كيف كان فرض الحظر على الملاحة في ميناء حيفا أبرز تجليات الهزيمة الأمريكية أمام اليمن؟
خاص – المساء برس| تحليل: يحيى محمد الشرفي|
بعد قرار اليمن الاستراتيجي والتاريخي والأول من نوعه الذي تتخذه دولة عربية منذ بدء الصراع العربي الإسرائيلي، بفرض حظر ملاحي بحري على ميناء حيفا وهو الميناء الرئيسي والأكبر والأهم لدى الاحتلال الإسرائيلي ويعتبر رئة الاحتلال للتنفس والتجارة والاقتصاد والاتصال بالعالم الخارجي، يتضح جلياً ما أهمية صمود اليمنيين في وجه العدو الأمريكي ومواجهته وتحقيق الانتصار عليه وإبعاده عن المعركة.
تتجلى أهمية الانتصار على العدو الأمريكي في المعركة الأخيرة في قرار اليمن الأخير التصعيدي ضد الاحتلال الإسرائيلي والمتمثل بفرض حظر ملاحي بحري على ميناء حيفاء، فبهذا القرار تكون صنعاء قد أكدت فعلاً أنها بعد التخلص من العدو الأمريكي وتحييده تتفرغ تماماً لمعركتها الأساسية ضد العدو الإسرائيلي، ولعل قرار الحظر على حيفا ترجمة حرفية لهذا التفرغ اليمني للعدو الإسرائيلي.
وتكمن أهمية وجرأة هذا القرار اليمني في أهمية الهدف المستهدف هنا، وهو ميناء حيفا، فهو الميناء الذي لا يمكن للاحتلال الإسرائيلي الاستغناء عنه والاستعاضة بميناء آخر، نظراً لكون تجهيزات الميناء وحجم مساحته وتعدد أرصفته المتخصصة حسب كل بضائع تصل إليه لا يوجد لها مثيل في الموانئ الأخرى للاحتلال الإسرائيلي، ولهذا فإن القرار بالفعل سيقوض الاحتلال الإسرائيلي تجارياً واقتصادياً بشكل كبير جداً، لأن الشركات الملاحية ستلتزم بقرار الحظر اليمني لمعرفتها بأن قدرة اليمن على تنفيذ قرارها لن تتمكن حتى الولايات المتحدة من تقويضها وبالتالي فإن الأسلم لهذه الشركات الالتزام بالقرار وترك الاحتلال الإسرائيلي يتدبر أمر وارداته وصادراته.
الشركات الملاحية التي ستعمل على كسر الحصار اليمني في ميناء حيفا، لن تقدم هذه الخدمة للاحتلال الإسرائيلي بشكل مجان، فالإقدام على قرار كسر الحظر اليمني يتطلب من هذه الشركات رفع تكاليف التأمين على سفنها أضعافاً مضاعفة وهو ما سينعكس على أسعار السلع والواردات بشكل كبير على مجتمع الكيان الصهيوني.
سيواجه الكيان انخفاضاً كبيراً في عدد شركات الشحن التي كانت تتعامل مع الاحتلال وتحديداً عبر ميناء حيفا وبالتالي سيكون هناك عجز كبير في توفير سفن شحن لاستمرار تدفق السلع والبضائع نحو الاحتلال.
ومع الحلول المتوقعة التي سيعمل عليها الاحتلال للالتفاف على قرار الحظر الملاحي فإن مسألة مناقلة البضائع عبر السفن بحيث توصل سفن الشحن احتياجات الاحتلال من البضائع المستوردة إلى نقطة معينة في البحر الأبيض المتوسط ومن ثم يتم نقلها من هذه السفن إلى سفن شحن أخرى مملوكة للاحتلال الإسرائيلي تكون متمركزة قرب موانئ الاحتلال على البحر الأبيض المتوسط فيما يشبه الترانزيت، فإن هذه الآلية ستكون مكلفة عوضاً عن أنها ستؤخر بشكل كبير وصول الشحنات في مواعيدها إضافة إلى مضاعفة تكاليف استيرادها بسبب تكاليف الترانزيت.
أما مسألة الاستعاضة عن ميناء حيفا بميناء أسدود جنوب حيفا والذي لا يشمله قرار الحظر اليمني الملاحي، فإن إمكانات ميناء أسدود ضئيلة ولا تقارن بإمكانات وتجهيزات ميناء حيفا عوضاً عن أن الميناء صغير ولا يستطيع استيعاب نصف ما كان يستوعبه ميناء حيفا، إضافة إلى أن هناك بضائع لا يمكن لميناء أسدود استقبالها لعدم وجود بنية تحتية لاستيعاب هذه السفن.
من المتوقع أن يزداد نقل البضائع للاحتلال عبر الجسر البري الذي فتحته كل من الإمارات والسعودية والأردن براً لتجاوز الحصار اليمني الذي فرضته صنعاء على ملاحة الاحتلال في أكتوبر 2023 والذي أدى لإغلاق وإفلاس ميناء أم الرشراش “إيلات”، فالسفن التي كانت تبحر عبر رأس الرجاء الصالح لتصل من شرق آسيا إلى ميناء حيفا في البحر الأبيض المتوسط ستتوقف عن الملاحة إلى هذا الميناء، لمعرفة شركات الشحن بأن القوات المسلحة اليمنية قادرة على استهدافها حتى ولو سلكت هذا الطريق الطويل، ولهذا من المتوقع أن تقوم بنقل السلع والبضائع إلى موانئ الإمارات فقط وبعدها يتم نقلها براً إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة مروراً بالسعودية والأردن، ولكن المعضلة تكمن في أن ليس كل البضائع يمكن نقلها براً فهناك بضائع لا يمكن نقلها بين الدول إلا عبر السفن، ثم إن الجسر البري يحتاج إلى عشرات الآلاف من الناقلات البرية (القاطرات) التي ستعوض عن الحظر على ميناء حيفا ولا يمكن للاحتلال أن يوفر هذا العدد من الشاحنات في وقت قصير.