دمشق تفتح بوابة التطبيع
دمشق – المساء برس|
أثارت تصريحات وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، موجة استياء عارمة بعد أن قدّم خلال منتدى الدوحة خطابًا بدا أقرب إلى تبرير الانفتاح على الكيان المحتل، معلنًا رغبة بلاده في «علاقات هادئة مع الجميع بمن فيهم “إسرائيل”»، ومتحدثًا عن التزام باتفاقية 1974 ووساطة أميركية لإبقاء خطوط التواصل مفتوحة مع واشنطن و”تل أبيب”.
الشيباني لم يتردد في الإشارة إلى أن دمشق «كسبت دولاً داعمة لاتفاق أمني مع “إسرائيل”»، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، وهو اعتراف فجّ — وفق مراقبين — يكشف حجم الارتهان السياسي الذي وصلت إليه السلطة الجديدة، ومحاولتها استرضاء أطراف دولية وإقليمية على حساب الثوابت الوطنية وملف الأرض المحتلة.
ورغم وصفه سياسات “إسرائيل” بأنها «عامل مقلق لاستقرار سوريا»، عاد الشيباني ليقدّم ما يشبه رسالة تطمين للكيان، معتبرًا أن «الخط الأحمر» في أي اتفاق أمني ليس الاحتلال نفسه، بل فقط حدود ما بعد 8 ديسمبر 2024، متجاهلًا أن “إسرائيل” تحتل أجزاء من سوريا منذ عقود، وأن مجرد الحديث عن اتفاقات أمنية معها يعد انزلاقًا سياسيًا خطيرًا.
وفي تناقض واضح، أشار الوزير إلى استحالة التوصل إلى اتفاق سلام مع “إسرائيل” بسبب استمرار احتلالها الأراضي السورية، قبل أن يطالبها في الجملة التالية بـ«الكفّ عن التدخل في الشؤون الداخلية»، وكأن المشكلة باتت سلوك الكيان لا جوهر وجوده الاحتلالي.
الأكثر إثارة للجدل كان حديث الشيباني عن أن الولايات المتحدة «بدأت تصنّف سوريا دولة شريكة»، وكأن التصنيف الأميركي — المتقلّب بطبيعته — شهادة ضمان لمستقبل سوريا أو غطاء يشرعن التحولات السياسية الأخيرة.
على الجانب الآخر، قدّم المبعوث الأميركي توم براك روايته الخاصة، مبررًا النهج الأميركي ومشيدًا بقرارات الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب، ومؤكدًا أن الأخير «ارتأى منح الفرصة للرئيس الشرع» بعد «دراسة معمقة»، في محاولة لإظهار السياسة الأميركية كراعٍ حكيم لا كقوة تسعى لإعادة تشكيل المنطقة لصالح “إسرائيل”.
وبرغم اعترافه بأن «قرارات الغرب منذ سايكس بيكو كانت خاطئة»، فإن براك لم يخفِ دعمه للمسار السياسي القائم في دمشق، واصفًا ما يحدث بأنه «إنجازات بطولية» وأن القيادة السورية الجديدة «بحاجة إلى الاستقرار» ومزيد من الدعم.
وتجمع قراءات سياسية عدة على أن تصريحات الجانبين تعكس مرحلة جديدة تتقدم فيها ترتيبات أميركية–”إسرائيلية” لإعادة صياغة دور سوريا داخل الإقليم، عبر دفعها تدريجيًا نحو مسار تطبيع ناعم، وتمييع ملف الجولان المحتل، وفتح الباب لتحالفات أمنية تخدم مصالح الاحتلال لا مصالح الشعب السوري.