نتنياهو في متاهة غزة.. خطاب “عدم الخضوع” يكشف هروباً من الاعتراف بالفشل
فلسطين المحتلة – المساء برس|
تتزايد المؤشرات في الداخل الإسرائيلي على أن رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، لم يعد قادراً على تسويق “النصر” في غزة حتى لمؤيديه، مع تآكل ثقة المؤسسة الأمنية والسياسية بمسار الحرب، وغياب أي استراتيجية للخروج، بينما تواصل المقاومة الفلسطينية فرض معادلاتها على الأرض.
في مقابلة مع القناة 12، قال رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الأسبق عاموس مالكا إن نتنياهو “خائف”، ولم يعد يتحدث عن “النصر المطلق” كما كان يفعل في الشهور الأولى من الحرب، بل كرر عبارة “عدم الخضوع” سبع مرات في خطابه الأخير، في محاولة واضحة – كما وصفها مالكا – لـ”تبديل الخدعة”، من نصر كامل إلى مجرد البقاء في الصورة السياسية.
ما اعتبره نتنياهو استعراضاً للثبات، قرأه قادة عسكريون سابقون كإشارة إلى أزمة قيادة حقيقية. المتحدث السابق باسم الجيش الإسرائيلي، آفي بنياهو، قال “إن الحكومة “تراوح مكانها في غزة”، من دون خطة أو نقاش حول اليوم “التالي، بل ومع رفض نتنياهو لأي مبادرة جدية يمكن أن تفضي إلى حل أو وقف للقتال.
هذا التوصيف ينسجم مع ما قاله محلل الشؤون السياسية في صحيفة “معاريف” بن كسبيت، الذي وصف تصريحات نتنياهو الأخيرة بأنها “فارغة”، واتهمه بأنه “أوقع إسرائيل في الفخ مرة أخرى”، وأنه يحاول فقط “تسخين معكرونة النصر الباردة”، في استعارة ساخرة توضح أن رئيس الحكومة لا يملك شيئاً جديداً يقدمه، سوى اللعب على الحافة لتأجيل لحظة الحقيقة السياسية.
المأزق لا يقف عند حدود السياسة، بل يمتد إلى الميدان. ففي مقال تحليلي للخبير العسكري آفي أشكنازي نشرته “معاريف”، أكد أن حركة حماس تمكنت من تحويل دونيتها العسكرية إلى أفضلية تكتيكية، حيث تستخدم الكمائن، والأنفاق، والاشتباك المتنقل لاستنزاف الجيش الإسرائيلي، الذي يعاني أساساً من محدودية الكثافة القتالية في غزة، وصعوبة تنفيذ خطط فعالة مع الحفاظ على حياة الجنود.
وصف أشكنازي المعركة الجارية بأنها “هشة”، وأن “القتال على الأرض يزداد تعقيداً مع مرور الوقت”، بينما أشار إلى أن فكرة “استبدال حماس” هي مجرد وهم دعائي. وفي هذا السياق، أضاف الخبير بالشأن الفلسطيني، ألون أبيتار، أن الضغوط الاقتصادية والإنسانية على غزة لم ولن تسقط حماس، وأن “الاعتقاد بأن الناس في جباليا أو الشجاعية سيخرجون ويبدلون قيادتهم هو تفكير ينتمي إلى عالم الوهم الغربي”.
وبعد نحو عام ونصف من الحرب، لم تتم استعادة الأسرى الإسرائيليين، ولم يتم القضاء على حماس، ولم تعد سيطرة الاحتلال على غزة، بل بالعكس، تعززت سلطة المقاومة، وازدادت تعقيدات الحرب التي دخلت في حالة استنزاف مفتوحة.
وعلى الرغم من هذا الفشل المتراكم، يصر نتنياهو على مواصلة الحرب بلا أفق، وبلا خطة “لليوم التالي”، وسط رفضه لأي حلول سياسية، حتى تلك التي تأتي من أقرب الحلفاء مثل واشنطن، كما أكد مقربون من دوائر التفاوض.
ويعد الانتقال من “النصر المطلق” إلى تكرار عبارة “عدم الخضوع” ليس موقف قوة، وفق مراقبين، بل إعلان خفي عن العجز، حيث يحاول اللعب بالكلمات لتغطية فراغ القرار وفشل المسار، بينما تنزف “إسرائيل” سياسياً وميدانياً واقتصادياً تحت قيادة تصر على البقاء حتى لو احترق المعبد.
وفي الوقت الذي تبحث فيه المؤسسة الأمنية عن مخرج، وتحتدم فيه أصوات الاحتجاجات، يواصل نتنياهو جرّ كيان الاحتلال نحو حرب طويلة، قد تنتهي بخسارة ليست فقط في غزة، بل في ثقة الجمهور بالدولة ومشروعها برمته، كما يقول محللون.