تقرير صادم..مصير طارق عفاش والزبيدي وعلاقتهما بياسر أبو شباب
تقرير – المساء برس.. هاشم الدرة|
في الحروب الكبرى، لا يكون الحلفاء المحليون “المرتزقة” سوى أدوات مؤقتة في خدمة المصالح الاستراتيجية لمن يقودهم، وعندما تتغير المعادلات، تطوى ملفاتهم بصمت، ويتركون لمصيرهم.
من فيتنام إلى أفغانستان إلى غزة، تتكرر القصة ذاتها، مرتزقة محليون راهنوا على دعم خارجي، ثم وجدوا أنفسهم في مواجهة شعب غاضب منتصر، وحليف غادر.
في اليمن، يطرح السؤال نفسه من جديد، هل سيكون طارق صالح وعيدروس الزبيدي ورشاد العليمي، ومجلسهم الرئاسي، استثناء من هذا المصير؟ أم أنهم مجرد حلقة جديدة في سلسلة المتروكين؟
فيتنام: الهروب من سايغون والخيانة الكبرى
في الثلاثين من أبريل عام 1975، دخلت قوات فيتنام الشمالية العاصمة سايغون، منهية بذلك حربا دامت عشرين عاما بين الولايات المتحدة وحلفائها المحليين من جهة، وقوات التحرير الفيتنامية من جهة أخرى، كانت تلك اللحظة بمثابة انهيار كامل للنفوذ الأمريكي في جنوب شرق آسيا.
في تلك الحقبة أنفقت الولايات المتحدة، أكثر من مئة وعشرين مليار دولار وخسرت نحو ثمانية وخمسين ألف جندي، وتركت خلفها آلاف الموظفين والمترجمين والضباط الفيتناميين الذين تعاونوا معها، هؤلاء لم يمنحوا حماية، ولم تفتح لهم ممرات آمنة.
مشاهد الهروب من السفارة الأمريكية، حيث تسلق الناس الطائرات المروحية في محاولة يائسة للفرار، أصبحت رمزا للخيانة السياسية، كثيرون اعتقلوا، وآخرون أعدموا، والبقية عاشوا في خوف دائم، أما واشنطن، التي وعدت بالحماية، أغلقت أبوابها في اللحظة الحاسمة، وتركتهم في مواجهة مع مآل خيانتهم.
أفغانستان: سقوط كابول وصدمة المترجمين
في أغسطس عام 2021، انهارت الحكومة الأفغانية المدعومة من الولايات المتحدة خلال أيام، بعد اتفاق الدوحة الذي مهد الطريق لانسحاب القوات الأمريكية، دخلت حركة طالبان كابول، بينما كانت القوات الأمريكية تنسحب على عجل، تاركة خلفها آلاف المترجمين والموظفين المرتزقة الذين عملوا معها وفي خدمتها على مدى عشرين عاما.
هؤلاء المرتزقة، الذين كانوا في قلب العمليات العسكرية والاستخباراتية، وجدوا أنفسهم مكشوفين، بعضهم حاول الهروب عبر مطار كابول، حيث تسلقوا الطائرات، وسقط بعضهم منها في مشاهد مأساوية، ورغم الوعود الأمريكية بمنحهم تأشيرات حماية، لم يتمكن كثيرون من المغادرة، كانت تلك لحظة انهيار الثقة بين المرتزقة وسيده.
الانسحاب الأمريكي فضلا عن كونه قرار عسكري، كان إعلان صريح بأن المصالح تتغير، وأن من خدم واشنطن قد لا يجد لها أثرا حين يحتاجها.
غزة: عملاء الموساد في مرمى النيران
في أعقاب اتفاق وقف إطلاق النار بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي مطلع أكتوبر 2025، برزت قضية مصير العملاء الذين تعاونوا مع أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، وعلى رأسهم جماعة ياسر أبو شباب، كواحدة من أكثر الملفات حساسية وغموضا في المشهد الأمني داخل قطاع غزة.
بحسب تقارير صحفية إسرائيلية وعربية، فإن جماعة أبو شباب، المرتبطة بجهاز الموساد، واجهت تخليا واضحا من قبل الاحتلال بعد وقف إطلاق النار، وكشفت صحيفة “إسرائيل اليوم” عن خلاف داخلي بين الجيش الإسرائيلي وجهاز الشاباك حول كيفية التعامل مع هذه العناصر، حيث اقترح الشاباك نقلهم إلى معسكرات مغلقة داخل منطقة غلاف غزة لحمايتهم، لكن الجيش رفض ذلك، مبررا بأن وجودهم يشكل خطرا أمنيا على المدنيين الإسرائيليين.
في الوقت ذاته، رصدت أجهزة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية مؤشرات على فرار عدد من هؤلاء العملاء، بعد حصولهم على وعود بالعفو من قبل المقاومة، ما أثار قلقا داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية من احتمال تسرب معلومات حساسة أو تحول هؤلاء الخونة إلى مصادر ضد الاحتلال لينجو بحياتهم.
كتائب القسام كانت قد بثت في وقت سابق مشاهد توثق استهدافها لقوة من “المستعربين” شرق مدينة رفح، وهي القوة التي يعتقد أن جماعة أبو شباب كانت على صلة بها، مما زاد من حدة الاتهامات الموجهة إليهم.
اللافت أن هذه التطورات جاءت بعد أن لمع اسم ياسر أبو شباب في المشهد الأمني خلال الأشهر الماضية، حيث اتهم بقيادة عصابات لصوص تعمل لصالح الاحتلال، وتورط في اقتحام منازل فلسطينية وتقديم معلومات ميدانية للجيش الإسرائيلي.
