عندما شن ترمب الحرب على اليمن لم تكن أصلاً الملاحة الأمريكية محظورة من باب المندب.. ماذا حدث؟

خاص – المساء برس| تقرير: يحيى محمد الشرفي|

بعد أخبار فقدان حاملة الطائرات الأمريكية يو إس إس هاري إس ترومان لطائرة حربية مقاتلة ثانية من طراز F18 سوبر هورنت أثناء مواجهات وعملية اشتباك واسعة وقعت بين القوات المسلحة اليمنية والبحرية الأمريكية يوم أمس، اتضح أن إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب مساء أمس وبشكل مفاجئ عن قرار وقف الحرب على اليمن كان إعلان انسحاب غير أنه حاول إخراج هذا القرار بصورة تحفظ له ماء الوجه.

صباح اليوم انتشرت أخبار مصدرها الولايات المتحدة وعلى رأسها شبكة (سي إن إن) أن حاملة الطائرات الأمريكية هاري ترومان فقدت طائرة حربية مقاتلة أخرى من طراز F18 للمرة الثانية خلال أسبوع.

وجاء ما كشفته الشبكة الأمريكية بعد ساعات على قرار دونالد ترامب المفاجئ بإعلان وقف الحرب الأمريكية على اليمن، ليعتقد الجميع بأن الاتفاق الذي أعلن عنه ترمب بوقف إطلاق النار بين صنعاء وواشنطن قد انهار وأن المواجهات عادت من جديد، لكن تبين مساء اليوم أن سقوط الطائرة الحربية الأمريكية كان خلال عملية اشتباك بين البحرية الأمريكية والقوات اليمنية قبل إعلان ترمب عن الانسحاب من الحرب ووقف القصف على اليمن.

من هنا يتضح أن قرار ترمب بالانسحاب من الحرب على اليمن كان سببه الأخبار السيئة له ولإدارته التي وصلته فوراً بشأن سقوط طائرة حربية جديدة وهي الطائرة الثانية التي تخسرها أمريكا في عهد ترمب وولايته التي لم يمضي عليها سوى 3 أشهر ونصف، والطائرة الثالثة التي تخسرها أمريكا منذ بدء العدوان على اليمن إسناداً ودعماً للاحتلال الإسرائيلي.

يبدو أن هذا الخبر السيء الذي وصل إلى ترمب قبل دقائق أو ساعات من إعلانه وقف الحرب كان هو الخبر ذاته الذي قال عنه أمام الكاميرات “وصلتني أخبار جيدة الآن لقد أكد الحوثيون إنهم لم يعودوا يريدون القتال لقد طلبوا أن نتوقف عن قصفهم ونحن سنقبل كلمتهم وسنوقف فوراً القصف في اليمن، هذه أخبار جيدة أنقلها لكم لقد حققنا هدفنا ونجحنا التزم الحوثيون بأنهم لن يستهدفوا سفننا ويعيقوا حركة الملاحة في البحر الأحمر وهذا هو الذي نريده”.

الحقيقة أن ترمب قرر لحظتها الانسحاب حتى وإن كان بلا ثمن مقابل من اليمنيين، والخروج من الحرب بأي شكل حتى لو لم تقبل صنعاء بشروطه التي ربما كانت تشمل ورفع الحظر عن الملاحة الإسرائيلية.

الجدول الزمني للهزيمة الأمريكية

حتى لو لم يكن هناك مواجهة عسكرية أخيرة بين صنعاء وواشنطن يوم أمس في البحر الأحمر، فإن خروج ترمب من الحرب على اليمن بهذه الطريقة هو انتصار ساحق لليمنيين والقوات المسلحة اليمنية. لماذا؟.

الجواب: ترمب دخل الحرب مهدداً ومتوعداً بالقضاء نهائياً على من كان يسميهم (الحوثيين) وهدد اليمنيين بأنهم “سيرون الجحيم بسبب استهدافهم للسفن الأمريكية وتهديدهم للملاحة الدولية في البحر الأحمر وباب المندب”، ويقصد الملاحة الإسرائيلية.

