عودة أحمد علي للسلطة والسياسة.. لماذا من القاهرة وليس من أبوظبي؟
خاص – المساء برس| تقرير: يحيى محمد الشرفي|
تفاعل الإعلام الغربي مع التطورات المتعلقة بنجل علي عبدالله صالح الرئيس اليمني الأسبق، (أحمد)، وأنتجت وسائل إعلام غربية مواد صحفية تروج لأحمد علي صالح متضمنة فقرات تحرّض بوضوح الحاضنة الشعبية لحكومة صنعاء ضد حركة أنصار الله.
فمثلاً نشرت الـ”بي بي سي” البريطانية، تقريراً قالت فيه إن “عودة أحمد علي صالح للحكم يعني عودة الأمن والأمان في المنطقة وفي البحر الأحمر”.
ومن المعروف أن التوتر في البحر الأحمر مرتبط بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ أكتوبر 2023، والمتضرر من الموقف اليمني العسكري المساند للمقاومة الفلسطينية وعلى رأس هذا الموقف: فرض الحصار على الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر، المتضرر من هذا الموقف هو الكيان الصهيوني.
فهل عودة نجل صالح للحكم حسب ما يجري الترويج له، قرار تم اتخاذه في تل أبيب؟.
الإعلام العربي المتحالف مع الكيان الصهيوني أفرد هو الآخر مساحة واسعة في برامجه ونشراته الإخبارية، للحديث عن عودة نجل صالح للظهور إعلامياً وسياسياً، وشنت هذه الوسائل الإعلامية وأبرزها قنوات سعودية وإماراتية هجوماً ضد حكومة صنعاء، على خلفية إصدار حكم الإعدام بحق أحمد علي من قبل المحكمة العسكرية في صنعاء، اللافت أن هذه القنوات كانت تستضيف معلقين ومحللين للحديث عن نجل صالح وفي سياق تعليقاتهم ترويج مكثف لإمكانية عودة أحمد علي للسلطة مع دعوات للحاضنة الشعبية لحزب المؤتمر الشعبي العام في المناطق التي تديرها حكومة صنعاء ذات الكثافة السكانية إلى التحالف مع أحمد علي.
هناك عمل منظم وواضح للترويج لأحمد علي كشخصية يمنية ستعود إلى السلطة، لكن الغريب أن هذا العمل لم ينطلق من الإمارات التي أقام فيها نجل صالح من 2014 إلى 2025، بل انطلق من العاصمة المصرية القاهرة، وهذا ما يثير التساؤلات والشكوك ويكشف الستار عن أطراف أخرى تريد الدخول كلاعب رئيسي في الملف اليمني، لكن المفاجأة أن مصر ليست أحد هذه الأطراف وهذا ما سيتبين تالياً.
في مصر الكثير من الأبواق الصهيونية التي نبحت ولا تزال ضد المقاومة الفلسطينية من بعد 7 أكتوبر 23 حتى الآن، بينما لم تنبس ببنت شفه ضد الاحتلال الإسرائيلي وما يفعله بأهالي غزة.
أحد هذه الأبواق هو نائب في البرلمان المصري ورئيس تحرير إحدى صحف تلميع النظام والسيسي، إنه مصطفى بكري، الذي كان على رأس مجموعة من الأصوات المصرية الأخرى التي شنت هجوماً ضد القيادة اليمنية وحركة أنصار الله بعد أن أصدرت المحكمة العسكرية في صنعاء حكماً ضد نجل صالح في القضية المنظورة في القضاء العسكري منذ 2023 وقضت بإعدامه ومصادرة ممتلكاته بعد إدانته بالخيانة.
بكري ومن معه قفزوا لمهاجمة حكومة صنعاء ومدافعين عن أحمد علي، وكأنه لم يعد هناك مشاكل في مصر حتى يتركوها وينشغلوا بشؤون داخلية تخص دولاً أخرى.
انتقال أحمد علي من الإمارات إلى القاهرة
القاهرة ورغم مشاركتها (شكلياً) مع التحالف السعودي الإماراتي في مارس 2015 في الحرب على اليمن فيما أطلق عليه “عاصفة الحزم”، إلا أنها – أي القاهرة – ظلت بعيدة كل البعد عن المشاركة المباشرة عسكرية ضد صنعاء ولم تتسبب بسقوط قطرة دم يمنية واحدة طوال سنوات العدوان على اليمن، وحتى على المستوى السياسي ظلت القاهرة بعيدة عن الملف اليمني، فقرار الحرب في اليمن وكل ما تبعه من هيمنة وسيطرة في المناطق الجنوبية الشرقية لليمن ظل محصوراً على السعودية والإمارات، ولم تنخرط القاهرة على الإطلاق في مفاعيل الأحداث التي شهدتها ولا تزال مناطق جنوب اليمن وشرقه منذ 2015، فلماذا الآن تحولت القاهرة لحاضنة رئيسية لتحركات أحمد علي ومنطلقاً لظهوره الإعلامي وتحركاته الحثيثة للعودة والانخراط في الحياة السياسية كما يتم تصويره والترويج له؟.
لا يعرف الكثير من اليمنيين بما في ذلك بعض النخبة السياسية من مختلف الأطراف، أن القاهرة هي بؤرة مركزية لنشاط جهاز “الموساد” الاستخبارات الإسرائيلية، تحديداً فيما يتعلق بتقديم الخدمات اللوجستية لأنشطة الموساد الخارجي في منطقة الشرق الأوسط وعلى رأس هذه الأنشطة: اللقاءات والاجتماعات السرية والاستقطاب والتجنيد للعملاء والجواسيس الخارجيين من أي بلد كانوا، ودائماً ما كانت القاهرة هي نقطة انطلاق الموساد للعمل على تجنيد واستقطاب أي شخص أجنبي فاللقاءات مع العملاء واللقاءات مع السياسيين العرب المنخرطين في علاقات مع الكيان الصهيوني كانت تتم في القاهرة بحكم وجود كل الخدمات اللوجستية والبنية التحتية لنشاط الموساد خارج حدود فلسطين المحتلة، وذلك لا يعني بالضرورة مشاركة القاهرة في هذه اللقاءات أو انخراطها في أنشطة تجسسية ضد الدول الأخرى لصالح الكيان الصهيوني، ولكن على مدى خمسة عقود تقريباً كانت القاهرة هي نقطة اللقاء بين ضباط الموساد والعملاء الخارجيين أو القيادات والمسؤولين السياسيين لدى الدول التي تقيم علاقات مع الكيان سراً، لدرجة أن هناك ضباط من الموساد يقيمون بشكل دائم في القاهرة ويديرون مصالح ومكاتب وفنادق تم تأسيسها لغرض تسهيل نشاط الموساد الإسرائيلي بما في ذلك تأمين اللقاءات والاجتماعات مع العملاء والسياسيين والدبلوماسيين، وهذا ما لا يوجد في الإمارات التي رغم حداثة تطبيع علاقاتها مع الكيان إلا أنها انخرطت في خدمته إلى أبعد حد وأكثر من غيرها من دول التطبيع السابقة بما في مصر، ولعل ذلك هو السبب في انتقال أحمد علي من الإمارات إلى القاهرة واختيارها منطلقاً لبدء ظهوره الإعلامي وتحركاته التي يجري تغليفها على أنها عودة للانخراط في الحياة السياسية.