بين مبدأ المساواة وقرشية الولاية: دفاعاً عن الوحدة الإسلامية وضرورة المرجعية الشرعية

ق. حسين  المهدي – وما يسطرون|

قرأتُ تغريدةً حول مبدأ المساواة، وأنا شخصياً أَحْتَرِمُ مبدأ “المساواة في الحقوق والواجبات”؛ لأنه مبدأٌ إسلاميٌّ وإنسانيٌّ. غير أنَّ تحريكَه لتحقيق هدفٍ سياسيٍّ في مثل هذه الظروف، التي يقفُ فيها أنصارُ اللهِ وأحرارُ الشعبِ اليمنيِّ صَفّاً واحداً خَلْفَ قائدِ المسيرةِ القرآنيةِ لنُصرةِ شعبِ فلسطينَ، يُجاهدونَ في سبيلِ اللهِ ولا يخافونَ لومةَ لائمٍ، قد يُنظَرُ إليه بأنَّ وراءَه هدفٌ لـ”شَقِّ عصا اليمنيين” والتحريضِ على أنصارِ اللهِ، بما يَخْدُمُ الصهيونيةَ التي تَعْتدي على شعبِ فلسطينَ وشعبِ اليمنِ. فالصهيونيةُ اليهوديةُ هي المستفيدُ الوحيدُ، وهو أمرٌ لا نُحِبُّ أن يَقَعَ فيه كاتبُ هذه التغريدةِ، ولا أيُّ كاتبٍ يمنيٍّ أو إسلاميٍّ؛ لأن ذلك يَسِيءُ إليه وإلى “يمن الإيمان والحكمة”، خصوصاً إذا وُصِمَتْ به طائفةٌ لم يكن في حُسْبانِها ذلك. والقرآنُ يرشدُنا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6].
والأخْطَرُ مِن ذلك هو الحديثُ الذي يُعبِّرُ عن وجودِ تناقضٍ بين أهلِ البيتِ في اليمن وغيرِهم مِن اليمنيينَ، فهذا في الواقعِ العمليِّ لا يقومُ على أساسٍ صحيحٍ، فالكلُّ أسرةٌ واحدةٌ، وأمةٌ واحدةٌ.
أما بالنسبةِ للموروثِ السياسيِّ حولَ الولايةِ، فإنَّهُ – كما يعرفُ كاتبُ التغريدةِ – أنَّ موضوعَ قُرَشِيَّةِ الخلافةِ والولايةِ، الذي أَوْضَحَتْهُ صِحاحُ الأحاديثِ عند أهل السنة والجماعة: “الأئمةُ مِن قُرَيْشٍ”، والذي اعتنقَهُ الخلفاءُ وحسَمَهُ أبو بكرٍ وعمرُ  يومَ السقيفةِ عند مُغَالَبَتِهِمْ للأنصارِ والاحتجاجِ عليهم، وسارَ عليه بقيَّةُ الخلفاءِ، حتى بلغَ الحالُ بالخليفةِ الثاني عمرَ أنَّهُ لم يُدْخِلْ أحداً مِنَ الأنصارِ في الشُّورى. وقد نَقَلَ النوويُّ والشوكانيُّ الإجماعَ على قُرَشِيَّةِ الخلافةِ. ولم يُنْكِرْ أحدٌ مِن أهلِ السُّنَّةِ صِحَّةَ الحديثِ السالفِ ذِكْرُهُ، أو يذكرْ أنَّ ذلك يُخِلُّ بمبدأِ المساواةِ في عصرِ الدولةِ الأمويةِ أو العباسيةِ، أو حتى في أيامِ الدولةِ العثمانيةِ التي احتكرتِ الخلافةَ في سُلالةٍ واحدةٍ لأكثرَ مِن سِتَّةِ قُرونٍ، ولا في الأنظمةِ الملكيةِ القائمةِ في المغربِ العربيِّ والأردنِ والسعوديةِ، أو حتى في بريطانيا إلى اليومِ.
