حصاد يوليو الدامي: صواريخ ومسيّرات وملاحقة بحرية.. اليمن تشعل الجبهة ضد “إسرائيل”
خاص – المساء برس| تحليل: يحيى محمد الشرفي|
14 عملية عسكرية يمنية مستقلة في يوليو 2025، استهدفت الكيان الإسرائيلي من الجو بـ(صواريخ/مسيّرات) أو عبر البحر الأحمر باستهداف سفن مرتبطة بالاحتلال، بمعدل هجوم يمني عسكري ضد الكيان الإسرائيلي كل يومين خلال يوليو الماضي.
في يوليو 2025، رسمت القوات المسلحة اليمنية جبهة بحرية وصاروخية متقدمة، دفاعاً عن الشعب الفلسطيني بوجه آلة الإبادة الإسرائيلية العربية الغربية، أظهرت صنعاء قدرات هجومية متقدمة تمزج بين تكنولوجيا الصواريخ والسيطرة البحرية. وبينما يراه العالم الحر أن ما تفعله صنعاء من ضربات يُعد فعلًا إنسانيًا لدعم الفلسطينيين، تحاول القوى العظمى التي تساند الكيان الصهيوني لارتكاب حرب الإبادة على قطاع غزة بفلسطين المحتلة تقديم ما يفعله اليمن بأنه تدخل خطير يؤجج التوترات البحرية ويهدد أمن التجارة العالمية.
وشهد يوليو 2025 تصعيدًا واضحًا من القوات المسلحة اليمنية بعمليات أعلنها العميد يحيى سريع، هذه العمليات تميزت بتوحيد الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة والزوارق في ضربٍ استراتيجي هدفه اعتبار أن كل من يتعامل مع الكيان الإسرائيلي “هدف مشروع”، فيما يلي تحليل يفصّل عمليات القوات المسلحة اليمنية المساندة لغزة خلال شهر يوليو من العام الجاري 2025.
من الساعات الأولى
بدأت العمليات اليمنية في يوليو الماضي منذ الساعات الأولى لليوم الأول باستهداف القوة الصاروخية بالقوات اليمنية لمطار اللد المسمى “بن غوريون” في يافا المحتلة “تل أبيب” وذلك بصاروخ باليستي فرط صوتي نوع “فلسطين 2″، وأعقب هذه العملية عملية أخرى باستخدام نفس الصاروخ وذات الهدف في 6 يوليو، وهو ما عزز من إبقاء المطار تحت الحصار الجوي وأدت العمليات لاستمرار امتناع شركات الطيران العالمية عن تسيير رحلاتها من وإلى الكيان الإسرائيل، وعلى الرغم من إعلان الاحتلال اعتراض الصواريخ اليمنية إلا أن حالة الرعب والهلع والقلق الأمني تثبت أن الصواريخ اليمنية لها فعالية وفعالية عالية أيضاً من خلال تحقيق الأهداف التي تريدها صنعاء وهي تطويق الكيان المؤقت وفرض حصار عليه كما يفعل مع الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وتزداد فعالية هذه العمليات في كل مرة يعلن فيها المتحدث باسم القوات اليمنية العميد يحيى سريع عن تأكيد استمرار القوات اليمنية لعملياتها ضد الاحتلال الإسرائيلي طالما استمر الحصار والحرب على قطاع غزة.
