل معسكر “التحالف”:

في سياق الصراع داخل معسكر التحالف، تعتبر سيطرة مليشيات المجلس الانتقالي التابع للإمارات على حضرموت والمهرة حلقة إضافية من مسلسل اتساع مستمر لنفوذ المليشيا على حساب حزب الإصلاح والقوى التابعة للسعودية والتي كانت الممثل الرئيسي للحكومة العميلة للتحالف قبل أن يبرز الانتقالي كمنافس رئيسي على السلطة، بل وكـ”انقلاب” على ما يسمى “الشرعية” حسب توصيف رئيس الحكومة العميلة أحمد عبيد بن دغر في 2018، وقد لا تكون هذه هي الحلقة الأبرز من هذه الصراع، فقد كانت جولة المواجهة بين الطرفين في 2019 أكثر احتداما ووصلت إلى حد قيام الإمارات بقصف القوات المناهضة للانتقالي على أحد مداخل عدن ما أدى إلى سقوط المئات من القتلى والجرحى، وهي الجولة التي مثلت نقطة تحول كبيرة في مسار هذا الصراع، لأن “اتفاق الرياض” الذي رعته السعودية لتهدئة الصراع، منح مليشيا الانتقالي نفوذا رسميا وجعلها شريكة رئيسية للإصلاح في الحكومة العميلة و”الجيش” الموالي للتحالف، وهو ما ستستغله هذه المليشيا للتوسع أكثر في العديد من محافظات الجنوب اليمني الذي تقدم نفسها كممثلة له، خصوصا مع خسارة حزب الإصلاح الكثير من مناطق سيطرته في المحافظات الشمالية.

لقد كشف هذا الصدام منذ بداياته الأولى عن تباين واضح في المصالح والأهداف بين السعودية والإمارات في اليمن، وأظهر صراعا محتدما على النفوذ وبالذات في المناطق ذات الثروات والموقع الاستراتيجي، والحقيقة أنه لم تسلم أي محافظة واقعة تحت سيطرة تحالف العدوان من هذا الصراع، بما في ذلك المحافظات التي كانت بعيدة أصلا عن الحرب بين التحالف وصنعاء، وقد شهدت حضرموت والمهرة وسقطرى جولات سابقة متعددة من التصعيد بين مليشيات السعودية والإمارات.

هذا الصراع مرتبط بشكل أساسي بفشل تحالف العدوان السعودي الإماراتي في تحقيق أهدافه الأساسية المتمثلة في التغلب على صنعاء والسيطرة على اليمن بأكمله، إذ أسهمت النتائج السلبية الكبيرة للمواجهة مع صنعاء بشكل مباشر في دفع قطبي التحالف إلى التفكير في مصالح خاصة أدنى من سقف “الانتصار”، وتأمين ما يمكن تأمينه من تلك المصالح في إطار الوضع غير المثالي للصراع، وقد وصل ذلك إلى حد القضاء على واجهة “الشرعية” التي كانت أساسية في العدوان على اليمن، فبعد الإقالة المفاجئة لعبد ربه منصور هادي في 2022 وتعيين “مجلس القيادة الرئاسي” متعدد الرؤوس كان واضحا أن مسألة تقاسم النفوذ قد أصبحت هاجسا رئيسيا وملحا بشدة لدى قطبي تحالف العدوان، خصوصا وأن هذه الخطوة جاءت توازيا مع خفض التصعيد مع صنعاء.

وتظهر الحاجة إلى تقاسم النفوذ، والمحاولات المتكررة لوضع إطارات وصيغ رسمية من اجل ذلك، وجود سقف معين للصراع الدائر داخل معسكر تحالف العدوان، وهو سقف لم يختاره السعوديون ولا الإماراتيون، بل فرضه واقع فشلهم في حسم المواجهة مع صنعاء، وهذا أمر ترتبط به اعتبارات استراتيجية كبرى تتعلق بمصالح أساسية لقائمة من الرعاة والفاعلين الدوليين وعلى رأسهم الولايات المتحدة، ولذلك مهما بلغ حجم الانقسام داخل معسكر التحالف، فإنه من غير المسموح أن يخرج ذلك عن إطار “التحالف” كجبهة ضد صنعاء في المقام الأول.

