ماذا يعني أن تلجأ واشنطن لشراء مدمرات من كوريا الجنوبية في مواجهة الصعود البحري الصيني؟

خاص – المساء برس| تحليل: يحيى محمد الشرفي|

في خطوة غير مسبوقة تعكس عمق الأزمة الصناعية الدفاعية في الولايات المتحدة، تدرس واشنطن إبرام صفقة مع كوريا الجنوبية لشراء مدمرات بحرية متطورة من فئة “إيجيس”، وفقاً لتسريبات نشرتها “فاينانشيال تايمز” وموقع “Eurasiantimes”.

وحسب التسريبات فإن الشركة الكورية “هيونداي للصناعات الثقيلة” عرضت تزويد البحرية الأمريكية بما يصل إلى 5 مدمرات سنوياً بمواصفات تضاهي المدمرات الأمريكية من طراز “أرلي بيرك”.

وتتمثل أسباب الخطوة الأمريكية هذه رغم ما فيها من فضيحة للصناعة الحربية الأمريكية والقدرات العسكرية لأمريكا خاصة في ظل حربها التي تستنزف بحريتها في اليمن، تتمثل هذه الأسباب في تسارع الانهيار في قدرات بناء السفن الحربية داخل الولايات المتحدة، نتيجة نقص العمالة الماهرة وتقادم البنية التحتية، إضافة إلى ضعف حصة أمريكا في سوق بناء السفن العالمية (0.13%) مقارنة بالصين (46.59%) وكوريا الجنوبية (29.24%)، وأيضاً ارتفاع تكاليف الإنتاج الأمريكية مقارنةً بكفاءة التصنيع في شرق آسيا وانخفاض التكلفة، وكذلك تأخيرات صيانة تصل إلى 20 عاماً أدت إلى خروج سفن كانت صالحة للخدمة، بالإضافة لأخطاء تصميم كارثية في مشاريع سابقة مثل سفن “زوموالت” و”LCS”.

وتعتبر الصين هي التحدي البحري الأكبر للولايات المتحدة الأمريكية لأسباب عديدة من أبرزها وأهمها، أن أسطولها من السفن الحربية تجاوز الأسطول الأمريكي عدداً (234 مقابل 219 سفينة)، إضافة إلى أن الصين تتجه للوصول إلى 395 سفينة بحلول نهاية 2025 و435 بحلول 2030، وأيضاً للصين في صناعة السفن الحربية قدرات نوعية متقدمة: فهي لديها حاملة الطائرات “فوجيان”، والمدمرات 055، كما تملك أيضاً غواصات نووية متطورة، بالإضافة إلى تميز الصناعة الحربية البحرية الصينية بخاصة الاندماج المدني – العسكري والذي يعزز إنتاجيتها وسرعة تعويض الخسائر.

أما عن سبب اختيار واشنطن لكوريا الجنوبية كخيار مؤقت لتلافي كارثة انهيار الصناعة الحربية البحرية الأمريكية، فيرى مراقبون أمريكيون بأن كوريا الجنوبية تمتلك قدرة تصنيعية عالية وتاريخاً في بناء سفن للبحرية الكورية، كما أن عرض “هيونداي” مدعوم بمذكرة تفاهم مع شركة دفاع أمريكية، على الرغم من أن هذا التعاون يثير مخاوف استراتيجية لدى واشنطن بشأن نقل التكنولوجيا وفقدان السيادة الصناعية الأمريكية.

تحولات جيوسياسية خطيرة

الكشف عن لجوء واشنطن لتعويض خسائرها في الصناعة الحربية (البحرية) إلى دول أخرى منافسة مؤشر خطير على حقيقة أن هناك تحولات جيوسياسية خطيرة تشهدها الولايات المتحدة الأمريكية رغم محاولات واشنطن إنكار هذه التحولات لأنها تمس بهيمنتها وسيطرتها على العالم، وهذه الخطوة الأخيرة المتعلقة باللجوء لكوريا الجنوبية لصناعة سفن حربية لأمريكا يعكس فقدان الثقة لدى واشنطن بالقدرة الذاتية وتراجع دورها كمهيمن بحري عالمي.

كما أن التوسع البحري الصيني يعزز طموحات بكين الإقليمية ويفرض تحديات على الردع الأمريكي في المحيط الهادي وتايوان، إضافة إلى حقيقة أن الصين قادرة على إنتاج سفن جديدة بسرعة تفوق قدرة أمريكا على تعويض خسائرها.

فشل ترمب

في فبراير الماضي أطلق الرئيس الأمريكي ما أسماها مبادرة “إعادة بناء السفن الأمريكية”، وتشمل المبادرة حوافز ضريبية وصندوقاً خاصاً للأمن البحري، لكنها تواجه تحديات لوجستية ومالية كبيرة، وهذه التحديات ازدادت بشكل أكبر مع ارتكاب ترمب خطأ كبيراً باتخاذه قرار شن الحرب على اليمن، ففي الوقت الذي كان يعتقد أن الحرب ستكون مجرد نزهة للبحرية الأمريكية تفاجأ بأن البحرية الأمريكية بدأت تستنزف أسطولها الحربي بما في ذلك الذخائر بشكل متسارع مع استمرار الجبهة اليمنية المساندة لغزة، وبالتالي فإن تسارع احتياج السفن الحربية للصيانة يرتفع وأعدادها ترتفع في الوقت الذي يفترض فيه تخفيض هذا العدد كي يتسنى لواشنطن إصلاح السفن السابقة وترميم أحواض بناء السفن وتوسيعها لبناء السفن الجديدة.

وبالمحصلة فإن الولايات المتحدة اليوم تواجه تحدياً وجودياً في سباق التفوق البحري. فاللجوء إلى كوريا الجنوبية لحل أزمة السفن الحربية يكشف هشاشة البنية الصناعية الأمريكية بالتزامن مع تسارع إهلاك عدد كبير من السفن الحربية في البحر الأحمر، في مقابل صعود صيني مدروس واستراتيجي، ففيما تمضي بكين بخطة طويلة الأمد مدعومة بإمكانات هائلة، تبقى واشنطن أمام خيارين: إما إعادة بناء قاعدتها الصناعية من الصفر، أو الاكتفاء بدور دفاعي هش في وجه عملاق بحري يتجه لفرض قواعده في المحيطات.

قد يعجبك ايضا