ومع بدء تنفيذ وقف إطلاق النار، يواجه هؤلاء العملاء مصيرا مجهولا، وسط غياب أي ضمانات إسرائيلية لحمايتهم، وتزايد المطالبات الشعبية في غزة بمحاسبتهم. هذا التخلي يعيد إلى الأذهان مصير عملاء الموساد في لبنان بعد انسحاب الاحتلال عام 2000، حين تركوا يواجهون مصيرهم دون غطاء أو حماية.
مصير جماعة أبو شباب ومن على شاكلتهم يؤكد مرة أخرى أن من يراهن على الاحتلال، يجد نفسه في نهاية المطاف وحيدا، مكشوفا، ومهددا من الجميع.
اليمن: وكلاء التحالف في عين العاصفة
منذ تدخل التحالف بقيادة السعودية والإمارات في اليمن عام 2015، ظهرت شخصيات يمنية كواجهة لهذا التدخل، طارق صالح، عيدروس الزبيدي، عبد ربه منصور، رشاد العليمي، وآخرون، راهنوا على الدعم الخليجي لبناء نفوذ سياسي وعسكري، لكن مع مرور الوقت، بدأت مؤشرات التراجع تظهر، الإمارات قلصت وجودها العسكري، والسعودية بدأت تبحث عن مخرج سياسي، في ظل هذا التغير، يزداد التكهن حول مصير هؤلاء الوكلاء.
فمنذ تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في اليمن، برزت شخصيات مثل طارق صالح وعيدروس الزبيدي كلاعبين رئيسيين في المشهد السياسي والعسكري، بدعم مباشر من دولة الإمارات، لكن هذا النفوذ لم ينبع من حاضنة شعبية حقيقية، بل من مظلة أمنية خارجية قد لا تكون دائمة، ومع تزايد المؤشرات على تغير أولويات التحالف، يطرح السؤال الأهم: ما هو مصير من ناصروهم من القيادات العسكرية والضباط والأفراد إذا اختفى هذا الدعم فجأة؟
طارق صالح: قائد بلا قاعدة شعبية
طارق صالح، نجل شقيق الرئيس السابق علي عبدالله صالح، يقود قوات “المقاومة الوطنية” في الساحل الغربي، وهي تشكيلات عسكرية مدعومة إماراتيا، رغم امتلاكه ترسانة عسكرية وتمويلا جيدا، إلا أن نفوذه يتركز في مناطق محدودة، ولا يستند إلى قاعدة جماهيرية واسعة، معظم عناصر قواته ينتمون إلى مناطق الوسط والغرب، ويعتمدون على الرواتب والدعم اللوجستي الإماراتي.
في حال انسحاب الإمارات أو تقليص دعمها، فإن هذه القوات قد تواجه تفككا سريعا، خاصة في ظل غياب مشروع سياسي واضح أو ارتباط شعبي حقيقي، فالضباط الذين خدموا تحت قيادته قد يجدون أنفسهم في مواجهة فراغ سياسي وأمني، دون غطاء يحميهم من خصومهم في التحالف نفسه أو من غضب الشارع.
عيدروس الزبيدي: زعامة جنوبية ضعيفة تحت مظلة إماراتية
أما عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، يطرح نفسه كممثل للقضية الجنوبية، لكنه يواجه تحديات داخلية كبيرة، فالمجلس الانتقالي يعتمد بشكل شبه كامل على الدعم الإماراتي، سواء في التسليح أو التمويل أو الحماية السياسية، ورغم الترويج الإعلامي لوجود شعبيه في بعض مناطق الجنوب، إلا أن الانقسامات الداخلية، وتعدد مراكز القوى، تجعل من نفوذه هشا.
في حال تغير الموقف الإماراتي، فإن الزبيدي قد يجد نفسه معزولا، خاصة أن خصومه في الجنوب، من بينهم قيادات سلفية وقبلية، ينتظرون لحظة الانقضاض، أما الضباط والقيادات العسكرية التي التحقت بالمجلس الانتقالي، فإن مصيرهم سيكون أكثر قتامة، إذ قد ينظر إليهم كأدوات استخدمت في مشروع خارجي، ثم تركوا لمصيرهم.
رشاد العليمي وأعضاء المجلس: أبواب مفتوحة في الرياض وأبو ظبي
رشاد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي، إلى جانب أعضاء المجلس الآخرين، يمتلكون علاقات وثيقة مع الرياض وأبو ظبي، فضلا عن امتلاكهم أموالا واستثمارات في الخارج. هؤلاء قد يجدون ملاذا آمنا في حال انهيار الوضع الداخلي، سواء عبر اللجوء السياسي أو عبر شبكاتهم المالية.
لكن السؤال الأهم لا يتعلق بهم، بل بمن ناصروهم من القيادات الميدانية والضباط والجنود، هؤلاء لا يملكون جوازات دبلوماسية، ولا حسابات مصرفية في دبي، ولا علاقات مع السفارات، ومصيرهم سيكون مرتبطا بقدرتهم على إعادة التموضع، أو مواجهة الانتقام السياسي والاجتماعي من خصومهم.
إذن ..
الرهان على الخارج دون بناء شرعية داخلية أو مشروع وطني حقيقي، يجعل من القيادات العسكرية والضباط الذين ناصروا طارق صالح والزبيدي والعليمي، الحلقة الأضعف في أي تحول سياسي قادم، وقد أثبت التاريخ أن الحماية الخارجية لا تدوم، وأن من يراهن على الدعم الإقليمي فقط، قد يجد نفسه وحيدا في لحظة الحقيقة التي تؤكد أن “المرتزقة” الأضعف غالبا ما يتركون خلف الستار، يواجهون مصيرا لم يحسبوا له حسابا.