لقد حاولت الإمارات أن تخرج عن هذا الإطار من خلال إعلان انسحابها من اليمن، وعقد تفاهمات خفض تصعيد ثنائية مع صنعاء لكي تتفرغ لتوسيع نفوذها في المناطق المحتلة، لكنها لم تنجح في ذلك تماما، فبعد سنتين من إعلانها عن سحب قواتها من اليمن والانتقال إلى “استراتيجية غير مباشرة”، تعرض العمق الإماراتي مطلع عام 2022 لسلسة ضربات “إعصار اليمن” التي نفذتها القوات المسلحة اليمنية ردا على تصعيد إماراتي، كان يهدف بشكل أساسي لتخفيف الضغط عن جبهة مأرب التي يسيطر عليها حزب الإصلاح والسعودية بشكل أساسي، برغم أن أبو ظبي كانت قد قطعت شوطا طويلا في الصراع معهما، ذلك أن الولايات المتحدة كانت قد اضطرت إلى الحضور مباشرة في تلك المعركة حسب ما تفيد المعلومات، وكان الأمر يمس “التحالف” بأكمله كمسؤول مباشر عن مهمة مواجهة صنعاء أمام الأمريكيين والغرب، حتى لو كان هذا التحالف منقسما.

ومن الأمثلة الأخرى على ذلك، أن مليشيا المجلس الانتقالي التابعة للإمارات وبرغم تبنيها لمشروع “الانفصال” بشكل واضح، لا تستطيع أن تتجاوز ضرورة العمل كشريك ضمن الحكومة العميلة للتحالف، ولن تستطيع أن تفصل نفسها عن صراع التحالف مع صنعاء، وهذا ليس مجرد “تكتيك” اختياري لكسب النفوذ والدعم، بل سقف لا يمكن تجاوزه.

أولوية مواجهة صنعاء:

بعد سيطرة مليشيا الانتقالي على حضرموت والمهرة مؤخرا، نشرت صحيفة “الغارديان” البريطانية الداعمة بوضوح للمليشيا تقريرا يبشر بـ”إمكانية إعلان الجنوب استقلاله وإعادة اليمن إلى دولتين لأول مرة منذ عقود” ومع ذلك، قالت إن “الإعلان الكامل والفوري عن قيام الدولة من جانب المجلس الانتقالي الجنوبي سيكون بمثابة خطوة سياسية محفوفة بالمخاطر، بالنظر إلى تجربة دول أخرى اختارت هذا المسار، بما في ذلك الصحراء الغربية، التي اعتقدت أنها تتمتع بالدعم الدبلوماسي للانفصال عن المغرب، ولكنها وجدت الدعم يتبخر بعد ذلك” مضيفة أنه “من المرجح أن يُصرّ المجلس الانتقالي الجنوبي على أنه سيُجري، على المدى المتوسط، استفتاءً على الاستقلال عن الشمال، وفي نهاية المطاف، سيعتمد مستقبله على قرارات راعيه الرئيسي، الإمارات العربية المتحدة”.

خلاصة هذا الحديث هو أن مصير مشروع تمكين الانتقالي، ومكانه في الصراع داخل معسكر تحالف العدوان، لا يعتمد فقط على هزيمة حزب الإصلاح أو حتى انسحاب القوات السعودية، بقدر ما يعتمد على أولويات أخرى يجب مراعاتها، وبرغم أن الصحيفة تضع الإمارات وكأنها صاحبة القرار النهائي، فإنها في الواقع ليست من يضع هذه الأولويات، بل الولايات المتحدة.

لقد عملت الإمارات منذ مدة على “تسويق” المجلس الانتقالي داخل الولايات المتحدة، من خلال جماعات ضغط وتوصيات وتقارير مراكز أبحاث متنوعة، وقد أظهر ذلك التسويق الأولوية الأمريكية التي ينبغي على من يكسب الصراع دخل معسكر تحالف العدوان أن يراعيها، وهي مواجهة صنعاء والتخلص من التهديد الذي تشكله من وجهة نظر السياسة الأمريكية، وخصوصا بعد تعاظم هذا التهديد بشكل هائل خلال معركة طوفان الأقصى، وتأثيره على الولايات المتحدة وإسرائيل بشكل مباشر.

