محمود عباس يكرّس الانقسام ويعيد إنتاج خطاب الاحتلال

خاص – المساء برس|

بينما يواصل الاحتلال الإسرائيلي ارتكاب جرائم الإبادة في قطاع غزة، ويمعن في اجتياح الضفة الغربية وتفكيك ما تبقى من نسيجها الاجتماعي، يخرج الرئيس الفلسطيني محمود عباس – في كلمته أمام المجلس المركزي في رام الله – بخطاب يُعيد التأكيد على مواقفه المثيرة للجدل، التي باتت ترى من قبل كثيرين كامتداد مباشر لمطالب الاحتلال نفسه.

فبدلاً من توجيه البوصلة الوطنية نحو دعم المقاومة الشعبية والعسكرية في غزة والضفة، خصّص عباس جزءاً كبيراً من كلمته لمهاجمة حركة حماس، وتحميلها مسؤولية ما وصفه بـ”الضرر الذي أُلحق بالقضية الفلسطينية”، في تكرار ممل لخطاب يعكس افتقار السلطة لقراءة واقعية لمعادلة الصراع مع العدو.

ما أثار موجة غضب وانتقادات واسعة في الشارع الفلسطيني والعربي، هو دعوة عباس الصريحة لحماس إلى تسليم سلاحها والأسرى الإسرائيليين، بحجة “سد ذرائع الاحتلال” لشن حربه الوحشية على غزة. هذا الموقف، الذي لم يسمع حتى من كثير من العواصم الغربية المؤيدة لـ”إسرائيل”، يعكس مدى الارتهان السياسي لعباس لمنطق الاحتلال، وتبنّيه الكامل لشروطه في أي تسوية مستقبلية.

أخطر ما في خطاب عباس أنه لا يعكس فقط ضعفاً سياسياً، بل تبنّياً لرواية الاحتلال بشكل شبه كامل. فهو يتحدث عن “نكبة جديدة” يتعرض لها الفلسطينيون، لكنه يحمّل المسؤولية الأساسية لحركة المقاومة التي تتصدى فعلياً لهذه النكبة، ويطلب منها أن تتحول إلى “حزب سياسي” منزوع الدسم، يلتزم بـ”شرعية” باتت محل شك حتى داخل منظمة التحرير نفسها.

يطالب عباس بوقف الحرب، لكنه لا يدعو لتصعيد المقاومة؛ يطالب بتدفق المساعدات إلى غزة، لكنه لا يطالب بفتح المعابر بضغط إقليمي ودولي؛ يتحدث عن “الرؤية الشاملة”، لكن رؤيته تنطلق من نزع أدوات الردع من يد الشعب الفلسطيني، وتركه تحت رحمة الآلة العسكرية الإسرائيلية.

غزة اليوم تحترق تحت القصف، تقاوم بالمستحيل، وتكتب ملحمة في الصمود والتحدي، بينما يجلس عباس في رام الله، يتحدث عن “الشرعية الدولية” التي لم تعد لفلسطين شبراً واحداً، ولا حمت طفلاً ولا مسجداً من رصاص وجرافات الاحتلال.

ومع ذلك، يواصل الرجل انتقاده للمقاومة، وتمجيده لمسار “المفاوضات” الذي ثبت – بالوقائع لا بالشعارات – أنه طريق إلى الهاوية، لا إلى التحرير.

حديث عباس عن “ترتيب البيت الفلسطيني” يبدو في واقعه محاولة لإعادة إنتاج سلطة أوسلو، بوجه جديد أكثر خضوعاً. فالشرط الأول عنده هو الانضواء تحت مظلة منظمة التحرير كما يريدها هو، أي خالية من كل عناصر “المقاومة، خاضعة لاتفاقات ميتة، ورهينة لأموال المانحين وشروط واشنطن و”تل أبيب.

وبدل أن يسعى لتوحيد الصف الفلسطيني في مواجهة عدوان شامل، يستخدم المنابر الرسمية لتصفية الحسابات السياسية، وكأن المعركة الحقيقية في الضفة والقطاع ليست مع الاحتلال، بل مع من يرفض الانحناء.

وفي لحظة تاريخية تعيد فيها غزة تعريف معنى النضال، وتكسر فيها أسطورة الردع الصهيونية، يظهر عباس كرجل خارج الزمن، يكرر سردية مهترئة ترضي الاحتلال وتخذل شعبه. ومرة أخرى، تؤكد الوقائع أن مشروع “أوسلو” لم يعد فقط فاشلاً، بل بات أداة بيد العدو، وأن من يطالب بنزع سلاح غزة، يشارك فعلياً في مؤامرة تصفية القضية.

قد يعجبك ايضا