دروس من معركة البحر الأحمر والعربي بين اليمن والولايات المتحدة الأمريكية
خاص – المساء برس| تقرير: يحيى محمد الشرفي|
إنها نهاية الهيمنة الأمريكية على يد اليمنيين، هكذا عبّر الباحث الأوروبي مالكوم كيويني في تقرير له نشره موقع (UnHerd) البريطاني، فكيف كتب اليمنيون هذه النهاية، في هذا التقرير تفصيل لهذه النهاية بناءً على ما يقوله الإعلام الأمريكي والإسرائيلي والصيني والروسي.
نهاية الهيمنة
ثلاث حملات عسكرية أمريكية ضد اليمن “حارس الازدهار” و”بوسيدون آرتشر” و”رافر رايدر” استُخدمت فيها أقوى الأسلحة الأمريكية وآخر التكنولوجيا وأحدث ما لدى الولايات المتحدة من عتاد حربي بحري وجوي المخصصة للصراع مع العمالقة الكبار من خصوم أمريكا كروسيا والصين وكوريا الشمالية، ومع ذلك لم تحقق هذه الحملات التي استمرت من يناير 2024 حتى مطلع مايو 2025، لم تحقق أي نتائج، بينما صنعاء بقوة الله عز وجل كونها صاحبة الحق أولاً وبصمودها قيادة وشعباً وجيشاً وبتكتيكات جيشها الحربية الجديدة التي ابتكرتها للتغلب على فارق القدرات العسكرية والإمكانات بين الطرفين استطاعت أن تفرض معادلة ردع ضد أقوى جيوش العالم.
لم تنتصر صنعاء على أمريكا فحسب بل إنها انتصرت أيضاً لقراراتها التي اتخذتها دعماً لغزة منذ أكتوبر 2023 حتى هذه اللحظة.
أمريكا استسلمت لهيمنة صنعاء على البحر الأحمر
وساطة سلطنة عمان بين صنعاء وواشنطن بطلب من الأخيرة بداية الأسبوع السابع والأخير من القصف الأمريكي على اليمن جاءت بعد أن فشلت واشنطن في فرض أي شروط سياسية على صنعاء.
وخلف الكواليس، فإن موافقة انسحاب أمريكا من الحرب على اليمن مقابل فقط وقف استهداف السفن الأمريكية العسكرية والتجارية وبقاء فرض صنعاء حظراً على الملاحة الإسرائيلية، هو حرفياً استسلام أمريكي للواقع الجديد الذي فرضته صنعاء والذي يتمثل باستعادة الهيمنة اليمنية على البحر الأحمر ونزع الهيمنة الأمريكية القادمة عنوة من خلف أعالي البحار، وذلك يمثل هزيمة دبلوماسية وعسكرية واضحة للولايات المتحدة الأمريكية.
واشنطن استخدمت نصف حاملاتها ضد اليمن وفشلت
واشنطن استخدمت 3 من أصل 6 حاملات طائرات قيد العمل والخدمة ضد صنعاء، وهو ما يؤكد أن واشنطن استنفدت قدراتها الجوية والبحرية ولم تنجح في إخضاع اليمن رغم التفوق التقني.
ومنذ تصاعد العمليات العسكرية في البحر الأحمر، اعتمدت واشنطن على حاملات الطائرات لتوجيه الضربات، لكنها فشلت في تحقيق أهدافها، مما يدل على نهاية فعالية الحرب الجوية، التي أنهاها اليمنيون بتكتيكاتهم.
واشنطن استخدمت كل أسطولها العامل من القاذفات الاستراتيجية B2 ضد اليمن وفشلت
بديل حاملات الطائرات التي فشلت في تحقيق وظيفتها والغرض منها في الحملات على اليمن، بسبب تفوق التكنولوجيا اليمنية في الدفاعات الجوية محلية الصنع التي هددت هذه المقاتلات واستطاعت منعها في عدة طلعات جوية من تنفيذ قصف جوي على اليمن، البديل لذلك لجأت واشنطن لاستخدام القاذفات الشبحية الاستراتيجية B2، لماذا القاذفات الاستراتيجية؟ لأنها لا تظهر في الرادارات الأرضية وتحلق عالياً بحيث لا تصلها تهديدات صواريخ الدفاع الجوي اليمنية، لكن ومع ذلك فشلت هي أيضاً في تنفيذ مهامها بعد أن تفاجأت القيادة المركزية الأمريكية أن إحدى الهجمات تعرضت قاذفة B2 لتهديد ما أدى لانسحابها من الأجواء اليمنية وإلغاء المهمة.
مع ذلك يجب ألا ننسى حقيقة أن أمريكا نشرت 6 قاذفات B2 الشبحية النادرة، وهذا العدد هو عملياً يمثل كامل أسطولها العامل من هذا النوع، ورغم ذلك لم تحقق نتائج ميدانية في اليمن، وهذا يفضح مدى تآكل قدرة الردع الأميركية.
لماذا تآكل قدرة الردع الأمريكية؟ لأن قاذفات B2 تعتبر رمزًا للهيمنة الجوية الأميركية، واستخدام الأسطول العامل بأكمله ضد اليمن يؤكد أهمية ما ما باتت تمثله صنعاء من تهديد عسكري حقيقي لواشنطن.
فشل تحقيق التفوق الجوي ضد اليمن
المقاتلات الأميركية على متن حاملات الطائرات لم تستطع السيطرة على أجواء اليمن، وهو ما دفع البنتاغون لتفادي إرسال طائراته غير الشبحية خشية خسارتها، كما أوضحنا سابقاً، بسبب قدرات الدفاعات الجوية اليمنية الصنع التي تفاجأ بها الأمريكيون.
