هدنة واشنطن مع صنعاء تعمق الانقسامات بمعسكر التحالف وفرصة للسعودية لتوسيع نفوذها جنوباً

خاص – المساء برس| تقرير: يحيى محمد الشرفي|

حذّر معهد الشرق الأوسط الأمريكي في دراسة تحليلية حديثة من أن اتفاق وقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة وحكومة صنعاء بقيادة (أنصار الله)، الموقع في 6 مايو 2025، قد أعاد خلط الأوراق في المشهد اليمني وأحدث زلزالًا سياسيًا وعسكريًا داخل المعسكر الموالي لأمريكا، لا سيما في الجنوب اليمني، حيث يتعرض المجلس الانتقالي الجنوبي لضغوط غير مسبوقة، في وقتٍ تسعى فيه السعودية لتوسيع نفوذها على حساب حليفتها الإمارات.

الانتقالي الجنوبي: من القوة إلى الهشاشة

بحسب تحليل المعهد، يُعد المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، الخاسر الأكبر من الهدنة، إذ سحب الاتفاق الغطاء الأمريكي الضمني عن أي تصعيد عسكري محتمل ضد الجيش اليمني وأنصار الله بسبب موقفهم المساند عسكرياً للمقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي، الأمر الذي قلّص فرص استعادة الأراضي أو ممارسة الضغط العسكري على صنعاء عبر هذه الأطراف الموالية لأمريكا التي كانت تأمل أن تحصل على دعم مالي وعسكري أمريكي أو حتى إسرائيلي مقابل وصولها للسلطة والقضاء على قوات صنعاء والسيطرة على الشمال..

وقد اعتمد المجلس منذ 2019، حين شارك في حكومة التحالف السعودي بموجب اتفاق الرياض، على السيطرة الفعلية على ميناء عدن ومرافقه الحيوية، واستغلال إيراداته لتمويل قواته العسكرية، مثل الحزام الأمني والنخبة الحضرمية. لكن هذا النموذج الاقتصادي تلقى ضربة مزدوجة بعد الهدنة الأولى الموقعة بين صنعاء والرياض في نهاية مارس 2022، تمثّلت أولًا بالحصار الذي فرضته قوات صنعاء على صادرات النفط من شبوة وحضرموت والذي كانت عائداته تذهب للبنك الأهلي السعودي وتوزع بين السعودية والحكومة الموالية لها المقيمة خارج اليمن دون أن يستفيد منها اليمنيون أي شيء، وثانيًا بتحوّل التجارة والشحنات التجارية نحو موانئ البحر الأحمر التي تديرها سلطات لصنعاء (الحديدة، رأس عيسى، الصليف)، مما قلّص عائدات ميناء عدن.

غضب شعبي ومظاهرات نسائية

على الصعيد الداخلي، تفجّرت احتجاجات شعبية في عدن والمكلا، مع تدهور مستوى المعيشة، وانقطاعات التيار الكهربائي التي تصل إلى 20 ساعة يوميًا. وبرزت مظاهرات نسائية غير مسبوقة في عدن، واجهتها قوات أمنية تابعة للمجلس الانتقالي بالقمع، مما كشف عن هشاشة الوضع الأمني وتآكل شرعية السلطة المحلية.

السعودية تعاود التموضع

في موازاة ذلك، يشير التقرير إلى أن السعودية وجّهت بوصلتها من الدعم العسكري ضد قوات صنعاء وأنصار الله إلى تعزيز نفوذها الجيوسياسي جنوبًا، مستغلة ضعف الانتقالي وتصاعد الاستياء الشعبي. فقد كثّفت الرياض دعمها لقوى محلية بديلة مثل المجلس الوطني الحضرمي وقوات درع الوطن، كما دخلت في تحالفات مباشرة مع الزعامات القبلية، مثل عمرو بن حبريش، نائب محافظ حضرموت، الذي استضافته الرياض في مارس الماضي، وجرى الاتفاق معه على تلبية مطالب سياسية واقتصادية لتحالف قبائل حضرموت.

وقد أعلن بن حبريش لاحقًا عن تشكيل قوات حماية حضرموت، ما اعتُبر تحديًا مباشرًا للمجلس الانتقالي، ومحاولة سعودية لتأسيس قوة موازية له في الشرق اليمني، وذلك بعد لقاء في السعودية جمع لأول مرة بين وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان وبين شخصية قبلية يمنية غير مرتبطة بالسلطة الرسمية (المعترف بها)، وفي هذا السياق يرى المعهد الأمريكي أن الوضع الحالي في جنوب اليمن يعتبر فرصة بالنسبة للقوات الموالية والتابعة للسعودية في تمدد وتوسيع نفوذها وسيطرتها على المناطق التي تتنازع عليها مع المجلس الانتقالي الجنوبي التابع للإمارات.

تنافس داخل الجنوب… لا مواجهة مع صنعاء

يرى معهد الشرق الأوسط أن التحالف المناهض لحكومة صنعاء يعاني من الانقسام السياسي والمناطقي والعسكري، وأن فرص إعادة تشكيل جبهة موحدة لمواجهة الجيش اليمني وأنصار الله تراجعت بشدة بعد وقف إطلاق النار بين واشنطن وصنعاء. بل إن ما يحدث على الأرض هو تحوّل الفصائل الموالية للسعودية والإمارات إلى منافسة داخلية على السلطة والنفوذ في الجنوب، لا إلى وحدة عسكرية ضد صنعاء، في إشارة إلى طموحات هذه الفصائل بشن حرب برية ضد صنعاء بالنيابة عن الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة الأمريكية، وذلك مع بدء معركة طوفان الأقصى وإعلان صنعاء الحرب رسمياً على الاحتلال الإسرائيلي.

كما أشار التقرير إلى أن غياب الغطاء الجوي الأمريكي والدعم اللوجستي للقوات المناهضة لصنعاء يُعقّد أي عمليات عسكرية مستقبلية، ما يجعل المجلس الانتقالي الجنوبي في موقف دفاعي، محاصرًا بأزمة اقتصادية داخلية، وتحديات إقليمية من شركائه المفترضين، لأجل هذا يرى التقرير بأن الوضع الحالي يمثل فرصة بالنسبة للقوات الموالية للسعودية في استعادة سيطرتها على المناطق الجنوبية التي يسيطر عليها المجلس الانتقالي الجنوبي.

سيناريوهات قاتمة واستقطاب متعدد الأطراف

وفي ختام التحليل، حذّر المعهد من أن استمرار الوضع على ما هو عليه قد يؤدي إلى مزيد من التشرذم، وربما عودة النزاعات المسلحة في الجنوب، خاصة مع تسارع خطوات السعودية لإعادة تشكيل الخارطة السياسية والعسكرية لصالح قوى جديدة أكثر ولاءً لها وأقل ارتباطًا بأبوظبي.

وفي الوقت ذاته، يستفيد أنصار الله من حالة الجمود والانقسام، مستفيدين من الهدنة لإعادة التسلّح وتنظيم الصفوف دون ضغط خارجي، وسط فشل القوى المناهضة لهم في توحيد الرؤية أو إعادة التموضع الاستراتيجي.

قد يعجبك ايضا