قمة شرم الشيخ..عندما يتحول السلام إلى تكريس للهيمنة
متابعات خاصة .. هاشم الدرة – المساء برس|
في عالم السياسة المعاصر، لم يعد مفهوم “السلام” يحمل بالضرورة دلالة على الأمن والاستقرار، بل بات يستخدم كستار لتكريس الهيمنة وتبرير الانتهاكات، خاصة حين يدار من قبل قوى عظمى تسعى لإعادة تشكيل الخارطة الجيوسياسية وفق مصالحها الخاصة.
هذا التناقض بين الشكل والمضمون تجلى بوضوح في قمة شرم الشيخ الأخيرة، التي روج لها كمنصة لإحلال السلام في الشرق الأوسط، لكنها في جوهرها كانت إعلانا صريحا لتثبيت النفوذ الأمريكي في الإقليم والحماية للكيان الصهيوني.
في اليوم نفسه الذي انعقدت فيه القمة، أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تصريحات من تل أبيب حملت اعترافا صريحا بمشاركة بلاده في العمليات العسكرية الإسرائيلية، حين قال إن واشنطن زودت “إسرائيل” بأسلحة “رائعة” استخدمتها “بشكل رائع”، هذه العبارة، تحمل دلالات خطيرة؛ فهي ليست مجرد إشادة بالأداء العسكري، بل اعتراف ضمني بالمساهمة في القتل والدمار الذي طال المدنيين في غزة، وتأكيد على أن الدعم الأمريكي لـ”إسرائيل” لا يقتصر على السياسة، بل يمتد إلى الميدان العسكري.
ولم تتوقف الرسائل عند هذا الحد، بل تجاوزت ذلك إلى اقتراح ترامب إصدار عفو عن رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو، في خطوة تعكس رغبة واشنطن في طي صفحة الجرائم المرتكبة في غزة والفساد داخل الكيان دون مساءلة، وتقديم غطاء سياسي لمن تورط في انتهاكات جسيمة بحق الفلسطينيين.
هذا الموقف لا يمكن فصله عن السياق العام للقمة، التي شاركت فيها 35 دولة، لكنها لم تنتج اتفاقا ملزما، بل مجرد إعلان نوايا تتصدره دول عربية مطبعة، أبرزها مصر وقطر، إلى جانب الولايات المتحدة.
اللافت أن الوثيقة التي خرجت بها القمة لم تتضمن أي آلية واضحة لضمان تنفيذ الالتزامات، ما يجعلها عرضة للتنصل في أي لحظة، خاصة من قبل الكيان، الذي اعتاد التنصل من تعهداته، وفي حال حدوث ذلك، فإن واشنطن، بدلا من الضغط أو المحاسبة، ستكون أول من يبرر هذا التنصل، كما أثبتت التجارب السابقة.
أما من الناحية البروتوكولية، فقد اتسم حضور ترامب للقمة بأسلوب فظ ومتعال، حيث ظهر وهو يسخر من القادة العرب المنتظرين له في شرم الشيخ، دون أن يواجه أي اعتراض علني منهم، هذا الصمت، الذي فسر على نطاق واسع بأنه ضعف وتخاذل، أثار استياء الرأي العام العالمي، الذي رأى في المشهد تجسيدا لانعدام الكرامة السياسية لدى بعض الزعماء، أكثر مما رأى فيه استفزازا من ترامب نفسه.
في المحصلة، لم تكن قمة شرم الشيخ سوى فصل جديد في مسلسل إعادة تشكيل الشرق الأوسط وفق الرؤية الأمريكية الإسرائيلية، حيث يعاد تعريف السلام لا كقيمة إنسانية تهدف إلى إنهاء الصراعات، بل كأداة سياسية تستخدم لتثبيت واقع الهيمنة، وتبرير الجرائم، وتهميش الحقوق المشروعة للشعوب.