عزة المسلمين في وحدتهم
ق. حسين المهدي – المساء برس|
الأُخُوَّةُ قُوَّةٌ وَعِزَّةٌ وَوَحْدَةٌ، فَالْمُؤْمِنُ كَثِيرٌ بِأَخِيهِ، فَتَعَاوُنُ المُسْلِمِينَ وَتَنَاصُرُهُمْ وَتَظَافُرُهُمْ إِنَّمَا يَكُونُ فِي إِخَائِهِمْ وَوَحْدَتِهِمْ وَاتِّحَادِهِمْ، كَمَا أَنَّ فَشَلَهُمْ وَذُلَّهُمْ فِي تَفَرُّقِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ.
فَمَنْ بَسَطَ يَدَهُ بِالْإِنْعَامِ عَلَى إِخْوَانِهِ صَانَ نِعْمَتَهُ عَنِ المَذَامِّ فِي زَمَانِهِ، وَعُدَّ فِي الْكِرَامِ بَيْنَ إِخْوَانِهِ، وَكَثُرَ بِرُّهُ وَظَهَرَ أَمْرُهُ، وَبَعُدَ ذِكْرُهُ، وَكَبُرَتْ مَعَارِفُهُ وَكَثُرَتْ عَوَارِفُهُ.
فَإِذَا كَانَ المُسْلِمُونَ كَمَا أَرَادَ لَهُمُ الْإِسْلَامُ إِخْوَةً فِي الدِّينِ قَوِيَتْ دَوْلَتُهُمْ، وَعَلَتْ كَلِمَتُهُمْ وَظَهَرَتْ شَوْكَتُهُمْ، وَهَابَهُمْ أَعْدَاؤُهُمْ، فَكَانُوا عَلَى هُدَى الْقُرْآنِ مُجْتَمِعِينَ، وَعَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى مُتَعَاوِنِينَ، إِخَاؤُهُمْ صَادِقَةٌ، وَعَقِيدَتُهُمْ رَاسِخَةٌ، يُؤْثِرُونَ حُبَّ اللهِ عَلَى حُبِّ أَنْفُسِهِمْ، وَيُؤْثِرُونَ إِخْوَانَهُمُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ،(وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
فَمَنْ نَصَحَ أَخَاهُ جَنَّبَهُ هَوَاهُ، وَمَنْ غَشَّ أَخَاهُ أَلْهَجَهُ وَأَغْرَاهُ.
وَلِهَذَا عَنِيَ الْإِسْلَامُ بِالتَّحْذِيرِ الْبَالِغِ مِنَ اتِّبَاعِ الْهَوَى، (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ)، (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).
وَفِي الْحَدِيثِ النَّبَوِيِّ: *”وَاللهِ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ”*. تُرَى، فَهَلْ يَتَجَرَّدُ سَاسَةُ الْأُمَّةِ وَقَادَتُهَا مِنَ الْهَوَى؟ فَإِنَّ ذَلِكَ سَيُجَنِّبُهُمُ التَّنَاحُرَ وَالتَّنَافُرَ وَالِاخْتِلَافَ. فَفِي الْحَدِيثِ: *”ثَلَاثٌ مُهْلِكَاتٌ: شُحٌّ مُطَاعٌ، وَهَوًى مُتَّبَعٌ، وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ”*.
فَمَنْ يَطْلُبُ الْحَقَّ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَجَرَّدَ عَنْ كُلِّ هَوًى يُطَاوِعُهُ أَوْ غَرَضٍ يُتَابِعُهُ، فَذَلِكَ طَرِيقٌ يُوصِلُ إِلَى الْحَقِّ وَالِاهْتِدَاءِ إِلَى أَنْفَعِ الْأُمُورِ دِينًا وَدُنْيَا.
فَطَرِيقُ الْهَوَى بِالْخِدَاعِ وَالتَّضْلِيلِ وَالْبُعْدِ عَنْ حُكْمِ الْقُرْآنِ الْجَلِيلِ يُوقِعُ فِي أَخْطَاءَ وَمَهَالِكَ، وَالوُلُوجِ فِي أَسْوَإِ الْمَسَالِكِ.