وترمب ذاته دخل الحرب التي كانت في الأساس إسناداً لإسرائيل، من أجل – بحسب ما قاله هو – استعادة الردع والهيبة الأمريكية واستعادة سمعة الجيش الأمريكي التي دمرها وشوهها جو بايدن.

وترمب أيضاً أعلن الحرب على اليمن – التي يقول إنه الآن حقق أهدافها – والملاحة الأمريكية أصلاً لم تكن محظورة من العبور في البحر الأحمر وباب المندب، فالحرب الترمبية على اليمن بدأت بعد أيام قليلة من إعلان صنعاء مهلة 4 أيام للاحتلال الإسرائيلي رفع الحصار عن غزة وفتح المعابر مالم سيتم استئناف حظر الملاحة الإسرائيلية.

وبالفعل انتهت مهلة صنعاء وعلى الفور قررت القيادة اليمنية استئناف حظر الملاحة الإسرائيلية من البحر الاحمر وبعدها بأيام قليلة جداً أعلن ترمب الحرب على اليمن بمزاعم استعادة حرية الملاحة، واستعادة هيبة أمريكا وسمعتها العسكرية؟.

كيف انتهت الحرب الأمريكية على اليمن؟

هذه الورطة الأمريكية الترمبية انتهت بخسائر في سمعة الطائرات الأمريكية الحربية بما في ذلك F18 وB2 وخسارة سمعة حاملات الطائرات، وخسارة سمعة منظومات الاعتراض الصاروخي الأمريكية على رأسها (ثاد) وخسائر بمليارات الدولارات تكلفة الحرب على اليمن في أسابيع قليلة، وتكريس خسارة سمعة الطائرات الـMQ-9 ريبر، وصولاً إلى القبول بالانسحاب من الحرب مع حفظ ماء وجه الولايات المتحدة والقبول باتفاق مع قيادة صنعاء “الإرهابيين حسب التصنيف الأمريكي” يقضي بوقف إطلاق النار بين الطرفين بما في ذلك وقف صنعاء استهداف السفن الأمريكية فقط!!، فهل كانت السفن الأمريكية محظورة أصلاً من العبور من البحر الأحمر؟

وضع الملاحة الأمريكية عندما قرر ترمب التورط

زعم ترمب أنه حقق الهدف من الحرب على اليمن وهو التزام اليمنيين بعدم استهداف السفن الأمريكية، على الرغم من أن صنعاء لم تكن أصلاً قد حظرت الملاحة الأمريكية من البحر الأحمر.

عندما استأنفت صنعاء قرار الحظر الملاحي في مارس الماضي والذي قصرته فقط على الملاحة الإسرائيلية بسبب استئناف العدو الصهيوني حصاره على قطاع غزة، بينما كان المجال مفتوح لجميع الدول والشركات بالمرور بما في ذلك السفن المملوكة لأمريكا وبريطانيا التي كانت سابقاً محظورة بقرار يمني رداً على العدوان الأمريكي البريطاني المشترك على اليمن الذي بدأ في يناير 2024 وانتهى في يناير 2025 بالتزامن مع إعلان وقف الحرب على غزة.

لماذا استمر (انقطاع) الملاحة الأمريكية من البحر الأحمر بعد وقف النار بغزة واليمن؟

كان استمرار انقطاع الملاحة الأمريكية من البحر الأحمر سببه استمرار تخوّف شركات الشحن وخصوصاً الأمريكية من استئناف المرور من البحر الأحمر حتى بعد رفع صنعاء الحظر في يناير الماضي بحسب وعدها عندما تم إعلان وقف إطلاق النار في قطاع غزة ورفع الحصار عن القطاع، حينها بقيت بعض شركات الشحن متوجسة من استئناف العبور من البحر الأحمر بسبب فشل أمريكا في عهد بايدن في استعادة الملاحة الإسرائيلية والأمريكية والبريطانية في باب المندب والبحر الأحمر بالقوة والفشل في ردع وإخضاع اليمن وبسبب أن قرار رفع الحظر عن الملاحة جاء من اليمن وليس من أمريكا، وحينها بقيت هذه الشركات متوجسة وغير متيقنة من أن عودتها للملاحة من باب المندب سيكون آمناً فيما بقية شركات الشحن التي كانت محظورة من العبور استأنفت المرور بشكل طبيعي.

