ثورة 14أكتوبر: حين تفضح الذكرى من يتعاون مع المستعمر القديم الجديد
تقرير_ المساء برس
تأتي الذكرى الثانية والستون لثورة 14 أكتوبر المجيدة، التي اندلعت ضد الاستعمار البريطاني في جنوب اليمن عام 1963، لتفضح بعض القوى اليمنية التي تتبنّى اليوم أجندات الاستعمار الجديد، وتعمل على إعادة إنتاج الوصاية الخارجية بأشكال مختلفة، في الوقت نفسه لا تتردد في إقامة الاحتفالات بهذه الذكرى العظيمة.
*العدوان البريطاني على اليمن دعماً لإسرائيل ومواقف القوى الموالية للتحالف:
مع بداية العمليات اليمنية الداعمة للشعب الفلسطيني، والتي تمثّلت في استهداف سفن مرتبطة بالاحتلال الإسرائيلي في البحر الأحمر وباب المندب، بهدف الضغط على الكيان الإسرائيلي لإيقاف مجازره المستمرة بحق سكان غزة المحاصرين، تحرّكت بريطانيا واستنفرت، وسارعت إلى حشد قواتها العسكرية، وأرسلت سفنًا حربية وطائرات قتالية قاطعةً مسافة تُقدَّر بستة آلاف كيلومتر.
لم يكن هذا التحشيد العسكري موجّهًا نحو وقف آلة الحرب الإسرائيلية، بل جاء في إطار التحالف الذي سمي ب”حارس الازدهار”، الذي قادت فيه الولايات المتحدة وبريطانيا العمليات العسكرية ضد اليمن، وقد شنّ الطيران الأمريكي – البريطاني سلسلة من الضربات التي طالت عدة محافظات يمنية، وأسفرت عن وقوع مئات الشهداء من المدنيين، وتسببت بأضرار جسيمة في البنية التحتية والمرافق الحيوية.
ورغم أن هذا العدوان كان من شأنه أن يوحّد الصف الوطني ويحفّز مختلف المكونات اليمنية على اتخاذ موقف موحّد دفاعًا عن السيادة الوطنية، برزت مفارقة خطيرة؛ إذ إن عددًا من القوى السياسية الموالية للتحالف التزمت الصمت، بل وذهبت أبعد من ذلك عبر تبرير تلك الهجمات أو تجاهلها، من دون إصدار أي بيان يندد باستهداف المدنيين أو يرفض استهداف الأراضي اليمنية، وكأن المستعمِر الذي ثار عليه الشعب اليمني قبل عقود، ليس هو ذاته الذي شارك في الاعتداء على اليمن مؤخرًا، دعما لإسرائيل!!
*مؤتمر الأمن البحري – غطاء جديد لنفوذ قديم
بعد أن أخفقت كلٌّ من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية في تحقيق هدفهما المتمثل في وقف الهجمات اليمنية على السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر وخليج عدن، لجأت لندن إلى خيارات بديلة تحاول من خلالها الالتفاف على الواقع الميداني الذي فرضته صنعاء.
ففي منتصف سبتمبر الماضي، قادت بريطانيا، بالتنسيق مع السعودية، مؤتمراً دولياً تحت مسمى “مؤتمر شراكة الأمن البحري”، بمشاركة ما يقارب أربعين دولة، وقد جاء هذا المؤتمر كمحاولة لإشراك القوى والفصائل الموالية للتحالف في مهمة تأمين خطوط الملاحة لصالح السفن الإسرائيلية، بعدما أثبت التدخل العسكري المباشر فشله في تحقيق الأهداف.
ورغم الخطاب الذي حاولت بريطانيا تسويقه بأن المؤتمر يهدف إلى دعم القدرات البحرية اليمنية، إلا أن الواقع يؤكد أن الدعم الذي تعهدت به لندن وعدد من الدول – من تجهيزات فنية، وبرامج تدريب، ولوجستيات بحرية – لا يهدف لخدمة الشعب اليمني أو تعزيز سيادة اليمن على مياهه، بل يندرج ضمن مخطط أوسع لفرض نفوذ بريطاني جديد في البحار اليمنية، عبر أدوات محلية تنفذ أجنداتها دون حضور مباشر.
فبريطانيا، التي ما زالت تتعامل مع سواحل اليمن من منظور المصالح الاستراتيجية وحماية الملاحة المتجهة إلى الكيان الإسرائيلي، لا يمكن أن تكون حريصة على بناء قوة بحرية وطنية مستقلة، بل إنها تسعى إلى تأسيس تشكيلات بحرية تابعة للتحالف، تعمل وفق الرؤية البريطانية، وتضمن استمرار التحكم في الممرات الحيوية كباب المندب.
وهنا تكمن المفارقة العميقة؛ إذ يجد بعض المنضوين في الفصائل الموالية للتحالف _ ممن يحتفلون اليوم بذكرى ثورة 14 أكتوبر المجيدة ضد الاستعمار البريطاني _ أنفسهم في موقع مناقض تماماً لجوهر تلك الثورة، فهم بهذه الخدمات يفتحون الباب مجدداً أمام النفوذ ذاته الذي خرج اليمنيون يوماً لطرده من أرضهم وبحارهم.
وهكذا يُطرح السؤال: كيف لمن يرفع شعارات التحرر الوطني أن يقبل بالارتهان لمشاريع القوى الاستعمارية ذاتها التي قاومها الأجداد قبل ستة عقود؟