خلال الأشهر الماضية زار مايكل روبين، المسؤول السابق في البنتاغون والباحث البارز في معهد “أمريكان إنتربرايز” المحافظات الجنوبية، وكتب سلسلة تقارير تهدف في مجملها لإقناع الإدارة الأمريكية بأن “الاتجاه جنوبا” هو الحل لمعضلة فشل واشنطن في التخلص من تهديد صنعاء أو احتواءه، وأن المجلس الانتقالي هو القوة الأكثر قدرة على مواجهة هذا التهديد، في مقابل أن “المكون الشمالي في مجلس القيادة الرئاسي” هو مشكلة يجب التخلص منها، وأن فكرة “اليمن الواحد” ليست مصلحة أمريكية، وأن السعودية أخفقت في التعامل مع تهديد “الحوثيين”، بينما الإمارات “نجحت” في التعامل مع الملف اليمني.

ومؤخرا نشر منتدى الشرق الأوسط، وهو أحد مراكز الأبحاث الأمريكية التي تقوم بتسويق الانتقالي بشكل واضع، خطة مفصلة أعدها العقيد احتياط في مشاة البحرية الأمريكية، إريك نافارو، لمواجهة صنعاء والقضاء على التهديد الذي تشكله، وتضمنت الخطة أن تقوم واشنطن بـ”إنشاء نموذج حكومة لامركزية في اليمن” لأنه “من المرجح أن يؤدي تقسيم اليمن إلى تأجيج صراع لا نهاية له” حسب تعبيره.

تشير هذه التناولات إلى أن “انتصار” الإمارات ومليشيا الانتقالي في الصراع مع السعودية وأذرعها، يعتمد بشكل أساسي على ما يمكن أن يحققه الطرف المنتصر ضد صنعاء، وهو أمر يدركه الإماراتيون ومليشيا الانتقالي تماما، فقد حرصت الأخيرة بشدة على أن “تعرض” استعدادها لمواجهة صنعاء كثمن لإقامة “دولة جنوبية” أو حتى لما هو أدنى من ذلك كالحصول على دعم يعزز موقف الانتقالي وحضوره في الساحة، حيث صرح عيدروس الزبيدي لوكالة بلومبرغ مؤخرا بأن هناك خيارين لـ”هزيمة الحوثيين في غضون ستة أشهر وتخفيف التهديدات في البحر الأحمر” حسب زعمه، الأول هو “دعم أجنبي بمساعدة من الولايات المتحدة وبريطانيا والإمارات والسعودية” والثاني هو “تحقيق استقلال الجنوب”.

وقد عُرضت مواجهة صنعاء أيضا بشكل متكرر كثمن للحصول على اعتراف إسرائيلي بـ”الجنوب”.

وبعد التطورات الأخيرة في حضرموت والمهرة قال عمرو البيض، المسؤول البارز في الانتقالي، لوكالة رويترز: “نركز على توحيد مسرح العمليات لقواتنا المسلحة لتعزيز التنسيق والجاهزية لتعزيز الاستقرار والأمن في الجنوب، وكذلك مواجهة الحوثيين في حال وجود رغبة في التوجه بهذا الاتجاه”.

على خلاف ما يوحي به تصريح البيض فإن مسألة التحرك ضد صنعاء ليست احتمالا على هامش الوضع الجديد، لأن الفشل في مواجهة صنعاء-والذي أنتج الصراع الداخلي بين أطراف تحالف العدوان- يستحيل تجاوزه، وفي أول تصريحات عقب التطورات الأخيرة، قال عيدروس الزبيدي هذا الأسبوع بشكل واضح إن “زمن المعارك الجانبية انتهى، والهدف القادم هو صنعاء سلما أو حربا”.

لكن المفارقة أن الانتقالي بحاجة للبقاء ضمن إطار “التحالف” وتحت غطاء “الشرعية” (الذي أسهم في إسقاطه أصلا) من أجل الحصول على الدعم للتعامل مع أولوية مواجهة صنعاء.

تستطيع الإمارات أن تقنع الولايات المتحدة والغرب بأن مليشياتها قادرة على حسم هذه المواجهة، وأن إقامة دولة على المحافظات الجنوبية هو أفضل حل لتحقيق ذلك، لكن التنفيذ لن يتم إلا عبر طريقين: الأول هو تحدي الجميع وتكريس “الانفصال” بناء على نتائج الميدان، وحشد دعم دولي وإقليمي للمليشيات الإماراتية ولو تطلب الأمر تجاوز التحالف والحكومة التي يرعاها، وهذا صعب للغاية، وسيؤدي إلى فوضى عارمة.

