الشهيد الغماري.. بَطَلٌ خَالِدٌ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَنَصْرَةِ فِلَسْطِينَ

وما يسطرون – ق. حسين المهدي – المساء برس|

(وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)

لَقَدْ أُصِيبَتِ الْيَمَنُ بِخَطْبٍ جَسِيمٍ، وَمُصَابٍ عَظِيمٍ، لِفَقْدِهَا الْمُنَاضِلَ الْجَسُورَ، رَئِيسَ هَيْئَةِ الْأَرْكَانِ الْعَامَّةِ لِلْقُوَّاتِ الْمُسَلَّحَةِ الْيَمَنِيَّةِ، اللِّوَاءَ مُحَمَّدَ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْغُمَارِيَّ، الْمَعْرُوفَ بِجِهَادِهِ وَاجْتِهَادِهِ، وَنَصْرِهِ لِفِلَسْطِينَ، حِينَ امْتَدَّتْ إِلَيْهِ يَدُ الْغَدْرِ الصِّهْيَوْنِيَّةِ الْيَهُودِيَّةِ. وَكَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي أَنْصَارِ اللَّهِ رَمْزًا يَتَحَلَّى بِالْفَضَائِلِ، وَاتِّبَاعِ هُدَى النَّبِيِّ الْكَرِيمِ. اتَصَفَ بِالْعَقْلِ وَالرَّصَانَةِ، وَعِزَّةِ النَّفْسِ، وَكَبِيرِ الْمَكَانَةِ. لَهُ سَكِينَةٌ وَوَقَارٌ يُطْفِئَانِ اضْطِرَامَ النَّارِ، وَلَهُ طَبِيعَةٌ خَلَّابَةٌ تُشْعِرُ بِالْعِزَّةِ وَالافْتِخَارِ. لَوْ سَالَ طَبْعُهُ لَكَانَ رِضَابًا، أَوْ تَجَسَّمَ لُطْفُهُ لَكَانَ شَرَابًا، وَلَوْ تَمَثَّلَتْ شَجَاعَتُهُ وَكَرَمُهُ لَكَانَ بَحْرًا عَبَابًا.

أَثْنَى عَلَيْهِ قَائِدُ الْمَسِيرَةِ الْقُرْآنِيَّةِ، السَّيِّدُ الْعَلَمُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ بَدْرِ الدِّينِ الْحُوثِيُّ حَفِظَهُ اللَّهُ، فَذَكَرَ بِشَجَاعَتِهِ الْحَيْدَرِيَّةِ، وَقُوَّةِ إِيمَانِهِ بِرِسَالَتِهِ الْمُحَمَّدِيَّةِ، فَتَجَلَّى عِنْدَ ذَلِكَ لِلسَّامِعِينَ عُلُوَّ مَكَانِهِ.

م__ مَا مِثْلُهُ أَبَدًا فِي النَّاسِ مِنْ رَجُلٍ ** مُلَقِّنِ الْكُفْرِ دَرْسًا صَادِقَ الْمَثَلِ

ح__ حَازَ الشَّجَاعَةَ إِرْثًا مِنْ أَبِيهِ وَمِنْ ** مَوْلَى الْبَرَايَا أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ

م__ مِنْ أَشْرَفِ النَّاسِ أَخْلَاقًا وَمَعْرِفَةً ** وَأَسْرَعِ النَّاسِ إِشْرَاقًا إِلَى الْعَمَلِ

د__ دَارَ الْحُرُوبَ بِوَجْهٍ بَاسِمٍ طَلْقٍ ** وَلَا يُدَاخِلُهُ شَيْئًا مِنَ الْوَجَلِ

ا__ أَجْرَى الصَّوَارِيخَ فِي نَحْرِ الْيَهُودِ وَكَمْ ** غَذَّى الْغُمَارِيَّ غِمَارَ الْحَرْبِ بِالْأَسَلِ

ب__ بَانِي بِنَاءِ الْمَجْدِ فِي أَرْضِ السَّعِيدَةِ مِنْ ** يُلْقَى الْحُرُوبَ بِوَجْهِ الْفَارِسِ الْبَطَلِ

ن__ نَالَ الْمَكَارِمَ حَتَّى صَارَ مُرْتَفِعًا ** بَيْنَ الْخَلَائِقِ فِي خَلٍّ وَمُرْتَحِلِ

ع__ عَالَ الْمَكَانَةَ بِالْأَخْلَاقِ مُرْتَفِعًا ** مِثْلَ السَّحَابِ الْعَارِضِ الْهَطْلِ

ب__ بَانِي الْمَكَارِمِ فِي كُلِّ الْعِبَادِ وَفِي ** أَرْضِ الْيَمَانِيِّينَ خَيْرِ الْأُمَّةِ الْأَوَّلِ

د__ دَارَ الْمَعَارِكَ لَيْثًا صَائِلًا وَلَهُ ** كَفٌّ تُجُودُ بِهَا كَالْعَارِضِ الْهَطْلِ

