لا مكابح في السياسة الفلسطينية

أيهم السهلي – وما يسطرون|

أنهى المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية أعماله، أول أمس، وأصدر بيانه الختامي أمس. وجديده استحداث منصب نائب رئيس اللجنة التنفيذية للمنظمة، بالعبارة التالية: “استحداث منصب نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية رئيس دولة فلسطين.”

وبحسب وكالة الأنباء الفلسطينية «وفا» فإن القرار اتُّخذ بـ«الأغلبية الساحقة»، بواقع 170 عضواً من الأعضاء الحاضرين في القاعة والمشاركين عبر تقنية “الزووم”، صوّتوا مع القرار، فيما صوّت عضو واحد بالرفض، وامتنع آخر عن التصويت.

ولم يُعرف مُن الرافض والممتنع. وأول البارحة رشّح رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أمين سر اللجنة التنفيذية الحالي حسين الشيخ، وبحسب “وفا” صادقت اللجنة التنفيذية على ترشيح عباس.

من وقائع اجتماع “التنفيذية”، أن الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، شاركت في افتتاحه، وانسحبت (أو علّقت) مساء اليوم الأول منه، مبرّرة ذلك «لما يمكن أن يترتّب في نهايتها [الاجتماعات] على نتائج خطرة، خاصة أن المؤشرات التي جاءت في خطاب الرئيس تشير إلى خطورة المرحلة وما يمكن أن يخرج عن المجلس من نتائج”.

أيضاً قال عضو المكتب السياسي للجبهة رمزي رباح -وهو عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير- إن اجتماع المجلس المركزي جاء “استجابة لجملة من الضغوطات الغربية، وتحديداً الأميركية”.

أوضح أن هذه الضغوط هي لإدخال تعديلات هيكلية على بنية النظام السياسي الفلسيطيني «بما يسمح بوجود يد طويلة لأميركا داخل النظام، وهذا جرى عبر استحداث منصب نائب للرئيس».

أمران لا بدّ من الحديث عنهما

الأول، استحداث المنصب، من جانب، هذا القرار كان ضرورة قصوى منذ وقت طويل، لكنّ توقيته اليوم، واستناداً إلى قول «الديمقراطية» وغيرها من الفصائل التي قاطعت اجتماعات المجلس المركزي، كـ«الجبهة الشعبية» و«المبادرة الوطنية»، إن الاجتماع وقراراته مفروضان، من دول عدة في الإقليم والعالم، ويبدو أن بوسع «الفلسطينيين» فقط تنفيذها، وإلا، ويبدو أن «وإلا» أرغمت المعنيين في المقاطعة في رام الله، وجعلتهم يتخذون القرار تلو القرار، منها الإعلان الدستوري الخاص بشغور منصب رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، القائل، إذا «شغر مركز رئيس السلطة الوطنية في حالة عدم وجود المجلس التشريعي (برلمان السلطة)، يتولى رئيس المجلس الوطني الفلسطيني (برلمان منظمة التحرير) مهام رئاسة السلطة الوطنية مؤقّتاً، لفترة لا تزيد على 90 يوماً». وجاء في الإعلان الدستوري أن الانتخابات تُجرى «حرة ومباشرة لانتخاب رئيس جديد (للسلطة الفلسطينية) وفقاً لقانون الانتخابات».

قبل هذا الإعلان، كان القانون الفلسطيني، يعطي هذه المهمة لرئيس المجلس التشريعي، وآخر مجلس تشريعي مُنتخب 2006، كان برئاسة عزيز الدويك. لكنّ المحكمة العليا، قضت بحل المجلس التشريعي عام 2018.

تمّ استحداث المنصب الجديد في منظمة التحرير، وكما أعلن الشيخ منصبه الجديد، في حسابه على منصة “X” كالتالي أمس: “نائب رئيس اللجنة التنفيذية م.ت.ف ونائب رئيس دولة فلسطين”، بينما كان السبت: “نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ورئيس دولة فلسطين”.

فإن هذا التغيير الكبير، يبدو أنه انتقال إلى واقع سياسي جديد، يجتاحه مسار مضاعف لسلسلة من التنازلات الكبيرة التي ستُفرض على الفلسطينيين، والتي لن يكون بمقدور الجسم الرسمي الفلسطيني الوقوف في وجهها، فضلاً عن التساوق مع “الوصاية” التي يبدو أنها أصبحت أمراً واقعاً، وتجاوزها أو الوقوف في وجهها، يتطلب شخصيات وطنية أخرى، غير الموجودة في مواقع القرار الآن.

