اليمن يقلب موازين الهيمنة وواشنطن تحت ضغط بحري غير مسبوق
صنعاء – المساء برس|
بات واضحًا، كما تقر بذلك الأوساط العسكرية الأمريكية نفسها، أن العمليات اليمنية في البحر الأحمر لم تعد محض تهديدات عرضية، بل تحوّلت إلى معضلة استراتيجية تقوّض قدرة الولايات المتحدة على الانتشار العسكري السريع، وتربك خطوط إمدادها اللوجستية في مسارح العمليات الممتدة من الشرق الأوسط إلى أوروبا والمحيطين الهندي والهادئ.
في تقرير لافت للانتباه نشر في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أمس الاثنين، أقرّ المقدم في القوات الجوية الأمريكية، جيمس إي. شيبارد، بأن العمليات اليمنية البحرية “تشكل تهديدًا مباشرًا للمصالح الوطنية الجوهرية للولايات المتحدة”، مشيرًا إلى أن قدرة من وصفهم بـ”الحوثيين” على شلّ أحد أهم الممرات البحرية عالميًا — البحر الأحمر وباب المندب — باتت واقعًا لا يمكن تجاهله.
ورغم الحملة الأمريكية التي أطلقها الرئيس ترامب في مارس 2025، والمستمرة حتى اليوم، ضد ما أسماه التقرير “القيادات ومراكز السيطرة والبنية التحتية للحوثيين”، فإن النتائج الميدانية أظهرت فشلًا في كسر قدرة صنعاء على الاستمرار في عملياتها الدقيقة ضد السفن التجارية والعسكرية الداعمة للعدوان على غزة.
ويؤكد التقرير أن الولايات المتحدة باتت عاجزة عن تأمين مرور إمداداتها العسكرية عبر البحر الأحمر، إذ يعتمد البنتاغون على الشحن التجاري لنقل 80% من احتياجاته الدفاعية، ما يجعل ضربات الحوثيين بمثابة “كش ملك” في لعبة الصراع العسكري واللوجستي.
لم يقتصر تأثير عمليات المقاومة اليمنية على واشنطن وحدها، بل امتد إلى الحلفاء، إذ اضطر العديد من ناقلات الشحن للالتفاف حول رأس الرجاء الصالح، ما يزيد من زمن الرحلة والتكلفة، في ظل عجز القوات البحرية الأمريكية عن حماية حتى السفن المصحوبة بمرافقة. وتتحول هذه الضربات اليومية إلى كابوس استراتيجي يهدد مرونة عمليات النشر العسكري الأمريكي ويجعل من الصعب على واشنطن تنفيذ تحركاتها التكتيكية في أي صراع مستقبلي.
وبحسب ما ورد في التقرير، فإن الدعم الإيراني والخبرة المتراكمة لدى قوات أنصار الله، مكنتهم من امتلاك منظومات متقدمة من الطائرات المسيّرة، وصواريخ كروز، والقدرة على استهداف السفن في عرض البحر بدقة عالية، مما جعل القوات الأمريكية تدور في دوامة البحث عن “طرق بديلة” وخيارات مكلفة جدًا، كالممر البري بين الإمارات و”إسرائيل” أو مشروع TAN الأمريكي.
لا يخطئ المراقبون حين يرون أن صنعاء باتت تمسك بخناق واحد من أهم الممرات العالمية، لا كوسيلة “إزعاج”، بل كأداة تكتيكية لفرض توازن الردع أمام الهيمنة الغربية، دفاعًا عن الشعب الفلسطيني أولًا، وكرد مباشر على العدوان الأمريكي على اليمن.
بل وأكثر من ذلك، فإن التقرير الأمريكي ذاته يلمّح إلى عدم قدرة واشنطن على التكيف السريع مع هذا التحدي الجديد، في ظل تعقيدات لوجستية وسياسية وقانونية تمنع إنشاء بدائل فاعلة في الوقت الراهن.