الرسائل المشفرة بين صنعاء وواشنطن وبكين

خاص – المساء برس| تحليل: يحيى محمد الشرفي|

في كلمة الرئيس اليمني في صنعاء، مهدي المشاط، خلال اجتماع استثنائي لمجلس الدفاع الوطني الأحد المنصرم، قال المشاط عبارات كان يُفهم منها بأنها قد تكون دعائية ومن باب الحرب النفسية التي تبرع صنعاء في ممارستها ضد الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي في المعركة الحالية.

المشاط تحدث عن فشل الردع الأمريكي، وفصّل بشكل أكبر في هذه النقطة وكشف بعض المعلومات التي أزعجت بقوة الولايات المتحدة ودفعتها لارتكاب مجازر إبادة بحق المدنيين اليمنيين كما حدث في مجزرة قصف سوق وحي فروة الشعبي وسط العاصمة صنعاء بعد ساعات على كلمة المشاط في تلك الليلة.

عموماً كان حديث المشاط عن فشل الردع الأمريكي مصحوباً بمعلومات مهمة تتعلق بالمعركة وتفضح ما صار عليه الواقع العسكري الأمريكي وكيف أحرقت صنعاء أوراق واشنطن التي كانت تزمجر بها أمام دول العالم وترعبها بها بما في ذلك الدول الكبرى كالصين وروسيا، ومن ذلك ما قاله المشاط عن اختراق الصواريخ اليمنية لمنظومة الاعتراض الكهرومغناطيسي التي تملكها الولايات المتحدة والتي استعانت بها “إسرائيل” لحمايتها من الصواريخ الباليستية والفرط صوتية اليمنية التي تضرب عمق الاحتلال، كما كشف المشاط عن أن القاذفات الشبحية الاستراتيجية (B2) ستكون محرّمة قريباً على الأجواء اليمنية، حيث قال “قريباً ستسمعون أخبارها إن شاء الله”، أما بخصوص حاملات الطائرات فقال المشاط إن العمليات اليمنية البحرية بالهجمات الصاروخية الباليستية المضادة للسفن والصواريخ المجنحة والطائرات المسيرة جعلتها خارج الخدمة فعلياً منذ الأيام الأولى للحملة العسكرية التي أعلنها ترمب ضد اليمن، وقال المشاط إن حاملة الطائرات ترومان في البحر الأحمر لم ينطلق منها هجمات ضد اليمن سوى مرة واحدة أو مرتين فقط وأن بقية الهجمات ضد اليمن كانت تنطلق من مناطق وأماكن أخرى ويتم رصدها، في دلالة على أن حاملة الطائرات ترومان أصبحت في وضع دفاعي تام وهو ما يجعلها فاقدة لمهمتها التي بُنيت من أجلها.

بعد ذلك وجه المشاط رسالة مشفرة للصين وروسيا، حيث قال إن عليها اليوم أن تمدد ولا تبالي بعد أن أفشل اليمن وأحرقوا أوراق أمريكا التي تستخدمها لفرض هيمنتها على دول العالم والمتمثلة بثلاثية (حاملات الطائرات، ومنظومة الاعتراض الكهرومغناطيسي، والقاذفات الشبحية الاستراتيجية)، وفُهم من هذه الرسالة أنها دعائية أو حرب نفسية ضد أمريكا ومغازلة للصين وروسيا أكثر من كونها كانت رسائل مشفرة لا يعرف تفاصيلها سوى صانعي القرار في واشنطن وصنعاء وبكين، هذه الرسائل ظلت مشفرة إلى أن نشرت مجلة الـ”فورين بوليسي” الأمريكية تقريراً كشفت فيه أن الهدف الرئيسي من الحملة الأمريكية بقيادة ترمب ضد اليمن هي توجيه التهديد للصين وتخويفها بطريقة غير مباشرة من خلال ردع صنعاء في البحر الأحمر على اعتبار أن الصين ستدرك أنها قد تواجه المصير ذاته إذا تطور الصراع بينها وبين أمريكا وخصوصاً ما يتعلق بتايوان.

عندما قال المشاط للصين وروسيا أن عليهما الآن أن يمددا ولا يباليان بأمريكا، كان يعرف أن أمريكا شنت الحرب على اليمن لتحقيق هدف استراتيجي بعيد كل البعد عن الشأن اليمني، ألا وهو “ردع الصين تجاه تايوان” وهذا ما كشفته الـ”فورين بوليسي” والتي نشرت تصريحاً لـ”أليسيو باتالانو، الخبير البحري في كلية كينغز كوليدج بلندن” والذي قال: “إذا كان الأمر يتعلق بحرية الملاحة، فحملة ترمب ضد اليمن غير مجدية لتحقيق هذا الهدف، إذ كيف يمكن دعم فكرة أن فرض الهيمنة الأمريكية في منطقة المحيطين الهندي والهادي هي الأولوية بالنسبة لواشنطن وفي نفس الوقت تقوم بسحب أهم العناصر بالغة الأهمية في معركة المحيطين الهندي والهادئ (القطع الحربية الأمريكية ومجموعاتها) وتقوم بسحبها من هناك وتأتي بها من أجل معركة في منطقة الشرق الأوسط؟”.