7 يوليو إفشال أكبر هجوم جوي إسرائيلي على اليمن
في السابع من يوليو نفذ سلاح الجو الإسرائيلي أكبر هجوم جوي عدواني ضد اليمن منذ بدء معركة الإسناد اليمنية لقطاع غزة ومنذ بدء الكيان الإسرائيلي بتوجيه ضربات ضد أهداف حيوية يمنية لا علاقة لها بالجانب العسكري أو القدرات العسكرية اليمنية، لكن الهجوم هذه المرة لم ينجح على الرغم من تجهيز إسرائيل أكبر قوة جوية لتنفيذه باستخدام أكثر من 50 قنبلة وصاروخ كان يفترض ضربها على أهداف داخل المحافظات اليمنية التي تديرها حكومة صنعاء بما في ذلك العاصمة، إلا أن القوة الجوية الإسرائيلية المشاركة في الهجوم تفاجأت بتهديدات نارية تتجه نحوها من الأراضي اليمنية، وهو ما أدى لإفشال الهجوم الواسع والاكتفاء بإلقاء هذه القنابل والصواريخ على أهداف مدنية واقتصادية في محافظة الحديدة وتحديداً في موانئ الحديدة الثلاثة “الصليف ورأس عيسى والحديدة” ومنشئات كهربائية وطاقة وخزانات وقود فارغة في الميناء، بعدها أعلن العميد سريع تفاصيل مهمة حيث كشف أن الدفاعات الجوية اليمنية استطاعت إفشال هجوم واسع للعدو الإسرائيلي على اليمن وإجبار المقاتلات الإسرائيلية على التراجع وإلقاء ما لديها من ذخائر متفجرة في البحر وعلى أهداف سبق واستهدفها الاحتلال والولايات المتحدة خلال الأشهر الماضية.
الرد اليمني على الهجوم الإسرائيلي في 7 يوليو
لم تكتفِ القوات اليمنية بالتصدي للهجوم الإسرائيلي الذي نفذ في 7 يوليو، بل قامت بشن هجوم واسع على أهداف داخل عمق الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة، وحينها أعلن العميد سريع أن القوة الصاروخية وطيران المسيرات نفذوا عملية مشتركة بإطلاق 11 صاروخاً من نوع “فلسطين 2″ و”ذو الفقار” وطائرات مسيرة، على أهداف حساسة للعدو الإسرائيلي تمثلت بـ”مطار اللد، ميناء أسدود، محطة الكهرباء في عسقلان، وميناء أم الرشراش”، وأكد بيان العميد سريع وصول الصواريخ والطائرات لأهدافها بنجاح وفشل الاحتلال في اعتراضها.
المرحلة الرابعة من الحصار البحري
في 7–8 يوليو، بدأت القوات البحرية اليمنية المرحلة الرابعة من الحصار البحري على الملاحة الإسرائيلية أو المرتبطة بالاحتلال ولو بشكل غير مباشر، مستهدفة سفنًا مخالفة لحظر الملاحة مع إسرائيل. حيث استخدمت القوات اليمنية صواريخ باليستية ومسيّرات وزوارق بحرية غير مأهولة، ضد سفينتين تتبعان شركتي شحن متورطتين في خرق قرار حظر الملاحة نحو موانئ فلسطين المحتلة، الهجومين أديا إلى إصابة السفينة Magic Seas ثم غرقها لاحقاً، بينما أسفرت عملية استهداف السفينة Eternity C إلى إغراقها بعد استهدافها بوقت قصير، إضافة إلى مقتل 4 بحارة بينهم قائد السفينة الذي رفض الاستجابة لتحذيرات البحرية اليمنية خلال النداءات الموجهة للسفينة أثناء عبورها من البحر الأحمر، في حين قامت البحرية اليمنية بإنقاذ 11 عاملاً من طاقم السفينة ونقلهم إلى اليمن وحالياً يتلقى المصابون منهم العلاج فيما الآخرون موقوفين بشكل مؤقت حتى يُنظر في أمرهم وعلى الأغلب سيتم التعامل معهم كما تم التعامل مع طاقم سفينة جالكسي ليدر الإسرائيلي كونهم ليسوا إسرائيليين.