الهدف الذي حققه ترامب من الحرب على اليمن – حسب زعمه – كان يمكن أن يحققه بمجرد أن يعلن أمام التلفزيون بأن الملاحة الأمريكية من البحر الأحمر آمنة، لكنه لم يفعل ذلك لأن أمريكا أصلاً فشلت عسكرياً على مدى عام و4 أشهر في أن تفرضها بالقوة.

دخول بعض الملاحة الأمريكية قائمة الحظر مؤخراً

الملاحة الأمريكية لم تخضع للتهديد من اليمن بشكل رسمي إلا قبل أيام قليلة حين قررت صنعاء الرد على العقوبات الأمريكية التي فرضها ترمب على صنعاء وهي عقوبات اقتصادية شملت تهديد شركات الشحن من التعامل مع صنعاء، حينها قررت الأخيرة فرض عقوبات على كل من شركات صناعة النفط والسلاح الأمريكية الداعمة لكيان الاحتلال الإسرائيلي.

بعد 24 ساعة فقط أمريكا تدق ناقوس الخطر

قرار صنعاء بفرض عقوبات على شركات الأسلحة والنفط الأمريكية تعاملت معه واشنطن بعد 24 ساعة فقط من إعلانه من صنعاء بسبب شعورها بحجم الخطر، ففي اليوم التالي خرج معهد واشنطن للسياسات بإحاطة مطوّلة فصّل فيها تداعيات وخطورة قرارات صنعاء بفرضها عقوبات على شركات الأسلحة والنفط الأمريكية والتي تشمل بالطبع حظر الملاحة لهذه الشركات من البحر الأحمر وهو ما اعتبره معهد واشنطن تهديداً لإمدادات الجيش والسلاح الأمريكي وإمدادات قطاع صناعة النفط الأمريكي.

وبالتزامن مع هذه القرارات من صنعاء وقعت كارثة سقوط الطائرة الـF18 من على حاملة الطائرات ترومان في البحر الأحمر الأسبوع الماضي وهو ما دفع ترمب على الفور لدق أبواب سلطنة عمان وليس إيران لمعرفته أن لا إيران ولا غيرها لها علاقة بالقرار اليمني، فوجه مبعوثه للشرق الأوسط ستيف ويتكوف لطرق أبواب سلطنة عمان للتوسط بين واشنطن وصنعاء للجلوس للتفاوض والتفاهم على وقف إطلاق النار.

ويبدو أنه وأثناء مرحلة التفاوض كان كل طرف يحاول الضغط على الآخر عسكرياً، لتنتصر صنعاء في آخر معركة عسكرية وتكون النتيجة كارثية بالنسبة لترمب والبنتاغون والبحرية الأمريكية بإسقاط طائرة ثانية حربية تابعة لأسطول حاملة الطائرات ترومان، ويبدو أن ترمب قرر حينها أن يعلنها للجميع بقرار وقف الحرب ولحفظ ماء الوجه حاول أن يخلق صورة انتصار أمريكي مزيفة بادعائه بأن صنعاء أبلغت واشنطن أنها لم تعد تريد القتال.

بالتالي فإن الثمن الذي قبضه ترمب من اليمنيين مقابل إيقافه الحرب عليهم وقصفهم هو (صفر ولا شيء) لأن أمريكا – ترمب هي من بادرت بالعدوان على اليمن فكان الموقف اليمني بالمواجهة العسكرية وضرب السفن الحربية الأمريكية هو رد فعل يمني للعدوان الأمريكي أما حظر اليمن للسفن التجارية الأمريكية (النفطية، وتلك الخاصة بشركات الأسلحة) فهذا القرار أيضاً كان رد فعل يمني على تصعيد أمريكا عدوانها الاقتصادي على اليمن من خلال فرضها عقوبات على صنعاء ومحاولة خنقها وقطع إمدادات الغذاء والمشتقات النفطية عن موانئ الحديدة، وإلا فقبل ذلك لم تكن السفن الأمريكية محظورة من العبور من البحر الأحمر عندما أعلن ترمب الحرب على اليمن منتصف مارس الماضي.

قد يعجبك ايضا