ضربة يمنية قاتلة: ماذا يعني فرض الحظر على ميناء حيفا بعد إغلاق إيلات؟

خاص – المساء برس| تحليل: يحيى محمد الشرفي|

منذ أن أعلنت صنعاء في أكتوبر 2023 فرض حظر بحري على السفن الإسرائيلية والمتجهة إلى الاحتلال عبر البحر الأحمر، دخل كيان الاحتلال الإسرائيلي في أزمة تجارية واقتصادية خانقة لا تزال تتفاقم حتى اليوم. ومع استمرار اليمن في تنفيذ تهديداته وحرمان “إسرائيل” من منفذها البحري الجنوبي عبر ميناء أم الرشراش المسمى إسرائيلياً “إيلات”، تحوّل الضغط كله نحو الموانئ الشمالية، وعلى رأسها ميناء حيفا، الذي بات الشريان البحري الأهم المتبقي للاحتلال.

لكن السؤال الاستراتيجي الذي بات يطرحه كثير من المراقبين اليوم بعد إعلان صنعاء فرض حظر ملاحي بحري على الاحتلال في ميناء حيفا، هو: ماذا يعني الحظر البحري على ميناء حيفا؟ وما مدى أهمية هذا الميناء لاقتصاد وأمن الاحتلال؟

ميناء حيفا: الرئة الشمالية للتجارة “الإسرائيلية”

يقع ميناء حيفا على الساحل الشمالي لفلسطين المحتلة، ويُعد من أقدم وأكبر موانئ فلسطين المحتلة وأكثرها تطوراً بالنسبة للاحتلال. يُشكّل هذا الميناء حالياً العمود الفقري لنشاط الشحن والتجارة، إذ يمر عبره أكثر من 50% من واردات وصادرات الاحتلال البحرية.

ومنذ إغلاق ميناء إيلات، انتقل جزء كبير من الحاويات والنقل التجاري إلى ميناء حيفا، الذي شهد توسعات ضخمة بتمويل صيني وخبرات أجنبية لتطوير بنيته التحتية. وتدير شركة “شنغهاي الدولية للموانئ” الصينية جزءاً كبيراً من العمليات في الميناء الجديد الملاصق للميناء القديم، ما جعله نقطة استراتيجية لا للاحتلال فحسب، بل للاستثمارات الأجنبية أيضًا.

ويستقبل ميناء حيفا السفن القادمة من أوروبا والولايات المتحدة، كما يستخدم كمنفذ رئيسي للنفط، والغاز المسال، والحاويات، والمعدات العسكرية. وقد أصبح حيوياً بشكل مضاعف بعد حرمان “إسرائيل” من المرور الآمن عبر باب المندب باتجاه آسيا.

السيناريو الأصعب: إغلاق حيفا؟

هناك مقولة دارجة لدى الاحتلال تقول بإن “القدس تصلي وتل أبيب تغني وحيفا تعمل”، وفرض حظر ملاحي على ميناء حيفا من قبل القوات المسلحة اليمنية بعد نجاح الحظر الملاحي على ميناء إيلات يعني فعلياً خنق الاحتلال اقتصاديًا، وشلّ قدرته على التصدير والاستيراد، خاصة أن ميناء أشدود الآخر جنوب حيفا لا يملك القدرة الكاملة على استيعاب حجم العمليات التي تجري في حيفا، كما أنه معرض أكثر لهجمات صاروخية محتملة من قطاع غزة أو لبنان.

وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 90% من التجارة الخارجية الإسرائيلية تتم عبر البحر، ومع غياب إيلات وانهيار التجارة من البحر الأحمر، فإن استهداف ميناء حيفا سيُغلق آخر منفذ بحري حيوي لـ”إسرائيل”، ويدفع بها نحو أزمة لوجستية شاملة.

أما البدائل البرية عبر الأردن فهي غير ممكنة بسبب انعدام امكانية نقل السلع برياً فالعديد منها لا يمكن نقلها سوى عبر المياه وخاصة شحنات المشتقات النفطية والبضائع السائبة، والموانئ القبرصية أو اليونانية بعيدة ولا يمكنها تلبية احتياجات كيان “إسرائيل” اليومية. كما أن النقل الجوي لا يمكن أن يعوّض النقل البحري من حيث الحجم أو الكلفة، عوضاً عن أن هناك أساساً قرار يمني بحظر ملاحي جوي على أهم مطار للاحتلال وهو مطار اللد “بن غوريون”.

انكشاف استراتيجي أمام خصوم أقوياء

يعني استهداف ميناء حيفا ـ أو حتى تهديده ـ أن الاحتلال أصبح مكشوفًا تمامًا من الشمال كما الجنوب. ومع تكرار التجربة اليمنية في أم الرشراش “إيلات” عبر تهديد الملاحة المتجهة إلى حيفا، فإن كان “إسرائيل” سيجد نفسه في عزلة بحرية كاملة.

هذا الانكشاف لا يُهدد الاقتصاد فقط، بل يُضعف صورة “إسرائيل” كقوة إقليمية، ويعزز مراكز القوى المعادية لها في المنطقة، خصوصاً محور المقاومة الذي أثبت قدرته على قلب المعادلة في البحر كما فعل في البر.

الرسالة: سيف البحر قد يسبق سيف النار

في ظل استمرار العمليات البحرية اليمنية بحظر شامل على إيلات، وتحذيرات صنعاء بعدم الملاحة عبر ميناء حيفا رداً على تصعيد الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، فإن الكيان أصبح محاصراً بحرياً ببطء وبعد أن خسر فعلاً أحد موانئه الكبرى “إيلات”، فيماها هو اليوم ميناءه الثاني والرئيسي والأهم يترنح على حافة الخسارة.

إن فرض اليمن حظراً على ميناء حيفا لن يكون مجرد “تصعيد”، بل ضربة استراتيجية تُنهي فعليًا قدرة الاحتلال على الصمود اقتصادياً وعسكرياً. ومع كل سفينة تُمنع من الرسو في حيفا، يصبح الكيان أقرب إلى الانهيار من الداخل.

قد يعجبك ايضا