ا__ الْفَارِسُ الْبَطَلُ الْمُغْوَارُ هِمَّتُهُ ** نَيْلُ الشَّهَادَةِ وَهِيَ فَوْزٌ عِنْدَ كُلِّ وَلِيِّ

ك__ كَمْ كَانَ يَسْعَى لِإِعْلَاءِ الشَّرِيعَةِ وَكَمْ ** أَحْيَا فَرَائِضَهَا فِي السَّهْلِ وَالْجَبَلِ

ر__ رَبَّاهُ فَانْصُرْ كِتَابًا أَنْتَ مُنْزِلُهُ ** لَنَا هُدًى وَانْصُرِ الْأَنْصَارَ يَا أَمَلِ

ي__ يَا ابْنَ الرَّسُولِ وَيَا نِعْمَ الشَّهِيدُ وَمَنْ ** صَارَتْ فَضَائِلُهُ فِي النَّاسِ كَالْمَثَلِ

م__ مَا مِثْلُكُمْ أَبَدًا فِي الْعَصْرِ مِنْ رَجُلٍ ** إِلَّا الَّذِي يُصَدِّقُ الرَّحْمَنَ بِالْعَمَلِ

لَقَدْ كَانَ الشَّهِيدُ الْغُمَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مُتَحَلِّيًا بِالْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ، وَالشَّجَاعَةِ النَّادِرَةِ، وَالْإِيمَانِ الرَّاسِخِ، وَالْكَلِمَةِ الصَّادِقَةِ، الَّتِي تَخْلُقُ الْوَعْيَ، وَتُغَذِّي الرُّوحَ الْمَعْنَوِيَّةَ، فَفَازَ بِالشَّهَادَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمِنْ أَجْلِ الدِّفَاعِ عَنِ الْمُسْتَضْعَفِينَ فِي فِلَسْطِينَ، فَنَالَ أَعْلَى الْمَرَاتِبِ، وَظَفِرَ بِأَعْلَى الْمَكَاسِبِ. فَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ النَّبَوِيِّ الشَّرِيفِ: “لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ: يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْقَةٍ مِنْ دَمِهِ، وَيُرَى مَقْعَدُهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَيَأْمَنُ مِنَ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ، وَيُحَلَّى حُلَّةَ الْإِيمَانِ، وَيُزَوَّجُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ” [رَوَاهُ الْإِمَامُ التِّرْمِذِيُّ].

وَقَدْ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ: (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ). فَالشَّهِيدُ يَنْتَقِلُ إِلَى حَيَاةٍ كَرِيمَةٍ وَنَعِيمٍ مُقِيمٍ.

لَقَدْ كَانَ لِلشَّهِيدِ إِسْهَامٌ كَبِيرٌ فِي تَصْنِيعِ الْأَسْلِحَةِ وَتَطْوِيرِهَا. وَتَصْنِيعُ الْأَسْلِحَةِ وَتَطْوِيرُهَا دِفَاعًا عَنِ الْأُمَّةِ يُمَثِّلُ بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ. فَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “تُدْخِلُونَ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ ثَلَاثَةَ الْجَنَّةَ: صَانِعَهُ يَحْتَسِبُ فِي صِنَاعَتِهِ الْخَيْرَ، وَالرَّامِيَ بِهِ، وَمُنَبِّلَهُ” أَيْ: الَّذِي يُنَاوِلُ السِّهَامَ الرَّامِيَ. وَالْحَدِيثُ صَرِيحٌ أَنَّ لِلصَّانِعِ أَجْرًا عَظِيمًا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِسَبَبِ صِنَاعَتِهِ، وَذَلِكَ يَشْمَلُ فِي عَصْرِنَا كُلَّ مَنْ يُصَنِّعُ أَوْ يُطَوِّرُ الْأَسْلِحَةَ وَالْعَتَادَ الْعَسْكَرِيَّ، فَرْدِيَّةً كَانَتْ أَوْ جَمَاعِيَّةً. فَكُلُّ مَنْ يُسْهِمُ فِي صِنَاعَةِ الدَّبَّابَاتِ، وَالطَّائِرَاتِ الْمُسَيَّرَةِ، وَالسُّفُنِ الْحَرْبِيَّةِ، وَالصَّوَارِيخِ فَائِقَةِ الصَّوْتِ، وَأَنْظِمَةِ الدِّفَاعِ الْجَوِّيَّةِ، يَشْمَلُهُ الْحَدِيثُ؛ لِأَنَّ فِي تَصْنِيعِ السِّلَاحِ وَإِعْدَادِهِ حِمَايَةَ الْأَعْرَاضِ، وَالْأَمْوَالِ، وَالْأَوْطَانِ، وَالْعَقِيدَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ مِنَ الْعُدْوَانِ. وَهُوَ وَسِيلَةٌ لِتَحْقِيقِ الْأَمْرِ الْإِلَهِيِّ: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ)، وَوَسِيلَةٌ لِلدِّفَاعِ عَنِ الْمُسْتَضْعَفِينَ، وَأَدَاةٌ لِنَصْرَةِ الْمَظْلُومِينَ، الَّذِينَ لَا يُقَدِّرُونَ عَلَى الدِّفَاعِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ: (وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ).

