حين تصبح المواجهات أداة سياسية..هل كانت الحرب بين الهند وباكستان مجرد ورقة ضغط أمريكية
تحليل- المساء برس.. هاشم الدرة|
الصراع بين الهند وباكستان له تاريخ طويل منذ استقلال البلدين عام 1947، غير أن قرار الحرب والسلم بين البلدين غالبا ما يكون مرتبطا بسياسات الولايات المتحدة ومصالحها، وهو ما ظهر بوضوح في الأزمة الأخيرة التي اندلعت بين الهند وباكستان، وانتهت بشكل مفاجئ بقرار من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وباستقراء بسيط للتوترات الهندية الباكستانية، يتضح جليا الدور الأمريكي في مفاقمتها كما حدث في حرب كارجيل 1999م عندما مارست واشنطن ضغوطًا كبيرة على باكستان لإنهاء النزاع العسكري مع الهند، حيث كان التدخل الأمريكي حاسما في إجبار باكستان على سحب قواتها من كشمير، وكذلك دور الولايات المتحدة في منع الهند من الرد عسكريا على باكستان عقب هجوم مومباي 2008 بعد الهجمة التي ضربت مومباي واتهمت جماعات باكستانية بتنفيذه، وكذلك منع أمريكا لباكستان من الرد العسكري على الهند عقب الضربة الجوية الهندية ضد معسكرات في باكستان في العام 2019.
هذه الصراعات كان العامل المشترك فيها هو المصلحة الأمريكية إما في إثارة الحرب أو إطفائها ما ظهر جليا في الحرب الأخيرة التي كشفت ذات النمط في التدخل الأمريكي ، حيث دعمت واشنطن الهند بشكل غير مباشر في ضرباتها العسكرية، وسمحت بتمرير معلومات استخباراتية عززت موقفها في المواجهة. ومع استمرار الضربات والهجمات المتبادلة، برز دور الولايات المتحدة كوسيط رئيسي، حتى جاء إعلان ترامب المفاجئ الذي أكد وقف الحرب بين الطرفين، وهو ما أثار تساؤلات حول مدى تأثير أمريكا في إشعال النزاع ثم إنهائه بقرار واحد.
إذن من الواضح أن الولايات المتحدة لعبت دورًا جوهريًا في التوترات بين الهند وباكستان، سواء عبر الدعم العسكري والاستخباراتي أو من خلال الضغط الدبلوماسي لإنهاء الصراع عند الحاجة.
هذه الديناميكية تثير تساؤلات حول استقلالية القرار العسكري للبلدين، وما إذا كانت واشنطن تستخدم النزاع كأداة سياسية لضمان مصالحها في المنطقة، مع التأكيد أن الولايات المتحدة الأمريكية لها تأثير كبير على كافة المستويات في الهند وباكستان.
الصين طفاية حريق جنوب آسيا
في المقلب الآخر كانت الصين أكثر حرصا لإخماد نيران الحرب حيث دعت إلى ضبط النفس وحثت الطرفين على العودة إلى الحلول السياسية لتجنب التصعيد العسكري، كما عرضت الوساطة بين الطرفين، لكنها لم تتخذ خطوات فعلية، نظرا لعلاقاتها التجارية والعسكرية القوية مع باكستان حيث زودتها بسلاح متطور استطاع مواجهة السلاح الأمريكي الذي زودت به الهند، وعلى رأسها مقاتلات” J-10C ” وصواريخ” HQ-9B” ومنظومات دفاعية متطورة، الأمر الذي جعل الهند مترددة في قبول دورها كوسيط، كما أن ترامب أوصد الأبواب أمام الصين لاتخاذ أي إجراء في هذا الإطار، لكي يثبت أنه ما يزال الفاعل الرئيسي في العالم، مع الأخذ بعين الاعتبار أن باكستان لم ترد الحرب التي ما تزال أسبابها مجهولة حتى الآن، فالهند بنت حربها وهجماتها على اتهام ليس إلا، وهي من بدأت الغارات على الأراضي الباكستانية، فضلا عن تعزيز العلاقات الدفاعية الأمريكية مع الهند في الآونة الأخيرة حيث منحتها تقنيات عسكرية متقدمة مثل الطائرات المسيرة والمقاتلات الحديثة.
الصين تسعى للحفاظ على توازن القوى في جنوب آسيا
تدعم الصين باكستان عسكريا وتدعو إلى السلام دبلوماسيا، ومع ذلك، فإن علاقاتها القوية مع باكستان تجعل الهند متشككة في نواياها، مما يحد من قدرتها على لعب دور الوسيط الفعلي في النزاع.
هذه الجولة من الحرب بين الهند وباكستان تحذير أمريكي وفي إطار الضغوط الأمريكية على بكين في سياق الحرب الاقتصادية بين البلدين فالصين تربطها مع باكستان شراكة اقتصادية استراتيجية، تبدأ بالممر الاقتصادي بين الصين وباكستان (CPEC) الذي يعد أحد أهم المبادرات الصينية في إطار مبادرة الحزام والطريق، حيث تستثمر بكين أكثر من 60 مليار دولار في البنية التحتية الباكستانية.
أضف إلى ذلك التبادل التجاري الضخم بين الصين وباكستان التي تحتل مكانة الشريك التجاري الأول لبكين، حيث تشكل التجارة الثنائية أكثر من 25% من إجمالي واردات وصادرات باكستان.
واشنطن تضغط على الصين في باكستان
مارست واشنطن ضغوطًا على صندوق النقد الدولي لتقييد القروض المقدمة لباكستان، مما أثر على اقتصادها المتضرر أصلا، كما أن التصعيد العسكري بين الهند وباكستان قد يكون فرصة لواشنطن لتقويض نفوذ الصين عبر إضعاف الاقتصاد الباكستاني الذي يعتمد بشكل كبير على الاستثمارات الصينية، فالحرب أثرت سلبا على مشاريع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، مما أدى إلى تأخيرات كبيرة في التنفيذ، وهو أمر يصب في مصلحة واشنطن، كما أن التصعيد العسكري جاء في وقت كانت فيه الولايات المتحدة تصعد ضغوطها التجارية والتكنولوجية على الصين، مما يثير تساؤلات حول ما إذا كان النزاع جزءا من استراتيجية أمريكية أوسع لمحاصرة بكين.
إعلان ترامب المفاجئ عن وقف إطلاق النار
يبدو أن واشنطن كانت قادرة على إنهاء الحرب في لحظة بمجرد تدخلها، مما يعكس أنها ربما كانت تدير خيوط النزاع من خلف الكواليس, وعلى الرغم من أن الحرب لم تدمر الاقتصاد الباكستاني بالكامل، إلا أنها أضعفت مشاريع الصين هناك وأدت إلى تأخير خطط بكين في جنوب آسيا، مما يعطي واشنطن فرصة لتعزيز نفوذها في الهند وتقليل اعتماد باكستان على الصين.
في المستقبل، قد يتكرر هذا السيناريو، حيث يمكن لواشنطن أن تظل العامل المحدد في استمرار أو وقف أي مواجهة جديدة بين الهند وباكستان، مما يعكس النفوذ الأمريكي القوي في سياسات الحرب والسلام في جنوب آسيا.