فضائح التسريبات عن الحرب على اليمن تكشف المستور في واشنطن
محمد بن عامر – المساء برس|
في مشهد يجسد تناقضات الإدارة الأمريكية بين ادعاءات “الاستخبارات الأكثر تطوراً” وواقع الفوضى المُؤسسية التي تنخر في جسدها، عادت واشنطن لتقدم فصلاً جديداً من سلسلة إخفاقاتها في اليمن، هذه المرة عبر فضيحة تسريبات عسكرية، تكشف أن قياداتها تدير حرباً دموية بـ”عقلية الدردشة العابرة”، وتُسرب أسرارها العسكرية في مجموعات عائلية على تطبيق سيجنال.
وفقاً لتقرير استقصائي نشرته صحيفة نيويورك تايمز، اعتماداً على مصادر داخلية وصفَتْها بـ”المطلعة”، كشفت الشبكة الأمريكية عن قيام وزير الدفاع بيت هيغسيث – للمرة الثانية خلال شهر واحد – بمشاركة خطط عسكرية سرية تتعلق بالعمليات الأمريكية ضد من أسمتهم بـ”الحوثيين” في اليمن، عبر مجموعة غير مشفرة على تطبيق “Signal”، حملت اسم “مجموعة الدفاع”، ضمت – بشكلٍ صادم – زوجته، وشقيقه الذي يعمل وسيطًا بين البنتاغون ومجلس الأمن القومي، ومحاميه الشخصي الذي منحه لاحقاً منصباً في البحرية الأمريكية.
التفاصيل المسربة هذه المرة لم تكن عادية؛ إذ تضمنت جداول زمنية دقيقة لضربات مُزمعة، ما يدفع للتساؤل عن مدى مصداقية آليات اتخاذ القرار في البنتاغون، وكيف تعامل المعلومات التي قد تُكلف آلاف الأرواح على أنها محادثة عائلية؟!
لماذا الفضيحة الثانية أخطر؟
التكرار يُعرّي منهجية الفشل، وبما أن هذه المرة هي الثانية فإن ذلك يؤكد أن الأمر ليس خطأً فرديًا، بل ثقافة مؤسسية مريضة.
وعلاوة على ذلك، فإن الاخفاقات الأمريكية والصفعات اليمنية التي ضربت فخر صناعة واشنطن العسكرية إلى جانب فضائح التسريبات تكرس صورة الجيش الأمريكي كـ”عملاق أقدامه من ثلج”، عاجز عن حماية أسراره، فكيف بأسلحته؟!
الاستهتار الأمريكي لا يقتصر على التسريبات، بل يتجلى في المنطق الذي تدار به الحرب نفسها، وبالتالي فإن تكرار الإخفاقات دون محاسبة – رغم الدعوات لإعفاء هيغسيث – يظهر انعدام الآليات الرقابية، بل ويشير إلى أن الفوضى جزء من لعبة السلطة في واشنطن.
التسريبات المتتالية بقدر ما تعري الفشل المهني التقني تكشف أزمة وجودية في الإدارة الأمريكية و العجز عن التكيف مع متغيرات الحروب الحديثة، والاستمرار في نهج “الاستعلاء” الذي حوّل البنتاغون إلى ماكينة للفشل الأخلاقي والعسكري.
إذا كانت واشنطن غير قادرة على حماية أسرار حروبها، فكيف ستكون قادرة على حسم حرب خسرت فيها – حتى الآن – 26 طائرة، ومئات المليارات، والأهم: مصداقيتها العالمية؟