لماذا كانت أمريكا تريد إقحام أوروبا في حربها مع اليمن؟

خاص – المساء برس| تقرير: يحيى محمد الشرفي|

تفكر أمريكا بعقلية غير منطقية، عقلية المتحكم والمهيمن والزعيم الذي عندما يقول شيئاً يجب على الآخرين إطاعته، بدا هذا واضحاً في اضطراب العلاقات بين أمريكا وأوروبا فيما يتعلق بالحرب على اليمن.

خلال المعركة الأخيرة وقبل انطلاقها أيضاً ابدى الأمريكيون امتعاضهم من التجنب الأوروبي للدخول في معركة مع اليمنيين، أوروبا جرّبت خوض معركة مع صنعاء في العام 2024 وانهزمت، وغادرت قطعها الحربية من الفرنسية للبريطانية للهولندية للدنماركية تباعاً بعد أن تعرضت كل واحدة منها لصفعات نارية من اليمن وبعد أن استنزفت الهجمات اليمنية ذخائرها، ثم غادرت وهي تجر أذيال الخيبة وراءها.

بريطانيا التي شاركت مع أمريكا في الحملة السابقة ضد اليمن في 2024 لم تخرج من هذه المعركة منتصرة بل إنها تسببت في إعلان صنعاء فرض حظر على ملاحتها البحرية من العبور من البحر الأحمر وباب المندب والبحر العربي وطالت الهجمات اليمنية سفن بريطانيا التجارية حتى في عمق المحيط الهندي، ثم انتهت المعركة بعد أن قررت صنعاء إيقافها في يناير الماضي بعد أن تحققت شروطها المتمثلة بوقف العدوان ورفع الحصار عن قطاع غزة وهو ما تحقق باتفاق وقف إطلاق النار.

معارك 2024 درس قاسي تعلّمت منه أوروبا

التجربة المريرة للبحرية الأوروبية جعلتها واثقة من أن خوض مغامرة ضد اليمن كالتي تريد واشنطن جرها إليها إنما سيجلب على أوروبا الوبال والهزائم والخسائر وربما فرض حظر ملاحتها من البحر الأحمر لهذا كانت أوروبا مقتنعة بأنها يجب أن تبقى بعيدة عن مغامرة أمريكا الفاشلة ضد اليمن.

لكن الولايات المتحدة لا تريد أن تسمع كلمة (لا) من قبل من تدعي أنهم حلفاءها عندما تطلب منهم شيئاً، وهذا ما حدث في معركة ترامب ضد اليمن وأيضاً معركة بايدن السابقة في 2024 فقد نأت أوروبا بنفسها عن المشاركة في أي عدوان ضد اليمن لكن مساهمة أوروبا في 2024 اقتصرت فقط على محاولة حماية السفن التي فرضت صنعاء عليها حظراً من الملاحة في البحر الأحمر، ورداً على ذلك كانت صنعاء حين تشن هجوماً ضد سفينة تجارية كانت تشن بالتزامن هجوماً ضد السفن الحربية الأوروبية لمنعها من حماية السفن التجارية المحظورة.

أوروبا: لم نطلب من أمريكا القتال نيابة عنّا ولا نريد معاداة اليمنيين

في معركة ترمب ضد اليمن التي انتهت بهزيمة مدوية، سعت واشنطن بشكل أو بآخر لجر أوروبا إلى هذه المعركة، الغريب في منطق أمريكا أنها كانت تقول إنها ليست مضطرة لخوض حرب ضد اليمن وأن المفترض به أن يخوض هذه الحرب هي الدول الأوروبية وعلى هذا الأساس فإن أمريكا تقدم نفسها مدافعاً عن أوروبا في الحرب ضد اليمن، لكن أوروبا ردت على الولايات المتحدة بشكل غير مباشر من خلال ما نشر في وسائل الإعلام الأوروبية بأنها لا تريد خوض حرب ضد اليمن ولا تريد من أمريكا أن تخوض حرباً ضد اليمن بالإنابة عنها، لأن الأوروبيين يريدون الإبقاء على علاقاتهم مع اليمنيين وليسوا مستعدين لخلق عدو لهم في منطقة لا تستطيع أوروبا أن تستغني عنها لتجارتها البحرية.

حتى الأيام الأخيرة قبل إعلان ترامب وقف القصف على اليمن مقابل وقف صنعاء استهداف السفن الأمريكية فقط في البحر الأحمر، ظلت الولايات المتحدة تعمل على تحريض أوروبا وتطالب منها بشكل غير مباشر بالمساهمة في تكاليف الحرب الأمريكية ضد اليمن، وعلى سبيل المثال قال الضابط المتقاعد في البحرية الأمريكية، جون فورتوغنو، في تصريح لصحيفة “وول ستريت جورنال”، قال إن “هناك 178 سفينة شحن ترفع العلم الأمريكي وأن عدداً قليلاً فقط من هذه السفن تمر عبر البحر الأحمر، بينما أوروبا تملك آلاف سفن الشحن والكثير منها يمر عبر البحر الأحمر وباب المندب”.