الخلاف وإن كان على شخص حسين الشيخ نفسه، فهو جانب من الأمر، بسبب عدة عوامل لها علاقة بارتباطاته، والمهام التي تولّاها خلال السنوات الأخيرة، إضافة إلى كونه جزءاً من الوصاية التي فُرضت على السياسة الفلسطينية. إلا أن الجوانب الأخرى، لها علاقة بمدى المقدرة على الحد من “النكبة” الجديدة التي تحدّث عنها عباس نفسه في افتتاح اجتماعات المجلس المركزي.

وبالعودة إلى الشيخ، فهو ليس موضع إجماع لدى اللجنة المركزية لحركة فتح، والحقيقة أن “فتح” ما زال تأثيرها كبيراً في السياسة الفلسطينية، فإن كانت بخير، فالحالة الفلسطينية بخير، والعكس صحيح، وكون “فتح” ليست بخير، فإن احتمال حدوث شرخ في لجنتها المركزية قائم، وسينعكس على الفلسطينيين في الداخل والشتات.

أما عن سبب ذلك، فهو في جوهر المشكلة، بأن الحركة تداخلت مع السلطة الفلسطينية، حتى لم يعد بالإمكان التمييز بينهما. ومن نافل القول الإيضاح أن الحالة الفلسطينية لا تحتمل أي خلافات جديدة.

هذا عدا أن ماجد فرج، يبدو أنه اللاعب الأوفر حظاً في المواجهة المقبلة مع الشيخ، إن لم تتم التوافقات الفتحاوية الفتحاوية.

وربما يقود هذا الشرخ الفتحاوي، إلى تبديل شخصيات في “المركزية”، وجلب شخصيات عندها ولاء للرئيس المقبل، وتواطؤ مع المطلوب من الفلسطينيين في المرحلة المقبلة، ما بعد الحرب على غزة والضفة.

أما الأمر الثاني، وهو في اللجنة التنفيذية، التي من المحتمل أن تشهد صراعاً آخر، أحد أطرافه فصائل اليسار الفلسطيني، ولا سيما «الجبهة الديمقراطية» و«حزب الشعب» (“الشعبية” من خارج التنفيذية)، فهذه الفصائل التي لها حضورها التاريخي في المنظمة، ستواجه داخل اللجنة التنفيذية «المطبّلين» من الفصائل الأخرى في المنظمة، وفي معظمهم فصائل صغيرة، مهمتهم “البصم”.

مع ذلك يعود للأذهان مشهد قدوم الشيخ إلى مثوى الرئيس الراحل الشهيد ياسر عرفات، واصطفاف أعضاء “التنفيذية” و”المركزية” ورجالات الأمن في السلطة لاستقباله، فعدا كون هذه “الوقفة” تؤشر إلى موقعه في الواقع لا في التسميات، والمؤشرات السابقة كثيرة، فكذلك حضور أعضاء “التنفيذية” من اليسار الفلسطيني (من دون “الشعبية”) لاستقباله كرئيس، وهم وهو في الموقع ذاته، يؤدي إلى أن هناك شبه “تسليم” بالأمر الواقع.

ختاماً، أبو مازن هو أكثر الشخصيات الفلسطينية في مواقع القرار إدراكاً للواقع الفلسطيني. أي إنه عارف ومتيقّن من اضمحلال الفاعلية السياسية لدى كل القوى، وليس أمامه من منافس حالياً سوى «حماس» وهي خارج المنظمة، ومغضوب عليها عربياً ودولياً، على الأقل هكذا يظن، أما الفصائل في المنظّمة، فهو على ما جرت العادة منذ تأسيس المنظمة، وإنشاء الصندوق القومي، وتسيّد «فتح» لها، يدرك أن القرار بيده فقط. فالرجل التسعيني، يعرف أن كل المعارضات في الراهن، غير مؤثّرة على الإطلاق، وصداها لا يتجاوز المؤتمرات الصحافية والبيانات.

وانطلاقاً من ذلك، يجب العمل على تشكيل حالة معارضة فلسطينية قوية قادرة على المواجهة السياسية للسلطة الفلسطينية، على الأقل لوقف أو إبطاء الانحدار المتسارع نحو القعر.

قد يعجبك ايضا