والثاني هو إيجاد صيغة دبلوماسية جديدة -مثل نسخة محدثة من اتفاق الرياض أو حتى تشكيل حكومة مختلفة – لتكريس واقع السيطرة الجديد على الأرض اليمنية المحتلة أو تقاسم بعض النفوذ ولكن تحت مظلة “التحالف” بقيادة السعودية، بحيث تبقى الأولوية للتحضير لمواجهة صنعاء تحت هذه المظلة، ويبقى “الانفصاليون” سعداء بما حققوه على أمل -مجرد أمل- أن يقود ذلك إلى تحقق حلم الانفصال في نهاية المطاف، وهذا هو الطريق الذي تسير فيه الأمور.

تقول الولايات المتحدة إنها تدعم “مجلس القيادة الرئاسي لتعزيز أمن واستقرار اليمن” وهو ما لا يمكن اعتباره اصطفافا كاملا مع السعودية بقدر ما هو حرص على أن يتم احتواء التطورات الأخيرة في الإطار الرئيسي المتمثل في وجود “حكومة معترف بها” يتم تقديمها كممثل عن اليمن بكله، ووجود “تحالف” يدعمها، وهو الإطار الذي يعطي الأولوية لمواجهة صنعاء.

وفيما يعمل السعوديون على حشد الدعم الدبلوماسي الدولي حول حكومة العليمي كـ”حكومة معترف بها” من أجل إظهار الإمارات والانتقالي كـ”متمردين” في حال قرروا دفع الصراع خارج إطار “التحالف”، صرح مسؤولون إماراتيون بأن موقف بلادهم “يتوافق مع موقف السعودية في دعم العملية السياسية”، وفي الوقت نفسه يبدي مسؤولو الانتقالي حرصا كبيرا على عدم التصادم علنا مع السعودية وتصريحات وفدها الذي تم إرساله إلى حضرموت، بينما يتجاهل حزب الإصلاح الصفعة التي تلقاها ويؤكد على أن الأولوية هي لمواجهة صنعاء، وهو ما يقوله أيضا طارق صالح، وكيل الإمارات في الساحل الغربي.. وهذه كلها مؤشرات على أن التطورات الأخيرة تتجه نحو اتفاق جديد يبقي تطلعات جميع أطراف التحالف مرهونة بالمواجهة مع صنعاء.

“حلم” الانفصال

في سياق أولوية مواجهة صنعاء، من الصعب الفصل بين ترتيبات التصعيد التي شهدتها الفترة الأخيرة لتشديد الحصار على موانئ الحديدة وعسكرة المياه الإقليمية اليمنية، والتطورات الأخيرة في حضرموت والمهرة، لكن مسألة إعلان الانفصال في هذا السياق تبدو “هامشا” على المعركة التي يتم التحضير لها.

ولعل أقرب ما يوضح موقع “الانفصال” في تحضيرات الجولة القادمة هو تقرير نشره معهد الأمن القومي بتل أبيب مؤخرا يتناول حاجة تل أبيب إلى تجنيد إقليم “أرض الصومال” في المعركة المقبلة ضد اليمن، حيث يذكر التقرير أن الاعتراف الرسمي بأرض الصومال كدولة، مقابل استخدامها كقاعدة عمليات ضد اليمن، سيخلق صعوبات وتعقيدات دبلوماسية دولية وإقليمية، ويقترح بدلا من ذلك أن يتم إقامة علاقات وتقديم دعم للإقليم “تحت عتبة الاعتراف”، أي بما يكفي لاستخدامه كجبهة ضد اليمن في الوقت الحالي، مع وعد بأن يتم إقناع الولايات المتحدة بالعمل لاحقا على مسألة الاعتراف الدولي.

