واشنطن تتهم بكين بدعم صنعاء.. اعتراف جديد بعجز أمريكي وفشل استخباراتي في كبح تأثير اليمن بالبحر الأحمر
خاص – المساء برس| تحليل: يحيى محمد الشرفي|
في أحدث إقرار أمريكي غير مباشر بتغير المعادلة في البحر الأحمر لصالح صنعاء، كشفت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية في تقرير رصده وترجمه “المساء برس” أن واشنطن تتهم شركة صينية بتقديم دعم استخباراتي متطور لجماعة أنصار الله في اليمن، عبر صور أقمار صناعية دقيقة، تُستخدم في استهداف السفن الأمريكية والدولية.
صدمة استخباراتية أمريكية.. واللوم يُلقى على الصين
بحسب الصحيفة، فإن الولايات المتحدة وجهت تحذيرات متكررة للحكومة الصينية بسبب ما وصفته بـ”دور شركة تشانغ قوانغ لتكنولوجيا الأقمار الصناعية” (CGSTL) في “تسهيل عمليات الحوثيين البحرية”. إلا أن الصين تجاهلت هذه التحذيرات، ما وصفته واشنطن بأنه “دليل على زيف خطاب بكين حول دعم السلام”، في تناقضٍ صارخ مع الخطاب الأمريكي الذي يزعم أن ضرباته الجوية تكفي لردع أنصار الله.
لكن خلف هذا التصعيد الدبلوماسي، تكشف اعترافات واشنطن نفسها بفشل استراتيجيتها العسكرية والاستخباراتية. فبمجرد حديثها عن “القلق من صور الأقمار الصناعية”، تكون قد أقرت أن استهداف القوات اليمنية للسفن في البحر الأحمر يتم بدقة عالية وفاعلية، وأن محاولات واشنطن لمنع ذلك لم تحقق أهدافها.
عمليات الجيش اليمني تفرض واقعًا بحريًا جديدًا
وتأتي هذه التطورات في ظل تصعيد غير مسبوق في قدرات صنعاء على التأثير في الممرات البحرية الدولية، حيث فرضت العمليات اليمنية تغييرات جذرية في حركة التجارة العالمية:
أكثر من 17 شهرًا من التعطيل البحري، وفق تقارير صهيونية وأمريكية.
تحوّل 90% من السفن التجارية من البحر الأحمر إلى رأس الرجاء الصالح، ما تسبب في ارتفاع تكاليف الشحن بنسبة تصل إلى 300%.
فشل القوات الأمريكية في حماية أكثر من 40 سفينة تابعة لحلفائها رغم عشرات الضربات الجوية ضد صنعاء.
هذا التغيير الجذري لم يكن ليحدث لولا التطور النوعي في القدرات اليمنية من حيث الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية البحرية، ما يؤكد أن التهديد ليس مجرد “اضطراب مؤقت”، بل تحوّل استراتيجي في موازين القوة البحرية في المنطقة.
التناقضات في الرواية الغربية.. اعترافات ضمنية بالهزيمة
رغم الإنفاق الأمريكي الضخم على ما يعرف بـ”عملية الفارس الخشن”، التي أطلقها الرئيس الأمريكي ترامب منتصف مارس الماضي والتي بلغت تكلفتها مع تكلفة عملية بايدن التي استمرت عاماً كاملاً أكثر من 4 مليارات دولار منذ ديسمبر 2023، وفق تقارير رسمية، إلا أن حديث واشنطن عن مخاوف من صور أقمار صناعية يكشف أن كل هذه الضربات لم تحقق أهدافها.
التقرير البريطاني يقول أن البيت الأبيض يُحمّل شركة CGSTL الصينية المسؤولية، لكنه يتغاضى عن حقيقة أن القوات الأمريكية، بما لديها من قواعد وأساطيل في المنطقة، عجزت عن تحييد قدرات أنصار الله.
الصين على خط النار.. لكن الأزمة داخلية أمريكية
وفي حين تسعى واشنطن لتحويل الأنظار نحو بكين، متهمة إياها بالدعم غير المباشر لصنعاء، فإن أصل الأزمة يكمن في الفشل العسكري والاستخباراتي الأمريكي، لا في الأقمار الصينية. وحتى لو زُودت صنعاء بصور فضائية، فإن قدرة القوات المسلحة اليمنية على ترجمة تلك البيانات إلى عمليات دقيقة تعني وجود بنية استخباراتية وميدانية متقدمة داخل اليمن نفسه.
واللافت أن شركة CGSTL سبق أن وُضعت على القائمة السوداء الأمريكية عام 2023 لدورها في دعم “فاغنر” الروسية، وهو ما يعني أن وجودها تحت الرادار الأمريكي لم يمنعها من مواصلة أنشطتها في دعم أطراف تعارض الهيمنة الغربية.
قراءة يمنية: اعتراف لا يُعلن.. وانتصار لا يُنكر
إن تقرير فاينانشيال تايمز، رغم نبرته الهجومية على الصين، يُشكل وثيقة اعتراف ضمنية بنجاح المعادلة اليمنية في تحقيق ما يلي:
فرض تهديد استراتيجي دائم على تحالفات الغرب.
استنزاف القدرات الأمريكية بلا نتائج ميدانية تُذكر.
تحويل البحر الأحمر من بحيرة آمنة ومستباحة من قبل الغرب إلى ساحة مواجهة مفتوحة ومحرمة على العربدة الغربية العسكرية.
كما أن محاولة واشنطن الزج بالصين وإيران في هذا السياق، تكشف إرباكًا أمريكيًا داخليًا في تحديد مصادر التهديد الحقيقية، وتعكس حجم الفشل في التعامل مع قوة يمنية محلية اكتسبت بقدراتها موقعًا إقليميًا مؤثرًا تخجل واشنطن الاعتراف أنها هُزمت على يدها.
العمليات اليمنية تكتب فصلاً جديدًا في الجغرافيا السياسية
وفي ظل هذه التطورات، لم تعد صنعاء مجرد طرف “مارق” في نظر واشنطن، بل أصبحت لاعبًا إقليميًا يعيد رسم خطوط الملاحة والسيادة. والولايات المتحدة، في سعيها لإلقاء اللوم على بكين، تُقر بأن الحرب لم تعد تدار بالقوة العسكرية فقط، بل بصمود الإرادة، وتكامل العمل الاستخباراتي، والسيادة على القرار.