كيان الاحتلال الإسرائيلي على شفا الانهيار الداخلي (تحليل)

خاص – المساء برس| تحليل: يحيى محمد الشرفي|

“إسرائيل” لم تعد كما كانت. الكيان الذي طالما تغنّى بـ”تفوّق جيشه” و”تماسك مجتمعه” يعيش اليوم واحدة من أسوأ أزماته البنيوية منذ تأسيسه عام 1948. لم تعد القضية تتعلق بحرب على غزة فقط، بل بانكشاف عميق في جبهته الداخلية، وانهيار غير مسبوق في ثقة المستوطنين بقيادتهم، وشرخ متنام داخل أجهزته العسكرية والأمنية.

غزة: نقطة التحوّل الكبرى

منذ اندلاع الحرب الأخيرة على قطاع غزة، يعيش الكيان المحتل استنزافًا يوميًا نفسيًا وعسكريًا واقتصاديًا وسياسيًا. المقاومة الفلسطينية استطاعت رغم الفارق الكبير في الإمكانات أن تحوّل هذه الحرب من “معركة حسم” إلى معركة كرامة وبقاء”، بل إنها فرضت شروطها ومعادلاتها الجديدة على الاحتلال، ونجحت في تحويل إطالة أمد المعركة الذي كان يريده نتنياهو للبقاء في السلطة إلى عبء استراتيجي عليه وعلى حكومته.

من الجبهة إلى الداخل: الانفجار الكبير

التحولات الأكثر دراماتيكية وقعت في الداخل الإسرائيلي، حيث يبدو أننا نشهد بداية الانفجار من قلب المؤسسة التي طالما شكلت “عمود الخيمة”: الجيش.

فأكثر من 5000 عسكري وضابط سابق في وحدات النخبة وألوية المشاة والاحتياط وقّعوا على عرائض تطالب بوقف الحرب مقابل إعادة الأسرى، وهو تطور غير مسبوق في تاريخ المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، لتتوالى بعد ذلك التوقيعات من مختلف أطراف ونخب مجتمع الاحتلال وتصل في غضون ساعات قليلة إلى أكثر من 100 ألف توقيع.

انهيار الثقة بالحكومة تجلّى في تصريحات مسؤولين كبار، من بينهم رئيس شعبة العمليات السابق، الذي قالها صراحة: “الجيش لم يعد يثق بحرب لا يعرف أهدافها، والجنود سئموا الشعارات الجوفاء”.

والنخبة الأكاديمية والثقافية والطبية في إسرائيل خرجت عن صمتها، مع توقيع أكثر من 10 آلاف شخص على مطالبات بوقف الحرب، حتى وإن كان الثمن سياسياً باهظاً.

مؤشرات الانهيار الداخلي

من خلال التطورات الأخيرة داخل كيان الاحتلال الإسرائيلي يتضح أن هناك عدد من المؤشرات يمكن قراءتها على أنها مقدمة لحدوث انهيار داخلي:

1- العصيان العسكري الصامت: وهو أخطر ما يمكن أن تواجهه دولة قائمة على القوة العسكرية. حين ترفض قوات النخبة القتال، تصبح السلطة السياسية عارية من أدوات الإخضاع.

2- تصدّع “العقد الاجتماعي” داخل المجتمع الإسرائيلي. العائلات تطالب بأبنائها، والنخب تطالب بقيادة جديدة، والشارع في حالة غليان. الشرعية السياسية لنتنياهو تتآكل يومًا بعد يوم.

3- التوازن النفسي المفقود: صفارات الإنذار لا تتوقف، من اليمن إلى غزة إلى لبنان، حتى “العمق الإسرائيلي” لم يعد آمنًا. الهروب الجماعي إلى الملاجئ بات جزءًا من الحياة اليومية.

4- انكشاف الجيش أمام المقاومة: رغم الدعم الأمريكي والضربات المتواصلة، لم ينجح الاحتلال في كسر شوكة المقاومة أو استعادة أسراه، بل وجد نفسه في ورطة أخلاقية أمام جمهوره الذي بدأ يتساءل: “لماذا نموت من أجل حكومة فاسدة؟”.

كيان في مفترق طرق

هذه التحولات لم تعد مجرد احتجاجات، بل مقدمات لانهيار داخلي محتمل. فما تسمى “إسرائيل” اليوم تبدو وكأنها تعيد إنتاج سيناريو جنوب أفريقيا قبيل سقوط نظام الأبارتهايد، أو مرحلة أفول الاتحاد السوفيتي.

الأخطر أن هذا الانهيار يحدث في وقت تشتد فيه التهديدات الإقليمية، من اليمن وغزة ولبنان إلى إيران، بالتزامن أيضاً مع تفاقم عزلتها الدولية، وتراجع الغطاء السياسي في الغرب.

المقاومة تنتصر

ما تحققه المقاومة الفلسطينية اليوم ليس فقط نجاحاً عسكرياً، بل انتصارًا في الوعي. لقد كشفت للعالم هشاشة الكيان المدجج بالسلاح، وأظهرت أن الشعوب حين تصمد، تستطيع أن تهزّ أركان الظلم، ولو بعد حين مهما كانت الأثمان والنتائج.

والواقع الجديد الذي يعيشه كيان الاحتلال هو نتاج تراكمي لفشل مشروعه القائم على القمع والاستيطان والإنكار. فغزة كانت الشرارة، لكن الانفجار الحقيقي قادم من الداخل، من مجموعات استيطانية لم تعد ترى في قيادتها منقذًا، ومن جيش بدأ يفقد وظيفته العملياتية، فهل بدأت مرحلة ما بعد إسرائيل؟.

قد يعجبك ايضا