وفي خطوة أصابت الاحتلال الإسرائيلي بدرجة أولى وشركات الشحن العالمية التي كانت تعوّل عليها إسرائيل لاستمرار نقل بضائع الاحتلال عبرها أصابتها في مقتل، حيث قامت القوات اليمنية بنشر مقابلات مع الناجين من طاقم السفينة “إترنتي سي” حيث أظهرت اللقاءات والمشاهد مدى التعامل الإنساني من قبل القوات اليمنية مع البحارة المحتجزين من جهة وكشفت كيف يعمل ربابنة السفن التي تبحر نحو إسرائيل لكسر الحظر الملاحي اليمني من خلال المخاطرة بأرواح طواقم السفن أو التضليل عليهم وخداعهم وعدم وضعهم في صورة النداءات التي توجهها القوات اليمنية لتحذير السفينة من العبور في حال كانت من ضمن قائمة السفن المحظور عبورها بسبب انتهاكها أو انتهاك أخواتها من السفن التابعة لذات شركة الشحن لقرار حظر الملاحة اليمنية نحو موانئ فلسطين المحتلة.
وأعقب هذه الخطوة قيام القوات اليمنية بإعلان المرحلة الرابعة من التصعيد ضد ملاحة الاحتلال الإسرائيلي بإعلان استئناف تطبيق المرحلة الرابعة من الحظر والتي تشمل استهداف أي سفينة تتبع لأي شركة شحن تنتهك قرار حظر الملاحة نحو الاحتلال الإسرائيلي، هذه المرة جاء الإعلان ليؤكد على أن الاستهداف لن يطال السفن المحظور عبورها في البحر الأحمر فقط بل في أي مكان تصل إليه القوات المسلحة اليمنية وسواءً كانت وجهة هذه السفينة نحو الاحتلال الإسرائيلي أو نحو أي وجهة أخرى وسواء كانت السفينة إسرائيلية أو تتبع شركة إسرائيلية أو تتبع لأي دولة أخرى.
هذا الإعلان اليمني الذي أتى بعد مشاهد الفيديو لاستهداف السفينتين الأخيرتين يومي 6-7 يوليو، جعل شركات التأمين على السفن تمتنع عن تغطية تأمين السفن التي تتعامل مع الاحتلال الإسرائيلي وهو ما جعل الشحن عبر هذه السفن مخاطرة ومجازفة بدليل ما تعرضت له السفينة الأولى يوم 6 يوليو والتي تبين أن شركة تأمين أمريكية رفضت منح السفينة الغطاء التأميني ما أدى لخسارة شركة الشحن للسفينة وخسارة الموردين للبضائع التي كانت على متنها، وبعد انتشار أخبار امتناع شركة تأمين أمريكية منح غطاء تأميني لسفينة ستعبر البحر الأحمر مرتبطة بشكل غير مباشر بالكيان الإسرائيلي ولها رحلات سابقة من وإلى الاحتلال خلال فترة الحظر اليمنية، دفع بشركات التأمين الأخرى إلى الامتناع عن تقديم تغطية تأمينية للسفن التي لها سجل من الملاحة نحو الكيان الإسرائيلي خاصة إذا كانت هذه السفن ستعبر من البحر الأحمر حتى وإن لم تكن متجهة للاحتلال الإسرائيلي.
15 حتى 30 يوليو تصاعد مطرد من الهجمات اليمنية
واصل العميد يحيى سريع متحدث القوات المسلحة اليمنية نشر بيانات العمليات اليمنية أولاً بأول التي توثق لاستهداف الاحتلال الإسرائيلي في عمقه من خلال إطلاق صواريخ “فلسطين 2” الفرط صوتية، أو صواريخ “ذو الفقار” الباليستية بالتزامن مع هجمات مصاحبة أو منفصلة باستخدام عدد كبير من الطائرات المسيرة المزدوجة المهام التي ألحقت أضراراً بموانئ الاحتلال وأهداف إسرائيلية أخرى منها حيوية اقتصادية وأخرى عسكرية في كل من يافا المحتلة ووالنقب وعسقلان وأم الرشراش (إيلات) والخضيرة.
وعلى مدار 15 و16 و18 و21 و22 و25، و27 و29 و30 يوليو، جددت القوات اليمنية تأكيداتها باستمرار العمليات العسكرية، ووصفتها بأنها رفض أخلاقي وإنساني للعجز الدولي والتواطؤ مع الاحتلال الإسرائيلي فيما يرتكبه من مجازر إبادة وحرب تجويع مميتة تستهدف قطاع غزة دون أن تتحرك جهة دولية أو إقليمية لإيقاف نزيف هذا الموت الفضيع.