ولم نَجِدْ كاتباً واحداً قالَ إنَّ نظامَ الخلافةِ الراشدةِ أَخَلَّ بمبدأِ المساواةِ. ولعلَّ كاتبَ التغريدةِ يُدْرِكُ أنَّ تنظيمَ الإخوانِ المسلمينَ في العالمِ كلِّهِ يَعْتَبِرُ عودةَ الخلافةِ القرشيةِ جُزْءاً مِنَ الحلِّ السياسيِّ. بل إنَّ مذهبَ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ يُصَرِّحُ بأنَّ مَن وَصَلَ إلى السُّلطةِ مِن غيرِ القُرَشِيِّينَ يُسَمَّى “مُتَغَلِّباً” (أي مُغْتَصِباً)، حتى وإنِ انقادَ الناسُ تحتَ سُلْطَتِهِ، كما هو مقررٌ في كُتُبِهم. فكلُّهم يقولونَ بـقُرَشِيَّةِ الخلافةِ.
أما الزيديةُ الذينَ ذَهَبوا إلى اختيارِ الأئمةِ مِن أهلِ البيتِ، فمُسْتَنَدُهُمْ أنَّ أهلَ السُّنَّةِ والجماعةِ – بلِ الأمةَ كلَّها – قد أَجْمَعوا على قُرَشِيَّةِ الخلافةِ (عدا الخوارجِ)، ولذلك قالوا: “مِن بابٍ أَوْلَى أن يكونَ الإمامُ مِن أهلِ البيتِ؛ لأنهم مِن قُرَيْشٍ”. هذه هي قصةُ الولايةِ في الموروثِ الشرعيِّ.
ولا نَدْرِي ببَوَاعِثِ توجيهِ السِّهامِ إلى أنصارِ اللهِ، مع أننا لم نَجِدْ في برامجِهم العمليةِ ما يشيرُ إلى ذلك. فقد كانَ أوَّلُ رئيسٍ لهم ولـالمؤتمرِ الشعبيِّ بعدَ سقوطِ النظامِ السابقِ هو الرئيسُ الشهيدُ صالح الصمادِ – رحمه اللهُ – وهو مِنَ اليمنيينَ القحطانيينَ الأكفاءِ، وتَبِعَهُ بعدَ استشهادِهِ الرئيسُ المشاطُ. وهذا ما يدلُّ بوضوحٍ على أنه لا فرقَ عند أنصارِ اللهِ بين قحطانيٍّ وعدنانيٍّ، سواءٌ كان مِن أهلِ البيتِ أو غيرِهم، فالجميعُ سواءٌ.
إلا أنَّ الواقعَ الذي تَمُرُّ بهِ الأمةُ الإسلاميةُ في الوطنِ العربيِّ وغيرِهِ يُدِلُّ دلالةً واضحةً على تخلُّفِ الكثيرِ مِن وُلاةِ الأمرِ عنِ الواجباتِ المنوطةِ بهم. فالوظيفةُ الأساسيةُ لـوليِّ الأمرِ في الدولِ الإسلاميةِ هي حفظُ ثُغورِ الأمةِ وإقامةُ شرعِ اللهِ في كلِّ أرضِ الإسلامِ حتى لا يُظْلَمَ أحدٌ. فإذا حصلَ اعتداءٌ على أيِّ قُطْرٍ إسلاميٍّ، وجَبَ على وُلاةِ الأمورِ – رؤساءَ كانوا أو ملوكاً – رَدُّ هذا العدوانِ ونُصرةُ المظلومينَ.

العباس بن الحسين, [14/04/25 05:32 م]
فالإسلامُ جاءَ رحمةً للعالمينَ، تُحْفَظُ بهِ الدماءُ والأموالُ والأعراضُ، فَتَتَكَافَأُ دِماؤهم، ويقومُ بذمَّتِهم أدناهم، فهم مُتَسَاوُونَ في الحقوقِ والواجباتِ. ولكنِ الواضحَ أنَّ هؤلاءِ الزعماءَ – إذا ما استثنينا أنصارَ اللهِ وبعضَ الدولِ الإسلاميةِ – لا يُحَرِّكونَ ساكناً! بل ذهبَ البعضُ تحتَ شعارِ المساواةِ إلى الدعوةِ إلى تَسْوِيَةِ المرأةِ بالرجلِ في الميراثِ، ضاربينَ بنصوصِ القرآنِ عُرْضَ الحائطِ!