وَلَوْ أَنَّ المُسْلِمِينَ حَكَّمُوا الْقُرْآنَ وَأَحَبُّوا الرَّحْمَنَ لَمَا اتَّخَذُوا مِنْ أَوْلِيَاءِ الشَّيْطَانِ أَوْلِيَاءَ لَهُمْ، يُزَيِّنُونَ لَهُمْ بُغْضَ إِخْوَانِهِمْ وَمَوَدَّةَ أَعْدَائِهِمْ، حَتَّى وَإِنْ كَانُوا مِنْ حَاشِيَتِهِمْ وَأَقْرِبَائِهِمْ، (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ).
وَلَوْ أَنَّ سَاسَةَ الْأُمَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ آمَنُوا بِهَذِهِ الْآيَةِ الْقُرْآنِيَّةِ السَّالِفِ بَيَانُهَا، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)، لَمَا فَرَّقَتْ بَيْنَهُمُ الْمَذَاهِبُ الدِّينِيَّةُ، وَلَا الْأَهْوَاءُ السِّيَاسِيَّةُ، وَلَا الْعَصَبِيَّاتُ الْجِنْسِيَّةُ، وَلَمَا جَاءَ الْيَهُودُ لِيَعْتَدُوا عَلَى أَرْضِ فِلَسْطِينَ، وَلَا جَاءَتْ أَمْرِيكَا لِتَعْتَدِيَ عَلَى يَمَنِ الْإِيمَانِ وَالْحِكْمَةِ، وَهُمْ عَاكِفُونَ عَلَى مَلَذَّاتِهِمْ وَأَهْوَائِهِمْ.
فَقَدْ أَرَادَ الْإِسْلَامُ بِرَابِطَةِ الْإِيمَانِ أَنْ يَكُونُوا إِخْوَةً، فَإِذَا حَصَلَ بَيْنَهُمْ نِزَاعٌ أَوِ اخْتِلَافٌ تَصَالَحُوا، (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ).
فَإِذَا تَمَكَّنَ الْإِيمَانُ مِنْ قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ اسْتَوْلَى عَلَى مَشَاعِرِهِمْ، وَسَيْطَرَ عَلَى أَفْكَارِهِمْ، وَسَعَوْا إِلَى تَحْقِيقِ غَايَاتِهِمْ، وَجِهَادِ عَدُوِّهِمْ، وَإِلَى مَنْعِ إِذْلَالِ الْمُسْلِمِينَ وَالِاعْتِدَاءِ عَلَيْهِمْ؛ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا، (وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا).
إِنَّ جَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ مَدْعُوُّونَ الْيَوْمَ بِأَنْ يَكُونُوا صَفًّا وَاحِدًا مَعَ أَنْصَارِ اللهِ وَحِزْبِهِ مِنْ أَبْنَاءِ الْيَمَنِ الْمَيْمُونِ وَشَعْبِ فِلَسْطِينَ الْحُرِّ الْأَبِيِّ، وَلِيَنْضَوُوا جَمِيعًا تَحْتَ مَسِيرَةِ الْقُرْآنِ وَقَائِدِهَا، وَأَنْ لَا يَرْضَوْا بِالذُّلِّ وَالْهَوَانِ لِأَنْفُسِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ، هَذَا إِذَا أَرَادَ الْكُلُّ أَنْ يَكُونُوا آخِذِينَ بِمَبَادِئِ الْإِسْلَامِ. فَإِنَّ اللهَ نَاصِرٌ مَنْ يَنْصُرُهُ وَمُعِزُّ مَنْ يُطِيعُهُ، (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)، (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ).
الْعِزَّةُ للهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ،
وَالْخِزْيُ وَالْهَزِيمَةُ لِلْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ،
وَلَا نَامَتْ أَعْيُنُ الْجُبَنَاءِ.