إيران تفاوض وواشنطن تناور.. مفاوضات عُمان تكشف ازدواجية السياسة الأميركية
طهران – المساء برس|
في ظل التصعيد الإقليمي وتزايد التوترات العالمية، تبدو الجولة الثانية من المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة، التي يرتقب أن تعقد برعاية عمانية، أشبه بلعبة دبلوماسية تقودها واشنطن، لا بحثاً عن حلول بقدر ما هي محاولة للضغط لتمرير استراتيجياتها المزدوجة تجاه طهران والمنطقة.
وزير الخارجية الإيراني عباس عراقتشي، أوضح من موسكو، اليوم الخميس، أن بلاده ما زالت تنتظر قرار الطرف العماني حول مكان انعقاد الجولة المقبلة من المباحثات، ما يشير إلى أن إيران منفتحة على التفاوض، لكن بشروط واضحة ومحددة، أبرزها التركيز على الملف النووي ورفع العقوبات “الظالمة”، حسب وصف المتحدث باسم الخارجية الإيرانية.
منذ انطلاق الجولة الأولى من المحادثات في العاصمة العمانية، حرصت إيران على إرسال إشارات جدّية حول رغبتها في التوصل إلى تفاهمات تحفظ كرامتها الوطنية ومصالحها الإقليمية. في المقابل، تواصل الولايات المتحدة التصعيد عبر إبقاء العقوبات على طهران، وتوسيع وجودها العسكري في المنطقة، ناهيك عن دعمها اللامحدود للعدوان الإسرائيلي على غزة، ما يكشف بوضوح عن تناقض فادح بين خطابها السياسي وممارساتها على الأرض.
فبينما تدّعي إدارة ترامب السعي لحلول دبلوماسية، ترفض في الوقت ذاته تقديم أي ضمانات حقيقية بشأن رفع العقوبات، بل وتبني على سياستها العقابية نفسها، في استمرار لمنهجية الضغط القصوى وإن تغيّر الغلاف الدبلوماسي.
في موازاة هذه المفاوضات، برزت زيارة عراقتشي إلى موسكو، حيث أكد أن رسالة المرشد الإيراني السيد علي خامنئي إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تتناول قضايا دولية وثنائية وإقليمية، منها الحرب في أوكرانيا والوضع في غزة، في دلالة على تعميق التحالفات الإستراتيجية بين طهران وموسكو.
هذه الرسالة السياسية تمثّل أيضاً رداً غير مباشر على النهج الأميركي، حيث تتقاطع مصالح إيران مع قوى كبرى تعارض الهيمنة الغربية، وتسعى إلى بناء توازنات جديدة في النظام الدولي، بعيداً عن القطب الواحد الذي تمثّله الولايات المتحدة.
وأكثر ما يفضح ازدواجية الموقف الأميركي هو الموقف من العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة. فبينما تتفاوض واشنطن مع طهران على طاولة عمان بشأن الملف النووي، ترعى في الوقت ذاته آلة القتل الإسرائيلية التي تفتك بالمدنيين، وتستهدف البنية التحتية الطبية والإنسانية في غزة، بدعم مالي وعسكري أميركي مفتوح.
هذا التناقض يضعف مصداقية الولايات المتحدة كطرف تفاوضي، ويعزز الشكوك الإيرانية ـ بل والشرق أوسطية عموماً ـ في نوايا واشنطن الحقيقية، التي لطالما استخدمت المفاوضات كأداة ضغط وليس كوسيلة حل.
المفاوضات النووية بين إيران وأميركا، وإن استؤنفت، تظل محكومة بتوازن هش، تغذّيه واشنطن بازدواجية صارخة بين خطاب دبلوماسي ناعم، وسلوك عدواني لا يختلف عن نهج الإدارات السابقة. وإزاء هذه المعادلة، تبدو إيران مصمّمة على التفاوض من موقع قوة، دون تنازل عن ثوابتها، وبدعم من حلفاء إقليميين ودوليين يسعون لتقويض التفرد الأميركي وخلق نظام عالمي أكثر توازناً، والكرة الآن في ملعب واشنطن، فإما أن تثبت جديّتها، أو أن تواصل الغرق في مستنقع سياساتها المتناقضة.