مما يعني أنَّ الضرورةَ تفرضُ على الأمةِ الإسلاميةِ إيجادَ مَرْجِعِيَّةٍ يُنَصُّ في دساتيرِ دولِها على اختيارِها مِن قِبَلِ الأمةِ، تكونُ صلاحيتُها أنه إذا عَطَّلَ الرؤساءُ والملوكُ أحكامَ الشريعةِ أو فريضةَ الجهادِ عندَ اعتداءٍ على أيِّ بلدٍ إسلاميٍّ، أو أصدروا قوانينَ تُخَالِفُ الشرعَ، أن تُبْطِلَ ذلكَ وتَحُلَّ البرلمانَ أو تُقيلَ الحكومةَ وتُعْلِنَ انتخاباتٍ مبكرةً، على أن تُحَدَّدَ صلاحياتُ هذه المَرْجِعِيَّةِ بالدستورِ الذي يَلْتَزِمُ به الجميعُ.
وسواءٌ سُمِّيَتْ هذه المَرْجِعِيَّةُ “قائداً للثورةِ” أو “قائدَ المسيرةِ القرآنيةِ” أو أيَّ مسمىً آخرَ، فإنَّ تطبيقَ شريعةِ اللهِ وأحكامِهِ كما جاءَ في القرآنِ سيُصْلِحُ الكثيرَ مِن أخطاءِ السُّلطةِ ويُقَوِّمُ اعوجاجَها. فقد أثبتتِ المَرْجِعِيَّةُ في إيرانَ جدارَتَها، وهذا ما يَرْضَى بهِ اللهُ أولاً ثمَّ الناسُ. وسيشكلُ ذلك إصلاحاً كبيراً. ويا حبذا أن تكونَ هذه المَرْجِعِيَّةُ يمنيةً قرشيةً مِن أهلِ البيتِ، فليس في شرعِ اللهِ ما يمنعُ مِن ذلك، بل فيه حِفْظٌ للشريعةِ وأحكامِها. واليمنيونَ – بطبيعتِهم – يُحِبُّونَ أهلَ البيتِ، ولا نَظُنُّ أنَّ مسلماً يَمْنَعُ مِن ذلك.
فإذا تبنَّى مثلَ هذه الفكرةِ ساسةُ الأمةِ الإسلاميةِ وشعوبُها، فنأملُ أن يكتبَ اللهُ لها النجاحَ؛ لأنها ستجمعُ بين القديمِ والحديثِ، بين الشورى والديمقراطيةِ في الحكمِ (فيما يُوافِقُ الشريعةَ) وبين مضمونِ ما تهدفُ إليهِ الخلافةُ الإسلاميةُ والولايةُ الشرعيةُ مِن مساواةٍ وحفظِ حقوقٍ. وسيحصلُ على قصبِ السَّبْقِ في الدنيا والآخرةِ، وسيكتبُ لأيِّ نظامٍ يتبنَّى ذلكَ السعادةَ والديمومةَ. ولْيَتَنَافَسِ الناسُ بعدَ ذلكَ لمنصبِ رئيسِ الجمهوريةِ أو الملكِ أو أيِّ منصبٍ.
{فَمَنْ نَصَرَ اللهَ نَصَرَهُ، وَمَنْ سَعَى إِلَى حِفْظِ شَرِيعَتِهِ وَتَنْفِيذِ أَوَامِرِهِ أَيَّدَهُ وَكَتَبَ لَهُ الخُلُودَ. وَاللهُ المُسْتَعَانُ}.

قد يعجبك ايضا