قرار إغلاق ميناء إيلات نهائياً
خلال يوليو الماضي أيضاً قرر كيان الاحتلال الإسرائيلي وبسبب الحصار اليمني وبسبب تصعيد هذا الحصار بشكل أكبر خلال هذا الشهر، قرر الاحتلال إعلان إغلاق ميناء إيلات بشكل كامل، وكان القرار بمثابة اعتراف رسمي بالهزيمة الكاملة، وسببه إيقاف نزيف الإهدار المالي الذي يتم إنفاقه على الميناء لإبقائه مفتوحاً حتى وإن كان لا يعمل ولا يدر الدخل على الكيان الإسرائيلي فبقاؤه مفتوحاً يمثل بالنسبة للاحتلال شبه انتصار أو على الأقل منع وقوع هزيمة كاملة يتعرض لها من قبل جبهة عربية بعيدة جغرافياً عنه وليس بينها وبين الكيان أي تكافؤ في القدرات العسكرية، لكن يبدو أن الاحتلال لم يستطع تحمل تكاليف بقاء الميناء مفتوحاً خاصة بعد تراكم الديون على الميناء لصالح بلدية “إيلات” التي تطالب الكيان بمديونية بملايين الدولارات تراكمت على الميناء بسبب توقف نشاطه ما أدى لتراكم الرسوم المفروضة عليه لصالح البلدية ولصالح العمال والموظفين الذين يطالبون الميناء بمرتباتهم إضافة إلى عقود الخدمات اللوجستية الملتزمة بها شركة إدارة الميناء لصالح شركات هذه الخدمات، كل ذلك تسبب بعجز لدى الميناء في تسديدها وبعد تأكيد اليمن بعمليتي استهداف السفينتين الأخيرتين في 6 و7 يوليو الماضي بمنع أي استئناف لنشاط ميناء إيلات وصل الكيان لقناعة بأن الأسلم له ولإيقاف نزيف المديونية وتراكمها إعلان إغلاق الميناء نهائياً وهو ما يعني تسريح جميع الموظفين والعمال وتوقف تسليم مرتباتهم ووقف أي التزامات مالية من الميناء لصالح بلدية إيلات أو شركات الخدمات اللوجستية الأخرى.
حل وحيد كي لا يتكرر يوليو الدامي
مع تصعيد الهجمات اليمنية خلال يوليو الماضي، تصاعدت تساؤلات على مستوى مراكز الأبحاث وكبرى الصحف الدولية الغربية (أوروبية وأمريكية) أبرزها: هل ستكون العمليات اليمنية ذريعة لتورط أطراف إقليمية أوسع؟ خاصة أن تحولات التصعيد الجديدة تدعو إلى تساؤل عن قدرات الوساطات الدولية في احتواء الانزلاق؟ ومن الأطراف التي قد تنخرط أكثر لتعزيز جبهة صنعاء؟، وهل سنشهد مزيدًا من تحوّل خطوط الملاحة التجارية؟ وارتفاع التكاليف وطلب الشركات على طرق بديلة وهل سيغير ذلك من قواعد اللعبة؟ وما هو حجم تأثيره على الاحتلال الإسرائيلي الذي قرر في يوليو إغلاق ميناء إيلات بعد عدة أشهر طويلة من إعلان إفلاسه بسبب الحظر الملاحي اليمني.
أمام كل هذه التساؤلات، يُقر خبراء دوليون بما في ذلك إسرائيليون بأن المسار الوحيد والخيار الوحيد لإسرائيل لإنهاء هذا الوضع هو وقف الحرب ورفع الحصار عن قطاع غزة حتى وإن كان في ذلك إقراراً بالهزيمة وتنفيذاً لشروط اليمن التي تصر عليها لوقف عملياتها في البحر الأحمر ضد الملاحة الإسرائيلية.