إن وصول القدرات العسكرية اليمنية في مجال الدفاع الجوي إلى مرحلة تهديد المقاتلات الأمريكية، هو تحوّل كبير في موازين الحرب غير المتماثلة.
القوات اليمنية تتقن استنزاف خصمها مادياً
أقر العديد من الباحثين والكتاب والصحفيين المتخصصين في الشأن العسكري الأمريكيين أن أمريكا أنفقت أموالاً طائلة على صواريخ كروز (توماهوك) والطائرات المتطورة لتهاجم اليمن، دون نتائج، في وقت تواجه فيه أزمة في إنتاج الأسلحة والذخائر لتعويض ما تم استهلاكه.
وهذه الحقائق تكشف لنا بأن واشنطن تتعرض لأزمة تصنيعية في القطاع العسكري ولولا اليمن لما عرف الروس والصينيون بأن أزمة أمريكا في هذا الشأن لها عدة سنوات ولم تستطع الخروج من هذه المشكلة وانكشف الأمر فقط في المعركة مع اليمن، والآن ومع فشلها في الحسم العسكري ضد اليمن، باتت أمريكا مكشوفة أمام خصومها، وعلى رأسهم صنعاء.
أزمة عاملين ومتخصصين لدى الجيش الأمريكي
من معركة البحر الأحمر والبحر العربي بين اليمن وأمريكا، تبين أن الولايات المتحدة لا تملك القدرة على تعويض خسائرها البشرية والمادية إذا تعرضت لمواجهات طويلة الأمد، مثل هذا النوع من المواجهات يتطلب تبديل المقاتلين والعاملين والمتخصصين والمهندسين والمشغلين بين فترة وأخرى لتجنب تعرضهم للضغط والإرهاق الذي سينعكس على أدائهم ويسبب ارتكابهم للأخطاء، وهو ما حدث بالفعل مع طواقم حاملتي الطائرات (أيزنهاور) و(هاري ترومان)، ولهذا تجنب الرئيس الأمريكي ترامب للمخاطرة والقتال المباشر.
هذه المعطيات تكشف حقيقة هامة ودرساً جديداً كشفته لنا اليمن في هذه المعركة وهي: حقيقة أن الانكماش العسكري الأمريكي سببه نقص العمال والمهندسين وأحواض التصنيع في وقت لم تتعافى فيه أمريكا من استنزاف ترسانة الحرب الباردة.
إقرار أمريكي بسيطرة صنعاء على ممر باب المندب
ترامب وبعد شن حملة على اليمن بعد سلفه بايدن، اضطر هو الآخر للانسحاب فعلياً من المعركة، معترفاً بسيطرة صنعاء على الممر المائي الحيوي.
وممر باب المندب شريان استراتيجي للتجارة الدولية، واستعادة صنعاء سيطرتها عليه كما كان الحال تاريخياً، يمثل تحولاً في موازين الجغرافيا السياسية في المنطقة.
أمريكا لجأت لاستخدام أسلحة نادرة وباهظة في معركة خاسرة
على الرغم من أنواع القذائف والقنابل والصواريخ المستخدمة في قصف اليمن، وهي قذائف وصواريخ باهظة الثمن لأنها تحدث أقوى انفجارات وتؤدي لأكبر دمار، ورغم ذلك فشلت كل هذه الأسلحة في اختراق التحصينات اليمنية العسكرية، وخسرت أمريكا كل تلك الترسانة دون تحقيق نتائج، إضافة إلى خسائرها في سلاح الجو كخسارة 22 طائرة بدون طيار من طراز MQ-9و3 مقاتلات من طراز إف 18 المتطورة الأكثر استخداماً لدى الجيش الأمريكي في البحرية والجوية ومشاة البحرية.
فشل استخباري أمريكي وتفوق يمني
اصطياد الطائرات المسيرة الأمريكية الأكثر تطوراً والأهم لدى الجيش الأمريكي ليصل مجموع ما تم إسقاطه في اليمن من MQ-9 منذ أكتوبر 2023 حتى أبريل 2025 بلغ 22 طائرة قيمة كل واحدة 32 مليون دولار، أي أن قيمة الواحدة يساوي تقريباً نصف سعر المقاتلات الـ (إف 18) البالغة 67.5 مليون دولار لكل طائرة بدون قيمة ما عليها من ذخائر.
بهذه الطريقة أصبح الأمريكي أعمى في هذه المعركة فهو لا يعرف ماذا وأين ومتى وما نتائج ما يستهدفه داخل اليمن، خلافاً لفشله في تحقيق تفوق استخباري أرضي بسبب تماسك الجبهة اليمنية من الداخل واصطفاف اليمنيين مع قيادتهم وقواتهم المسلحة.
وهنا أيضاً يجب عم إغفال التفوق الاستخباري العسكري اليمني أثناء المعركة، إذ تمكنت صنعاء من معرفة تفاصيل التحركات الأمريكية وعملت أكثر من مرة على إيقافها وإفشالها، مثل معرفة الاستخبارات العسكرية اليمنية بتحضير حاملة الطائرات لهجوم على اليمن لتبادر صنعاء بشن هجوم استباقي تُفشل من خلاله العملية الأمريكية قبل انطلاقها، إضافة إلى التفوق الاستخباري في كشف الأهداف المعادية في الأجواء اليمنية التي ظلت تخضع للسيادة اليمنية.