أمريكا تبحث عن مشاركين في معاركها ليتحمّلوا عار الهزيمة لو حدثت

الضابط المتقاعد الأمريكي يضيف بأن “لفرنسا وبريطانيا وإيطاليا وإسبانيا حاملات طائرات، وأن فرنسا تملك قاعدة عسكرية في جيبوتي على بعد 400 ميل من القوات المسلحة اليمنية”، وهو يشير بذلك إلى أن الأولى بمن يخوض هذه المعركة هي أوروبا لكونها تملك من القطع الحربية وحاملات الطائرات والقواعد العسكرية أفضل مما تملكه أمريكا في هذه المعركة تحديداً، وخصوصاً القاعدة العسكرية الفرنسية القريبة من اليمن، ومع ذلك، من وجهة نظر الضابط الأمريكي المتقاعد، فإن هذه الدول تخلت عن أمريكا وتركتها تواجه اليمنيين بمفردها رغم أنها هي من ستستفيد فيما لو حقق الغرب غايته من هذه المعركة وهي القضاء على القوات المسلحة اليمنية التي وظفت الجغرافيا في خدمة المعركة ضد الاحتلال الإسرائيلي وبسبب هذا التوظيف تأثرت بقوة المصالح التجارية الأوروبية أكثر بكثير جداً من تأثيرها على المصالح التجارية الأمريكية.

ويتساءل الضابط المتقاعد بالبحرية الأمريكية، فورتوغنو، “لماذا تقع على عاتق البحرية الأمريكية مسؤولية التعامل مع هذا التهديد بمفردنا؟ يُستنزف البحارة الأمريكيون طاقتهم إلى أقصى حد، وشاهدوا خسارة مقاتلتين من طراز إف 18 تابعتين لحاملة الطائرات يو إس إس هاري ترومان، على حلفائنا الأوروبيين أن يتدخلوا، تصرفوا بنزاهة وأدّوا واجبكم”، في لغة استعلائية لا تزال الولايات المتحدة تتخاطب بها مع من تسميهم حلفاءها وكأنهم أتباع لا حلفاء.

هل تحمّل واشنطن مسؤولية هزيمتها أمام اليمن على الأوروبيين؟

ربما يكون هذا الطرح الأمريكي الذي ورد في تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال” هو بمثابة التبرير لسبب هزيمة الولايات المتحدة أمام اليمن وتحميل مسؤولية هذه الهزيمة بالاتحاد الأوروبي الذي نأى بنفسه ونأى بتجارته عن المغامرة بها ورفض الدخول في عداء ضد اليمن من أجل عيون ورغبات الولايات المتحدة الأمريكية.

لقد تعاملت أمريكا مع أوروبا فيما يخص المعركة ضد اليمن، مثلما تتعامل مع الدول العربية التابعة لأمريكا التي تنفذ كل ما يصدر من أوامر من البيت الأبيض، لكن أوروبا رفضت هذا التعامل ورجحّت مصلحتها ومصلحة تجارتها البحرية على مسألة إرضاء البيت الأبيض، فآثرت مصالحها ورفضت إطاعة سيد البيت الأبيض والخوض في معركة ضد اليمن، وحتى لو كانت شاركت فالنتيجة لم تكن مختلفة ففي نهاية الأمر ستُهزم وسينتصر اليمن، لكن على الأقل كان عار الهزيمة لن يلحق بالولايات المتحدة بمفردها بل بسيتوزع العار على الدول الأوروبية أيضاً، وهنا يكمن جوهر المأزق الذي وقعت فيه الولايات المتحدة التي كانت تريد أن تدفع بالآخرين للقتال حتى إذا ما انتهت المعركة بهزيمتهم فإن عار الهزيمة سيلحق بهؤلاء الآخرين وستكون أمريكا بعيدة عن صورة الهزيمة أما الانتصار فبالتأكيد ستنسبه واشنطن لنفسها، لكن في معركة ترمب الأخيرة انحصرت الهزيمة في القوات الأمريكية وبحريتها التي تتفاخر بها بأنها الأقوى على مستوى العالم، ويبدو أن البحث عن حليف يتحمل الهزيمة أصبح أمراً صعباً بالنسبة للولايات المتحدة، وهي صورة أخرى من صور تلاشي الهيمنة الأمريكية التي عجّل اليمنيون بها إلى أقصى حد في غضون أسابيع قليلة.

قد يعجبك ايضا