إنهيار من الداخل: عمليات المقاومة تكشف هشاشة الجيش الإسرائيلي عسكريا ونفسيا

تقرير – المساء برس .. هاشم الدرة|

في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، تتكشف يوما بعد يوم أزمات داخلية متفاقمة في صفوف “الجيش الإسرائيلي”، أبرزها الاستنزاف البشري والنفسي الذي بات يهدد بانهيار تدريجي للمنظومة العسكرية، وفق ما كشفته صحيفة معاريف العبرية وغيرها من الصحف العبرية.

 أزمة التجنيد وتفكك الجبهة الداخلية:  جنود إسرائيليون عبروا في تصريحات لمعاريف عن استياءهم العميق من سياسة حكومة نتنياهو، التي تواصل إرسالهم إلى ساحات القتال في غزة، بينما تعفي عشرات الآلاف من الحريديم (اليهود المتشددين دينيا) من الخدمة العسكرية، هذا التمييز، بحسب الجنود، يضع عبئا متزايدا على الجنود النظاميين، ويخلق شعورا بالظلم والانقسام داخل المجتمع الإسرائيلي، خصوصا في ظل غياب رؤية سياسية واضحة لإنهاء الحرب.

انهيار نفسي واستدعاء المصابين: صحيفة هآرتس كشفت أن الجيش الإسرائيلي اضطر إلى استدعاء جنود مصابين باضطرابات نفسية، بينهم من يعانون من “اضطراب ما بعد الصدمة”، للمشاركة في العمليات العسكرية، بل إن بعض هؤلاء الجنود أقدموا على الانتحار بعد استدعائهم، في مؤشر خطير على عمق الأزمة النفسية داخل المؤسسة العسكرية، كما صنفت وزارة الأمن نحو 9 آلاف جندي كمعاقين نفسيا منذ بدء الحرب، بينما بلغ عدد حالات الانتحار 35 حالة على الأقل حتى نهاية 2024.

 استنزاف ميداني وتآكل القدرات القتالية: المراسل العسكري لصحيفة معاريف، آفي أشكنازي، وصف الوضع في غزة بأنه “حافة الانهيار”، مشيرا إلى أن الجيش الإسرائيلي استنفد بالكامل بعد نحو عامين من القتال، ووفقا للتقارير فإن الجنود يخدمون 17 يوما متواصلة مقابل 3 أيام إجازة فقط، ما أدى إلى إنهاك جسدي ونفسي شديد، وانخفاض الحدة القتالية والانضباط، كما أن المعدات القتالية، من دبابات ومدرعات وطائرات، تآكلت إلى حد لم يعد الجيش قادرا فيه على الحفاظ على جودة القتال المطلوبة، حسب تعبير التقارير العبرية.

 القيادة السياسية “منفصلة عن الواقع”: أشكنازي انتقد بشدة القيادة السياسية، وعلى رأسها نتنياهو ووزير الدفاع كاتس، واصفا إياهم بأنهم “يتصرفون كما لو أنهم في حملة انتخابية على منشطات”، ولا يدركون حجم الأزمة العسكرية والأخلاقية التي تعيشها “إسرائيل”، فالجنود يرسلون إلى المواقع نفسها مرارا وتكرارا، فقط من أجل الحفاظ على استقرار التحالف السياسي، وإرضاء أطراف يمينية متطرفة ترفض دفع ثمن الإفراج عن الأسرى.

 أزمة القوى البشرية تهدد استمرار الحرب: تقرير ليديعوت أحرونوت أشار أيضا إلى أن الجيش الإسرائيلي يعاني من نقص حاد في القوى البشرية، ما دفعه إلى تقليص فترات الإجازات واستدعاء جنود احتياط سابقين تتراوح أعمارهم بين 40 و60 عاما، كما أن نسبة الالتزام بأوامر التجنيد في صفوف الاحتياط لا تتجاوز 60% إلى 70%، ما يعكس تراجع الحافزية والضغط المتزايد على الجنود النظاميين.

