لماذا تعترف الاستخبارات الأمريكية بعجزها في اليمن، وماحاجتها للعنصر البشري رغم امتلاكها لأقمار صناعية؟

تقرير _ المساء برس

 

في أعقاب إعلان حكومة صنعاء عن تفكيك شبكة تجسسية كبرى، أثير الجدل مجدداً: هل لا تزال الحاجة قائمة للجاسوس البشري في عصر الأقمار الصناعية والطائرات المسيرة؟

عملية أمنية نوعية تثير سجالاً تقنياً:

أعلنت وزارة الداخلية في حكومة صنعاء، أمس السبت، عن نجاح عملية أمنية نوعية حملت اسم “وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ”، تم خلالها تفكيك شبكة تجسسية ضخمة.

وأشار البيان الرسمي إلى أن الشبكة كانت تعمل لصالح غرفة عمليات مشتركة تضم وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)، وجهاز الموساد الإسرائيلي، والمخابرات السعودية، متخذة من الأراضي السعودية مقراً لعملياتها.

غير أن صدى هذا الإعلان تجاوز الحدث الأمني نفسه، ليفتح باباً للنقاش المحتدم على منصات التواصل الاجتماعي، حيث سارع ناشطون موالون للتحالف إلى التقليل من شأن الإنجاز، زاعمين أن التقدم التكنولوجي في مجال الأقمار الصناعية قد أنهى عصر الحاجة إلى العنصر البشري في المهام التجسسية، لكن هذا الادعاء، بحسب مراقبين، “يبدو منفصلاً عن الواقع العملي للمجال الاستخباراتي”.

الاستخبارات البشرية: العصب الذي لا غنى عنه:

على النقيض من تلك الادعاءات، تؤكد الوقائع والأقوال الرسمية أن “الاستخبارات البشرية” لا تزال تمثل العمود الفقري لأي عمل استخباراتي فعال، فالتكنولوجيا، رغم دقتها، تعجز عن جمع المعلومات من قلب المجتمعات، أو التأكد من البيانات التي تلتقطها المستشعرات عن بُعد.

وفي تأكيد على هذه الأهمية، نقلت دراسة للمركز الفلسطيني للإعلام عن يعقوب بيري، رئيس الشاباك الإسرائيلي السابق، قوله: “على الرغم مما لدى إسرائيل من تكنولوجيا إلا أنها تبقى بحاجة إلى معلومات ضرورية على الأرض، وهذا الأمر لا يتأتى إلا بعنصر بشري، والمعلومات التي تأتي من العنصر البشري تكون مؤكدة 100%، أكثر من المعلومات التي تأتي من خلال الوسائل الإلكترونية”.

تكاثف الأدلة: اعترافات أمريكية بالحاجة للجاسوس:

لا تقتصر الأدلة على التصريحات الإسرائيلية، بل تمتد إلى أروقة الاستخبارات الأمريكية نفسها. ففي تصريح مثير لصحيفة “فايننشال تايمز” مطلع مارس الماضي، اعترف المسؤول في وكالة الاستخبارات الأمريكية، تيد سنجر، بالعجز الناتج عن غياب العنصر البشري على الأرض، قائلاً: “الحوثيون يخزنون أسلحتهم في تضاريس صعبة للغاية، والحصول على معلومات استخباراتية على الأرض أصبح أكثر صعوبة منذ أن أخلت الولايات المتحدة سفارتها في صنعاء في 2015”.

هذا العجز الاستخباراتي يشكل هاجساً واضحاً للبنتاغون، كما تكشف تصريحات مسؤوليه، فخلال جلسة سرية في الكونجرس نهاية فبراير، صرح دان شابيرو، كبير مسؤولي البنتاغون في الشرق الأوسط، بأن الجيش الأمريكي “يجهل مصدر ترسانة الحوثيين” قبل بدء الحملة العسكرية.

بدوره، لخص الأدميرال مارك ميجيز، قائد مجموعة “كاريبر ستريك 2” الهجومية، الموقف بصراحة: “إن الولايات المتحدة ليس لديها سوى القليل من المعلومات الدقيقة فيما يتعلق بما يمتلكه الحوثيون من أسلحة”.

وهذه التصريحات تؤكد بأن الأقمار الصناعية والتكنولوجيا الأمريكية لم تستطع جمع معلومات كافية عن القدرات العسكرية لليمن.

التحديات التكنولوجية: حدود الأقمار الصناعية:

تكشف التحليلات المتخصصة أن للأقمار الصناعية التجسسية حدوداً لا تتخطاها، فبحسب تحليل للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية وتصريحات للضابط الأمريكي ووكر ميلز، تفتقر هذه الأقمار للقدرة على رصد الأهداف المخبأة في الأنفاق العميقة، أو كهوف الجبال، أو المتخفية داخل الأحياء السكنية الكثيفة.

وأكدت تقارير لصحيفة “إزفيستيا” الروسية أن “البنتاغون يجهل حجم الضرر الذي ألحقه بالحوثيين عبر الضربات، إذ لم يكن لديه في السابق معلومات تفصيلية عن حجم ترسانتهم”.

درس غزة: التكنولوجيا لا تكفي وحدها:

يقدم المشهد في غزة دليلاً عملياً واضحاً على استحالة الاستغناء عن الجاسوس البشري، فبرغم الاحتلال الإسرائيلي للمنطقة واحتكاره لأحدث تقنيات المراقبة من أقمار صناعية وطائرات مسيرة، لجأت أجهزته الاستخباراتية إلى تجنيد عناصر بشرية داخل القطاع.

وفي هذا السياق، أعلنت المقاومة الفلسطينية في أوقات سابقة عن إعدام العشرات من هؤلاء العملاء خلال الحرب، في إشارة واضحة إلى حجم النشاط الاستخباراتي البشري الإسرائيلي المستمر، رغم التغطية التكنولوجية الكثيفة.

خاتمة:

الخلاصة التي تفرضها الوقائع والأقوال هي أن العالم الاستخباراتي يعتمد على شراكة استراتيجية بين التكنولوجيا والعنصر البشري، فإذا كانت الأقمار الصناعية تمثل “العين” التي ترى من السماء، فإن الجاسوس البشري يبقى “اليد” التي تلمس، و”الأذن” التي تسمع، و”العقل” الذي يحلل في قلب البيئات المعقدة، وفي المعادلات الصعبة كتلك التي تشهدها اليمن، يبدو أن الجاسوس البشري لا يزال مهماً للغاية.

قد يعجبك ايضا