وأضاف باتالانو قائلاً: “البحرية الأمريكية بارعةٌ جدًا في ضرب الأهداف البرية. لكن النجاح العملياتي والتكتيكي لا يُخفي حقيقة أن التأثير الاستراتيجي لا يزال بعيد المنال، إن لم يكن مُحددًا تمامًا، فإذا كان الهدف من ضرب اليمن هو ردع القيادة الصينية تجاه تايوان، فأنا لست متأكدًا من أنها تفعل ذلك بالفعل وتحقق هذا الهدف”.

ترمب رجل مادي وصاحب استثمارات وتجارة ويفكر بعقلية التاجر لا بعقلية السياسي، ولهذا كان من غير المتوقع أن يشن حملة عسكرية ضد اليمن يتكبد فيها الشعب الأمريكي مبالغ مالية باهظة وينفق مليار دولار عليها في غضون 4 أسابيع أو أقل، وترمب أيضاً هو صاحب مبادئ (أمريكا أولاً) و(أمريكا ليست شرطي العالم) و(أمريكا لن تحارب نيابة عن أحد) وهذه كانت شعاراته في حملته الانتخابية، فلماذا إذاً سارع إلى شن حرب على اليمن ويجازف بكل هذه الأموال بهذه السرعة، ولماذا يخوض حرباً نيابة عن الاحتلال الإسرائيلي الذي تمنع صنعاء ملاحته البحرية في البحر الأحمر، أمريكا لا تمر من تجارتها في البحر الاحمر إلا ما نسبته 8% بينما دول أوروبا هي التي تمر من تجارتها 40% من البحر الأحمر وبالتالي إذا افترضنا أن الحظر الملاحي الذي فرضته اليمن على الملاحة الإسرائيلية سيؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على التجارة الأمريكية والأوروبية فإن الأولى بمن يفترض به أن يشن حملة ضد اليمن هي دول أوروبا وليس الولايات المتحدة!؟.

الإجابة على التساؤلات السابقة تكمن في نبش الرسائل النصية المتبادلة بين القيادات الأمريكية المشرفة على الحرب على اليمن داخل محادثات تطبيق “سيجنال” أو ما عُرف بـ”فضيحة محادثات سيجنال” التي أوقعت ترمب وإدارته والبنتاغون في مأزق وفضيحة بإدارتهم حرباً ضد بلد في الشرق الأوسط من على مجموعة تطبيق من تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي والذي كشفته مجلة “ذا أتلانتيك” الأمريكية حين تم إضافة رئيس تحرير المجلة لمجموعة المحادثة عن طريق الخطأ، فمن بين ما قاله وزير الدفاع الأمريكي بيت هيسغيث داخل المجموعة – وكان ذلك رداً على ملاحظات نائب الرئيس ترمب والذي لم يكن متحمساً لحرب ضد اليمن باعتبار أن أمريكا ليست متأثرة بشكل كبير بحظر صنعاء للملاحة في البحر الاحمر- وهنا رد وزير الدفاع بالقول: “الأمر لا يتعلق بالحوثيين . أرى الأمر من منظورين: 1) استعادة حرية الملاحة، وهي مصلحة وطنية جوهرية؛ و2) إعادة إرساء الردع الذي قوضه بايدن”.

خلاصة الأمر: أن واشنطن وتحديداً (ترمب) يخوضون صراعاً محموماً مع الصين التي بدأت بأخذ مكانة أمريكا لتكون صاحبة أقوى وأكبر اقتصاد في العالم، وقرار صنعاء باستئناف حظر الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر بعد استئناف الاحتلال فرض الحصار الخانق على قطاع غزة مثّل لترامب فرصة ذهبية لتوجيه رسائل تهديد وفرد عضلات أمام الصين، فقرر أن يصعّد في اليمن باعتباره الخصم الأضعف وإذا تمت هزيمة هذا الخصم الضعيف – وهو ما كان يعتقده ترمب – فإن الرسالة ستصل للصين وتفهم الأمر وترتدع من نفسها، وبهذا يكون ترمب قد استطاع ردع الصين من دون أن يدخل معها في صراع اقتصادي وتجاري أو حتى صراع عسكري الله أعلم كيف ستكون نتائجه، فهزيمة ترمب لليمن في موضوع الملاحة البحرية في البحر الأحمر ستكون بمثابة رسالة ردع للصين في الملاحة البحرية في منطقتي المحيطين الهندي والهادي فالعقيدة الأمريكية قائمة على فرض الهيمنة والسيطرة على الملاحة البحرية والبحار والمحيطات من أجل التحكم بالتجارة العالمية بما يُبقي أمريكا صاحبة أقوى وأكبر اقتصاد.

في هذا الشأن كان المشاط قد وجه رسالة مشفرة لترمب خلال كلمته أثناء ترؤسه اجتماع مجلس الدفاع الوطني الأحد الماضي، حيث قال المشاط: “ترمب اعتقد أن العدوان على اليمن ستكون مجرد نزهة”، وهو بذلك كان يريد توجيه رسالة لترمب بأن ما يعتبره الخصم الأضعف (اليمن) استطاع هزيمة أمريكا وإفشال وإحراق أوراقها التي ترهب بها الصين وروسيا، وبما أن أمريكا فشلت في اليمن وهي الدولة الأضعف مقارنة بخصوم أمريكا الآخرين، فهل ستتفوق على الخصوم الآخرين الأكثر قوة عسكرياً واقتصادياً؟!.

قد يعجبك ايضا