البرنامج النووي الإيراني.. من الشاه إلى الثورة الإسلامية: هل تستطيع أمريكا وإسرائيل فعلاً إنهاء الحلم النووي الإيراني؟

خاص – المساء برس| تحليل: يحيى محمد الشرفي|

منذ خمسينيات القرن الماضي، شكّل البرنامج النووي الإيراني واحدًا من أكثر الملفات جدلاً في منطقة الشرق الأوسط، ليس فقط بسبب طبيعته الفنية والعسكرية، ولكن لما يرمز إليه من استقلال سياسي واستراتيجي لطهران، وتحولها إلى قوة إقليمية غير قابلة للإخضاع. وعلى الرغم من العقوبات، الاغتيالات، والضربات الجوية التي طالت منشآت نووية حساسة، فإن البرنامج النووي الإيراني لا يزال قائمًا ويتطور بشكل تدريجي، حتى بات عنصرًا أساسياً في معادلة الردع الإقليمي.

من الشاه إلى الثورة: البداية أمريكية

المفارقة أن البرنامج النووي الإيراني لم يبدأ مع الجمهورية الإسلامية، بل تأسس في عهد محمد رضا شاه بهلوي، الحليف الأقرب للولايات المتحدة آنذاك. ففي عام 1957، وقّعت إيران والولايات المتحدة اتفاقية للتعاون النووي في إطار برنامج “الذرة من أجل السلام”، الذي أطلقه الرئيس الأمريكي دوايت آيزنهاور.

ومع الدعم الأمريكي، أُنشئ مفاعل طهران البحثي بمساعدة شركة أمريكية، وزُود باليورانيوم المخصب بنسبة 93%، وهي نسبة عالية تكفي للاستخدامات العسكرية. بل إن الشاه نفسه أعلن نيته امتلاك أكثر من 20 مفاعلًا نوويًا بحلول عام 1994، وكان يسعى لإنشاء قدرات نووية متقدمة، وربما حتى سلاح نووي في المدى البعيد، بدعم فرنسي وألماني وأمريكي.

ما بعد الثورة: التجميد ثم الاستئناف

مع اندلاع الثورة الإسلامية عام 1979، وقطع العلاقات مع الغرب، توقّف البرنامج النووي الإيراني مؤقتًا، وخرج الخبراء الأجانب، وتعرضت بعض المنشآت لأضرار. لكن مع نهاية الحرب العراقية الإيرانية (1988)، أعادت طهران إحياء البرنامج، هذه المرة بدافع الحاجة إلى الردع العسكري، خاصة بعد تعرضها لهجمات بأسلحة كيميائية، وغياب دعم دولي خلال تلك الحرب.

في التسعينيات، توسعت إيران في التعاقد مع روسيا والصين لتطوير برنامجها النووي. ثم كشفت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عام 2002 عن وجود منشآت نووية سرية في نطنز وأراك، ما فجّر أزمة دبلوماسية طويلة أدت لاحقًا إلى فرض عقوبات أممية ودولية خانقة.

الاغتيالات والقرصنة.. ثم الاتفاق والانسحاب

خلال العقدين الماضيين، واجه البرنامج النووي الإيراني حملات تخريبية منسقة، شملت:

اغتيالات لعلماء نوويين مثل مسعود علي محمدي ومجيد شهرياري وفخري زادة.

هجمات سيبرانية مثل فيروس “ستاكس نت” الذي دمّر أجهزة الطرد المركزي.

قصف غامض وتفجيرات في منشآت نطنز وفوردو وأصفهان.

ورغم ذلك، استمر البرنامج النووي الإيراني في التوسع، حتى توصّلت طهران إلى اتفاق نووي شامل عام 2015 (JCPOA) مع القوى العالمية، جرى بموجبه تقييد التخصيب والرقابة على المنشآت النووية، مقابل رفع العقوبات.

لكن بانسحاب إدارة ترامب من الاتفاق عام 2018، عادت إيران لتخصيب اليورانيوم بنسبة 60%، وهو مستوى قريب من حد الاستخدام العسكري، وأعادت تشغيل آلاف أجهزة الطرد المركزي.

بعد الضربات الجوية الأخيرة.. هل انتهى البرنامج الإيراني؟

في يونيو 2025، شنت الولايات المتحدة هجمات جوية استهدفت منشآت نطنز وفوردو وأصفهان، مستخدمة قنابل خارقة للتحصينات من نوع B2. ومع ذلك، أظهرت التقييمات الاستخبارية الأمريكية نفسها، ومنها وكالة استخبارات الدفاع (DIA)، أن الضربات لم تؤدِّ إلى تدمير البرنامج النووي، وإنما ألحقت به ضرراً جزئياً ومؤقتاً.

التقارير الاستخبارية أكدت أن:

أجزاء أساسية من البرنامج لا تزال سليمة.

إيران نقلت أكثر من 40% من اليورانيوم المخصب إلى مواقع سرية.

أجهزة الطرد المركزي جرى تفكيكها ونقلها قبل القصف.

من المرجح أن يعود البرنامج النووي إلى مستوياته السابقة خلال شهرين إلى أقل من عام.

سؤال جوهري: هل يعني تدمير المنشآت النووية نهاية البرنامج الإيراني إلى الأبد؟

الإجابة ببساطة: لا. فالبرنامج النووي الإيراني ليس فقط منشآت أو معدات مادية، بل هو أيضًا معرفة علمية، خبرات بشرية، بنية تحتية فنية، واستراتيجية وطنية ترسخت على مدى أكثر من ستة عقود.

حتى لو جرى تدمير المنشآت بالكامل، فإن إيران قادرة على إعادة بناء البرنامج مجددًا، كما فعلت مرارًا في السابق بعد كل ضربة أو اغتيال أو هجوم سيبراني. وكما يتضح من التسلسل التاريخي، فقد واصل البرنامج تطوره في أصعب ظروف العزلة الدولية والعقوبات.

إذاً هل سيستمر النووي الإيراني مستقبلاً؟

الهجوم الأمريكي – حتى لو حمل طابعًا تدميريًا – لن يؤدي إلى نهاية دائمة للبرنامج النووي الإيراني. بل على العكس، من المرجح أن يدفع طهران إلى المضي قدمًا بسرعة أكبر وبسرية أكبر، مع تقليل التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وربما اتخاذ قرار استراتيجي بتطوير قدرات ردع نووية مكتملة، كما تفعل كوريا الشمالية.

وبالعودة إلى التجربة الإيرانية السابقة في التعامل مع القصف، والاغتيالات، والانسحابات من الاتفاقات، فإن الرد الطبيعي على القصف هو التوسّع لا التراجع، وهو ما تتقنه طهران بدقة شديدة.

قد يعجبك ايضا