القوات المسلحة اليمنية تتحدى الردع الأميركي وترامب يلتزم الصمت.. غزة هي البوصلة
تحليل خاص – المساء برس|
رغم الإنفاق الأميركي الضخم على حملة عسكرية واسعة في البحر الأحمر مطلع هذا العام، عاد الرد الأميركي على الهجمات اليمنية الأخيرة إلى نبرته الخافتة، ما كشف عن التناقض الفاضح بين استعراض القوة السابق وبين نتائج الواقع الميداني الذي يفرضه اليمنيون منذ أشهر.
فبعد شهرين فقط من إعلان البيت الأبيض انتهاء ما سُمي بـ”تهديد الحوثيين”، جاءت ضربات القوات المسلحة اليمنية هذا الأسبوع لتُغرق سفينتين أوروبيتين كسرتا حظر الملاحة نحو موانئ فلسطين المحتلة، في عملية تثبت أن الحملة الأميركية – التي أُطلق عليها اسم “الفارس الخشن” (Rough Rider) – لم تنجح سوى في تدمير مليارات الدولارات من الموارد الأميركية، دون أن توقف الضربات اليمنية.
وبحسب ما نقلته وكالة أسوشيتد برس، “أسفرت الهجمات الأخيرة عن مقتل ثلاثة بحارة وإصابة اثنين، في حين أقر المتحدث باسم البيت الأبيض بالهجوم، دون أن يقدم الرئيس الأميركي دونالد ترامب أي موقف واضح أو وعد برد مباشر، ما يثير تساؤلات داخل مراكز القرار الأميركي”.
هجوم يكشف الهشاشة الأميركية
اللافت أن الهجوم الأخير جاء بعد أسابيع من إعلان ترامب أن التفاهمات مع الجانب اليمني نجحت في وقف الهجمات، لكن الوقائع أثبتت العكس. حيث أكد بيان القوات المسلحة اليمنية تنفيذ العملية ردًا على العدوان الإسرائيلي، في إطار استمرار معادلة “لا سفن للإسرائيليين حتى يتوقف العدوان على غزة”.
ورغم أن العملية الأميركية “راكب الرفراف” كلّفت نحو مليار دولار، وشهدت إطلاق آلاف الصواريخ وتدمير ما قالت البنتاغون إنها “أهداف استراتيجية” في اليمن، إلا أن القوات اليمنية تمكنت من امتصاص الضربات، واستعادت قدرتها الهجومية في فترة قصيرة، ما يؤكد فشل استراتيجية الردع الأميركية.
سقوط الرهانات الأميركية
تشير التحليلات إلى أن إدارة ترامب كانت تراهن على حل دبلوماسي مع طهران وتهدئة في غزة، وقدمت “وقف العمليات” كإنجاز سياسي قبيل الانتخابات. لكن تجدد الضربات اليمنية يؤكد أن صنعاء ليست طرفًا يسهل احتواؤه، وأنها تتحرك بمنطق استقلالي قائم على دعم واضح للمقاومة في غزة، وليس وفق “حسابات إيرانية” كما تصور واشنطن.
ويرى بهنام بن طالبلو، الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، أن “الحوثيين باتوا العمود الفقري للسياسة الإيرانية بالوكالة، بعد تقليص نفوذ طهران في لبنان وسوريا، وهو ما يعزز أهميتهم الاستراتيجية في مواجهة واشنطن وتل أبيب”.
الفشل البحري يتجدد
يتزامن الرد الأميركي الخافت مع تكرار فشل عملية “أسبايدس” الأوروبية في تأمين الممرات البحرية، حيث غابت السفن الحربية عن ساحة الهجمات الأخيرة، ما دفع الشركات الأمنية الخاصة لتولي مهام الإنقاذ في مشهد وُصف دوليًا بأنه “مخزٍ”، خصوصًا بعد غرق سفينة “إتيرنيتي سي” دون تدخل من أي قوة غربية.
ويُجمع خبراء غربيون على أن واشنطن عاجزة عن إيقاف التهديد اليمني دون تصعيد بري شامل، وهو خيار لا تملكه فعليًا، في ظل رفض إدارة ترامب التورط في “حرب جديدة لا نهاية لها”، كما جاء في تصريحاته الانتخابية.
وبدأت القوات المسلحة اليمنية تنفيذ عمليات بحرية في البحر الأحمر وخليج عدن منذ نوفمبر 2023، ضمن ردها على الحرب على غزة، وتطورت العمليات من استهداف السفن الإسرائيلية فقط إلى توسيع دائرة الضغط على الحلفاء الغربيين.
وفي حين تحركت واشنطن بتحالف عسكري واسع، واستهدفت مواقع يمنية في الداخل، تراجعت الهجمات بعد تعهدات أميركية بوقف التصعيد، إلا أن صنعاء أكدت مرارًا أن أي هدنة لا تعني التراجع عن دعم غزة، وأن الهجمات ستعود في حال استمرار العدوان.
وبعد استهداف السفينة “ماجيك سيز” يوم الأحد وسفينة “إتيرنيتي سي” الاثنين، تكون القوات اليمنية قد أرسلت رسالة واضحة بأن حسابات الردع الأميركي لم تعد فعّالة، وأن التهديد لا يزال قائمًا، ويكفي – كما قال خبير الأسلحة وولف بايس – “هجوم ناجح واحد فقط لزعزعة ثقة العالم بالشحن في البحر الأحمر”.