أوروبا تهدد بعقوبات على الاحتلال .. هل ستتجاوز الكلام إلى الفعل؟
محمد بن عامر – المساء برس|
ظهرت مؤخراً مواقف أوروبية وغربية لافتة حيال ملف غزة، بالتزامن مع بلوغ الفظائع الإسرائيلية ذروتها في القطاع المحاصر، وتصعيد عسكري ممنهج يهدف إلى تسريع عجلة تنفيذ مخطط تصفية القضية الفلسطينية كلياً، بدءاً من غزة عبر إبادة سكانها وتهجيرهم القسري من أراضيهم، في حملة إبادة منظمة لمحو وجودهم، وتجريف حقوقهم التاريخية، وتصفية حقهم في الحياة والكرامة، أمام صمت دولي مريب وتواطؤ غير معهود.
اليوم الأربعاء، أعلنت 17 دولة أوروبية نيتها دراسة فرض عقوبات على الاحتلال الإسرائيلي، في خطوة تثير العديد من التساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراء هذا الحراك الأوروبي الغربي، الذي يبدو إنه لم ينبع من تعاطف صادق مع أهل غزة، بقدر ما هو محاولة واضحة لإعادة صياغة صورة الغرب أمام العالم.
وزير الخارجية البلجيكي، مكسيم بريفو، في تصريحات لقناة “الجزيرة”، يقول إن “رؤية نساء وأطفال يموتون جوعاً وعطشاً في غزة أمر غير مقبول”، داعياً إلى “التحرك بأي ثمن لرفع الحصار المفروض على القطاع”.
وأشار إلى أن بلاده تبحث حالياً إمكانية إقامة جسر جوي لتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية إلى السكان.
من جهته، شدد نائب وزير الخارجية النرويجي، أندرياس كرافك، على ضرورة “إنهاء الأعمال العدائية فوراً، ووقف إطلاق النار، والسماح الفوري بدخول المساعدات إلى غزة”.
وأعتبر أن منع دخول المساعدات الإنسانية أمر غير مقبول وسط معاناة المدنيين، مضيفاً أن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية “غير قانونية ويجب إزالتها”.
وبدوره، عبّر رئيس الوزراء البرتغالي عن قلقه إزاء “الوضع الإنساني الذي لا يطاق في غزة”، مطالباً بالسماح الفوري بدخول المساعدات الإنسانية دون عوائق.
وفي سياق متصل، أعلن وزير الخارجية الأيرلندي عزمه رفع مذكرة للحكومة بهدف إقرار قانون يحظر استيراد البضائع من “إسرائيل”، في خطوة احتجاجية على ممارسات الاحتلال.
وجدد البابا ليو الرابع عشر، في بيان بالفاتيكان، دعوته إلى “وقف الأعمال العدائية وإدخال المساعدات الإنسانية الضرورية إلى غزة”، معبراً عن “القلق والحزن البالغين إزاء تدهور الأوضاع”.
إلى جانب ذلك، أدانت وزارة الخارجية البرازيلية “الاعتداءات الإسرائيلية على غزة”، معبرة عن استيائها من تصريحات نتنياهو التي أكد فيها نية قواته السيطرة على القطاع.
كما قالت وزارة خارجية كوبا إن “هناك أكثر من 28 ألف امرأة وفتاة فلسطينية قُتلن على يد القوات الإسرائيلية وفق تقديرات الأمم المتحدة”، ووصفت استمرار الاحتلال في “الإفلات من العقاب على جرائم الإبادة في غزة” بأنه أمر مرفوض ومدان.
هذه المواقف الأوروبية الغربية، كما يبدو، تعزف على أوتار ازدواجية معايير مقيتة، وأنها تسعى إلى تبرئة نفسها أمام الرأي العام العالمي، من خلال إظهار بعض المواقف الإنسانية المتأخرة، في حين أنها كانت جزءًا من منظومة دعم الاحتلال وتمرير جرائمه بشكل مباشر أو ضمني.
ومع مساعي الغرب إلى تصوير نفسه كمدافع عن حقوق الإنسان، فإن ملف غزة يكشف بوضوح حجم الازدواجية التي تميز سياساته، إذ لا تزال أغلب هذه الدول ترفض اتخاذ خطوات حقيقية توقف العدوان أو تضع حداً للانتهاكات، مكتفية بالمواقف الشكلية التي لا تغير من واقع المأساة شيئاً.
المراقبون يرون أن هذا الحراك الأوروبي الغربي ليس بدافع إنساني خالص، بقدر ما هو استجابة لواقع التوحش والوحشية التي وصلت إلى حد الإصرار على تصعيد إبادة سكان غزة بالكامل، بما يعكس فرض التهجير القسري، وتصفية القضية الفلسطينية، ليس من أجل سواد أعين الفلسطينيين، وإنما يأتي ذلك في إطار محاولة التنصل من المسؤولية التاريخية والسياسية تجاه القضية، وتبرئة الذمة من التواطؤ في مجازر وحشية غير مسبوقة ترتكب على مرأى ومسمع من العالم.
وبعيداً عن البيانات الجوفاء والشعارات الزائفة، تبقى مأساة غزة شاهداً دامغاً على تقاعس المجتمع الدولي وصمت القوى الغربية، التي، على الرغم من ادعاءاتها الحقوقية، لا تزال توفر غطاءً سياسياً واقتصادياً للاحتلال، تاركة المدنيين الفلسطينيين يواجهون حرب إبادة لا ترحم.
وعلى ما تقدم فإن الازدواجية الغربية تكمن في دعمها التاريخي للاحتلال وشرعنته، ثم محاولاتها الحالية التنصل من هذا الدعم عبر مواقف تصدر مع اشتداد وتيرة عمليات الإبادة، دون أن تقدم خطوات حقيقية لوقف العدوان أو مساءلة قوات الاحتلال الإسرائيلي عن جرائمها. وهذا ما يجعل هذه المواقف، رغم أهميتها الشكلية والظاهرية، ليست أكثر من تكتيك يسعى الغرب من خلاله إلى تجميل صورته أمام فظائع غزة المروعة، ولا أكثر من ذلك.