لَقَدْ كَانَ الشَّهِيدُ يَرْحَمُهُ اللَّهُ يُدْرِكُ أَنَّ الدَّوْلَةَ عِنْدَمَا تَمْلِكُ السِّلَاحَ وَالْقُوَّةَ، تَمْلِكُ قَرَارَهَا وَسِيَادَتَهَا وَاسْتِقْلَالَهَا، وَبِتَصْنِيعِ السِّلَاحِ تَمْلِكُ كَرَامَتَهَا، وَلَا تَكُونُ تَابِعَةً أَوْ خَاضِعَةً لِغَيْرِهَا.

إِنَّ الْعَالَمَ الْيَوْمَ يُدْرِكُ مَا يَحْصُلُ مِنْ ذُلٍّ وَاسْتِضْعَافٍ لِلدُّوَلِ الَّتِي لَا تُصَنِّعُ السِّلَاحَ. كَيْفَ أَصْبَحَتْ عَاجِزَةً، يَنْهَبُ أَعْدَاؤُهَا ثَرَوَاتِهَا، وَيُدَنِّسُونَ مَقَادِسَهَا، وَيَقْتُلُونَ أَبْنَاءَهَا، دُونَ أَنْ تَمْلِكَ قُوَّةً تَسْتَطِيعُ بِهَا رَدَّ عُدْوَانِ الْمُعْتَدِي. فَهِيَ لَا تَمْلِكُ قَرَارَهَا، وَهَذَا خَطَرٌ عَظِيمٌ يُصِيبُ الْأُمَّةَ. فَالْأُمَّةُ الَّتِي تَتَكَاسَلُ عَنْ تَصْنِيعِ السِّلَاحِ تَكُونُ عَاجِزَةً عَنِ الرَّدِّ، وَعَنِ الدِّفَاعِ عَنِ الْمُسْتَضْعَفِينَ. وَلِهَذَا يَقُولُ الْحَقُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّـهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّـهِ كَثِيرًا). فَالْآيَةُ تُبَيِّنُ أَنَّ الَّذِي يُحْرِزُ السِّلَاحَ وَيُقَاتِلُ يَمْنَعُ ذَلِكَ هَدْمَ الْمَسَاجِدِ وَاغْتِصَابَهَا.

فَغِيَابُ الْقُوَّةِ وَالسِّلَاحِ مِمَّا يَجْعَلُ الْأُمَّةَ عَاجِزَةً عَنِ اسْتِرْدَادِ الْأَرْضِ الْمُغْتَصَبَةِ فِي فِلَسْطِينَ، وَالْحَقِّ الْمُسْتَلَبِ فِيهَا.

فَالْأُمَّةُ الَّتِي تَتْرُكُ تَصْنِيعَ السِّلَاحِ وَحَمْلَهُ، يُفْرَضُ عَلَيْهَا التَّبَعِيَّةُ السِّيَاسِيَّةُ وَالْعَسْكَرِيَّةُ، وَتَتَحَوَّلُ إِلَى أُمَّةٍ مُسْتَهْلِكَةٍ لِلسِّلَاحِ، تَابِعَةٍ لِلدُّوَلِ الْمُصَنِّعَةِ، فَتُخْضَعُ لِشُرُوطِهَا السِّيَاسِيَّةِ، وَتُقَيَّدُ إِرَادَتُهَا، وَتُسَيْطِرُ عَلَيْهَا الْقُوَى الطَّاغِيَةُ، بِمَا يُؤَدِّي إِلَى اسْتِعْبَادِ النَّاسِ، وَقَهْرِهِمْ، وَسَرِقَةِ أَرْضِهِمْ، وَسَفْكِ دِمَائِهِمْ.

فَكَانَ الشَّهِيدُ رَحِمَهُ اللَّهُ يَشْعُرُ بِذَلِكَ، وَأَنَّ تَصْنِيعَ السِّلَاحِ فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى الدَّوْلَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، فَسَاهَمَ فِي مَجَالِ التَّصْنِيعِ الْعَسْكَرِيِّ، وَسَاهَمَ فِي الدِّفَاعِ عَنْ فِلَسْطِينَ. وَلِهَذَا اسْتَهْدَفَهُ الْأَعْدَاءُ، فَظَفِرَ بِالشَّهَادَةِ، بَعْدَ أَنْ تَرَكَ إِرْثًا خَالِدًا لِلْقُوَّاتِ الْمُسَلَّحَةِ الْيَمَنِيَّةِ، فَنَالَ الْعِزَّةَ وَالْكَرَامَةَ، وَخَابَ الْأَعْدَاءُ وَخَسِرُوا.

فَالْقُوَّةُ الَّتِي تَرْدَعُ الْأَعْدَاءَ، وَتَحْمِي الْحُقُوقَ، يَتَحَقَّقُ بِهَا الْعِزُّ وَالْكَرَامَةُ لِلْأُمَّةِ: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).

قد يعجبك ايضا