فصائل المقاومة تكشف المستور:  تتجلى صورة قاتمة عن واقع الجيش الإسرائيلي في غزة، حيث لم يعد بمقدوره إخفاء حجم الخسائر البشرية المتصاعدة، رغم محاولات التعتيم الإعلامي والتضليل الرسمي، فمع كل يوم جديد، تتكشف أرقام القتلى والجرحى، وتفضح هشاشة المنظومة العسكرية أمام ضربات المقاومة الفلسطينية التي باتت أكثر جرأة وتنظيما.

بحسب وزارة الحرب الإسرائيلية، ارتفع عدد القتلى في صفوف الجيش إلى أكثر من 200 جندي منذ بدء العملية البرية، فيما تشير تقارير أخرى إلى أن عدد المصابين تجاوز 6000 جندي، بينهم حالات حرجة وأخرى تعاني من اضطرابات نفسية مزمنة.

هذه الأرقام، التي كانت تخفى سابقا مع أنها لا تمثل الواقع، باتت تفرض على الإعلام بفعل مشاهد المقاومة التي تبث من قلب المعركة، وتظهر الجنود في حالات فرار، انهيار، أو استهداف مباشر من نقطة صفر.

المقاومة، وعلى رأسها كتائب القسام وسرايا القدس، لم تكتف بالاشتباك الميداني، بل دخلت معركة الوعي، فبثت مشاهد نوعية من عمليات خان يونس، منها محاولة أسر جندي إسرائيلي، وتفجير آليات عسكرية، وقنص مباشر لجنود داخل المنازل أو خلف المتاريس.

هذه المشاهد، التي وثقت باحترافية عالية، لم تربك فقط القيادة العسكرية، بل بثت الرعب في نفوس الجنود وعائلاتهم، وأثارت موجة غضب داخل المجتمع الإسرائيلي، الذي بات يدرك أن الرواية الرسمية لا تعكس الواقع.

في خان يونس وحدها، قتل عدد من الجنود في كمائن مركبة، منها تفجير ناقلة جند مدرعة، ومبنى مفخخ انهار فوق وحدة استطلاع إسرائيلية، ما أدى إلى مقتل ضابط بارز وإصابة آخرين، هذه العمليات النوعية، التي نفذت خلف خطوط الاحتلال، تؤكد أن المقاومة لا تزال تحتفظ بزمام المبادرة، وتعيد تشكيل قواعد الاشتباك.

لم يعد جيش الاحتلال قادرا على التستر خلف شعارات الردع أو الإنجازات الميدانية، فالميدان يتحدث بلغة الدم، والمشاهد المصورة تكذب البيانات الرسمية، ومع كل مشهد يبث، تتآكل هيبة الجيش، وتزداد الضغوط على القيادة السياسية، التي تواجه انتقادات داخلية متصاعدة، تطالب بوقف الحرب وإعادة تقييم جدواها.

إن تصاعد أعداد القتلى والجرحى، وتوثيق المقاومة لهذه الخسائر، يشكل تحولا استراتيجيا في معركة غزة، حيث لم تعد إسرائيل تملك القدرة على التحكم في السردية، ولا في مسار الحرب،  وما خان يونس إلا نموذج حي على أن الاحتلال، مهما امتلك من ترسانة، لا يستطيع أن ينتصر على شعب قرر أن يقاتل حتى الرمق الأخير.

هل تقترب “إسرائيل” من نقطة الانهيار؟: في ظل هذه المعطيات، يرى مراقبون أن الجيش الإسرائيلي يواجه أزمة بنيوية تهدد استمرارية الحرب، وأن استمرار القتال دون خطة سياسية واضحة قد يؤدي إلى تآكل في كفاءة الجيش على المدى البعيد، وقد عبر الجنود أنفسهم عن شعورهم بأنهم يستخدمون كـ”وقود حرب” ليحيى غيرهم حيث يعفى الحريديم من الخدمة، ويبتعد أبناء القادة السياسيين والعسكريين عن الحرب والاشتباكات، ما يخلق انقساما اجتماعيا وأخلاقيا داخل “إسرائيل”.

قد يعجبك ايضا