إن تداعيات إعلان “دولة جنوبية” في اليمن أكثر تعقيدا وحساسية بكثير من الاعتراف بأرض الصومال، وطالما أن الهدف الرئيسي لتحالف العدوان والولايات المتحدة هو التخلص من التهديد الذي تشكله صنعاء ومشروعها، فإن أعلى سقف يمكن أن يتطلع إليه الانتقالي هو جبهة مفتوحة ضد القوات المسلحة اليمنية، بدون حتى “وعود” بأن تتحول هذه الجبهة إلى “دولة” في وقت ما وأن يتم الاعتراف بها.

هذه المسألة واضحة حتى في التقارير التي تروج لمشروع تمكين الانتقالي، وفي هذا السياق أيضا تنقل مجلة “نيوزويك” الأمريكية عن أحد الخبراء قوله إن: “المجلس الانتقالي يدرك أنه لا يستطيع إعلان الانفصال لأن المجتمع الدولي غير مستعد للاعتراف بخطوة أحادية الجانب، والمملكة العربية السعودية غير مستعدة لتحمل عواقب مثل هذا الاختيار”.

وبهذا يمكن القول إن صمود صنعاء وتعاظم قوتها، أصبحا بمثابة “ضامن” لفشل مشروع تقسيم اليمن.

تأثير الصراع السعودي الإماراتي على الأولويات الأمريكية

لا بد من التنبيه في الأخير بأن وجود أولويات أمريكية تتحكم بالصراع داخل معسكر التحالف السعودي الإماراتي، لا يعني أن الانقسام والتباين الذي يشهده هذا المعسكر لا تأثير له، أو يمكن معالجته بسهولة.

يقول توماس جونو، الزميل المشارك في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمعهد تشاتام هاوس، والأستاذ في كلية الدراسات العليا للشؤون العامة والدولية بجامعة أوتاوا: “لطالما استفاد الحوثيون من ضعف الحكومة المعترف بها دوليًا وتشرذمها. وما حدث مؤخرا يُضعفها أكثر، وبالتالي يُعزز الحوثيين بحكم الأمر الواقع”.

وتؤكد مجلة “نيوزويك” الأمريكية إن “التنافسات المتداخلة” بين الرياض وأبو ظبي تؤكد على “التعقيد الجيوسياسي الذي تواجهه واشنطن وشركاؤها”.

وبرغم التزام السعودية والإمارات بالأهداف والمصالح الأمريكية التي تقضي بالعمل المشترك على مواجهة صنعاء، فإن الصراع بينهما يجعل العمل بمقتضى هذا الالتزام أكثر تعقيدا مما يفترض به أن يكون، إذ سيسعى كل طرف بالتأكيد لربط مشاركته بما يضمن له مصالحه الخاصة، بل وتقويض مصالح منافسه قدر المستطاع، وهو ما سيجعل الولايات المتحدة تعاني بشكل أكبر من أجل “توحيد الصفوف”.

لقد ترددت السعودية في الانخراط بشكل كامل ضمن التصعيد الأمريكي والإسرائيلي ضد اليمن خلال معركة طوفان الأقصى، وربطت ذلك بضمانات كثيرة، على الرغم من أن هدف “القضاء على التهديد اليمني” هو هدف مشترك، وأثناء حملة القصف التي شنتها إدارة ترامب ضد اليمن، تحدثت تقارير عن تباين بين موقفي السعودية والإمارات فيما يتعلق بإطلاق حملة برية للمليشيات المحلية ضد القوات المسلحة اليمنية، ومؤخرا أشار تحليل استخباراتي لمركز “ستراتفور” الأمريكي أن هذا التباين لا يزال قائما فيما يتعلق بالانضمام للتصعيد الإسرائيلي المتوقع ضد اليمن.

وحتى لو تمكنت الولايات المتحدة من حشد مختلف أطراف التحالف في المعركة القادمة ضد صنعاء، فإن العواقب الكبيرة قد تعيد إثارة المصالح المتباينة بسرعة، وتجعل الأطراف تختار مسارات مختلفة، وقد حدث ذلك مع السعودية والإمارات قبل حتى أن تقوم أبو ظبي بتقويض نفوذ الرياض في المحافظات اليمنية المحتلة.

إن الصراع بين السعودية والإمارات واقع له تأثيرات ملموسة لا يلغيها التزامهما المشترك بالأولويات الأمريكية، وبقاء صنعاء قوية ومتماسكة يجعلها قادرة على الاستفادة من هذا الصراع.

 

قد يعجبك ايضا