أوهام قمة شرم الشيخ.. وكيف يزرع نتنياهو بذور الحرب القادمة
فلسطين المحتلة – المساء برس|
كشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، اليوم الأحد، في تقرير موسّع للكاتب رونين بيرغمان، عن حالة تضليل واسعة يعيشها الجمهور الإسرائيلي منذ توقيع الاتفاق مع حركة المقاومة الإسلامية حماس، واصفاً ما يجري بأنه «خلق متعمّد لواقع بديل يخفي فشل القيادة السياسية والعسكرية للاحتلال، ويهيّئ الأرضية لجولة حرب جديدة».
بحسب التقرير، فإنّ الإسرائيليين يتعرّضون لحملة دعائية كثيفة من الأكاذيب والتصريحات المفبركة، تهدف إلى تصوير الاتفاق الأخير مع حماس وكأنه جزء من «خطة استراتيجية عبقرية» لرئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو.
وأكد بيرغمان أن هذا «التزييف المتعمّد للحقائق» لا يعد مجرد تهرّب من المسؤولية، بل هو انتهاك لحق الجمهور في المعرفة وتشويه للتاريخ، مشيراً إلى أن اللحظة التي تنهار فيها هذه الأوهام، «ستُوجّه أصابع اللوم كالعادة إلى الآخرين لا إلى صُنّاع القرار».
وأوضح الكاتب أن ما روّج له حول «قمة شرم الشيخ» كان واحداً من تلك المسرحيات السياسية التي أُعدّت لتلميع صورة نتنياهو.
فبينما ادّعت حكومة الاحتلال أن رئيسها اعتذر عن حضور القمة بسبب «قدسية العيد»، كشف بيرغمان نقلاً عن مصادر استخباراتية في الشرق الأوسط أن نتنياهو لم يُدعَ إلى القمة أصلاً، بعدما غضب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من تصريحات مسيئة صادرة عن مكتبه.
وبحسب المصادر نفسها، فإن الرئيس الأميركي دونالد ترامب هو من تدخّل لاحقاً وضغط على القاهرة لتوجيه الدعوة «من الباب الخلفي»، لكن تسريبات مكتب نتنياهو لاحقاً أفسدت الترتيبات، ودَفعت كلاً من الرئيسين الإندونيسي والقبرصي إلى إلغاء زيارتيهما.
ويؤكد بيرغمان أن «نتنياهو رفض في النهاية المشاركة ليس احتراماً للعطلة، بل خوفاً من خسارة ائتلافه اليميني المتطرف إذا اضطرّ إلى مصافحة محمود عباس أو مناقشة مستقبل العلاقات مع الفلسطينيين».
وأفردت الصحيفة مساحة كبيرة لما سمّته «بيت الأوهام الورقي» الذي بناه مكتب نتنياهو لتبرير استمرار الحرب في غزة عامين متتاليين، بزعم أن الضغط العسكري وحده هو السبيل لتحرير الأسرى.
لكن الواقع – بحسب الكاتب – أثبت العكس تماماً، إذ تمّت الصفقة من خلال قيادات من حماس كانت تل أبيب تتهمها بالتعنت، ما أسقط مزاعم الاحتلال بأن الحلّ العسكري هو الطريق الوحيد.
كما فضح التقرير منظمة تدعى «منتدى الأمل»، وصفها بأنها واجهة أنشأها ناشطون من اليمين المتطرف بدعم مباشر من مكتب نتنياهو ووزرائه، بغرض تضليل الرأي العام وإضعاف هيئة عائلات الأسرى التي كانت تطالب بإنهاء الحرب.
وأشار بيرغمان إلى أن وزير الشؤون الإستراتيجية رون ديرمر، المقرّب من نتنياهو، هو من تولّى توقيع الاتفاق في شرم الشيخ، رغم أنه قبل أسابيع فقط كان يرفض أي انسحاب من غزة مقابل إطلاق الأسرى.
لكن ما وقّعه في النهاية، بحسب التقرير، هو اتفاق يقضي بانسحاب جيش الاحتلال من معظم مناطق القطاع من دون أي ترتيبات أمنية أو سياسية واضحة، في تناقض صارخ مع ما كانت حكومة نتنياهو تروّجه من شعارات «النصر الكامل» و«نزع سلاح حماس».
ويضيف بيرغمان أن الاحتلال يحاول الآن تسويق الاتفاق على أنه يحقق كل ما أراده، بينما الحقيقة أنه لا نزع للسلاح، ولا نفي للقيادات، ولا حكومة بديلة في غزة، ما يعني أن المقاومة ما زالت هي القوة الفعلية على الأرض.
وحذّر المصدر الأمني الذي استند إليه الكاتب من أن استمرار هذه الأكاذيب سيفجّر غضباً داخلياً واسعاً داخل “إسرائيل”، قائلاً: «بين الوهم الذي روّجوا له والواقع الذي سيظهر قريباً، ستنشأ خيبة أمل هائلة، وسيسأل الإسرائيليون: لماذا خضنا هذه الحرب ونحن نعود إلى نقطة البداية؟».
واختتم بيرغمان مقاله بتحذير واضح: «نتنياهو ووزير خارجيته كاتس، عبر زرع الأوهام والترويج لانتصارات وهمية، يزرعان بذور الحرب القادمة. فعندما تنكشف الفجوة بين الخطاب والواقع، لا يجد القادة سوى إشعال نار جديدة للهروب من المحاسبة».