فضيحة سيغنال.. كيف كشف خطأ كارثي التخبط الأمريكي في حرب اليمن؟

خاص – المساء برس| تحليل: يحيى محمد الشرفي|

في تطور غير مسبوق، كشفت مجلة ذا أتلانتيك الأمريكية، عبر رئيس تحريرها جيفري غولدبرغ، عن فضيحة كبرى داخل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حيث تم تسريب خطط عسكرية سرية للهجوم على اليمن عبر تطبيق سيغنال، الذي يُستخدم عادة للاتصالات الخاصة وليس لتنسيق عمليات عسكرية حساسة.

الفضيحة، التي وصفها خبراء الأمن القومي بأنها أكبر إخفاق استخباراتي في تاريخ أمريكا الحديث، كشفت مدى الارتباك داخل القيادة العسكرية الأمريكية، وأظهرت عدم فاعلية الضربات الأمريكية في كبح القدرات اليمنية، بل وفضحت المخاوف داخل الإدارة من تداعيات التصعيد العسكري في البحر الأحمر.

تسريب خطط الهجوم.. كيف وقعت واشنطن في هذه الفضيحة؟

بحسب غولدبرغ، تلقى طلب اتصال عبر سيغنال من مستشار الأمن القومي مايكل والتز، الذي أضافه لاحقًا – عن طريق الخطأ – إلى مجموعة سرية تضم وزير الدفاع بيت هيغسيث، وزير الخارجية ماركو روبيو، مدير الاستخبارات الوطنية تولسي غابارد، ونائب الرئيس جي دي فانس.

هذه المجموعة، التي حملت اسم “مجموعة الحوثيين الأساسية الصغيرة”، كانت تناقش تفاصيل الهجوم الأمريكي على اليمن، بما في ذلك مواعيد الضربات الجوية، الأهداف المحددة، ونوعية الأسلحة المستخدمة.

لم يدرك المسؤولون في البداية أن غولدبرغ كان ضمن المجموعة، حيث شاركوا تفاصيل بالغة السرية، دون أن يلاحظوا أنهم يفضحون استراتيجيتهم العسكرية أمام صحفي بارز في مؤسسة إعلامية أمريكية كبرى.

بين السياسة والعسكر.. إدارة ترامب منقسمة حول حرب اليمن

التسريبات كشفت أيضًا انقسامًا داخليًا داخل إدارة ترامب حول جدوى التصعيد العسكري ضد صنعاء، أبدى نائب الرئيس جي دي فانس مخاوفه من أن الحرب ستؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط عالميًا، وتزيد من الضغوط الاقتصادية على الأمريكيين، فيما رأى بعض المسؤولين أن التدخل يجب تأجيله شهرًا على الأقل حتى يتم التحضير له بشكل أفضل.

وشدد وزير الدفاع بيت هيغسيث على ضرورة المضي قدمًا في الهجوم، خوفًا من أن تتسرب الأخبار أو يبدو البيت الأبيض مترددًا.

كما تكشف هذه الفضيحة أنه كانت هناك مناقشات حول كيفية إجبار الدول الأوروبية على دفع تكاليف التدخل الأمريكي، كون 40% من تجارتهم تمر عبر البحر الأحمر، بينما لا تعتمد الولايات المتحدة إلا بنسبة 3% على هذا الممر.

القرار الكارثي.. استهداف اليمن دون خطة حقيقية

رغم المخاوف الاقتصادية والعسكرية، تم اتخاذ القرار النهائي بالمضي قدمًا في العملية، حيث كتب بيت هيغسيث في مجموعة سيغنال: “نحن مستعدون للتنفيذ، وإذا كان لديّ حق التصويت النهائي، فسأمضي قدمًا”.

وبالفعل، بعد ساعتين فقط، بدأت الغارات الأمريكية على صنعاء ومدن يمنية أخرى، دون أن يكون هناك تصور واضح لما ستُحدثه هذه الضربات على الوضع العسكري والاستراتيجي.

النتائج على الأرض.. الحوثيون أقوى من أي وقت مضى

رغم الضربات المكثفة، لم تتأثر القدرات العسكرية اليمنية، بل استمرت القوات اليمنية في استهداف السفن الحربية الأمريكية في البحر الأحمر كما لا تزال تفرض قرارها بمنع الملاحة الإسرائيلية من العبور من منطقة عمليات صنعاء، وحتى مطار بن غوريون في تل أبيب وأهداف أخرى في الكيان المحتل تتعرض للضرب بالصواريخ الباليستية الفرط صوتية من اليمن بشكل شبه يومي، مما دفع وسائل الإعلام العبرية إلى الاعتراف بأن “القوة الجوية ليست الحل لكسب الحروب”.

وكانت قد أظهرت التقارير السابقة أن واشنطن نفذت 931 غارة جوية على اليمن خلال عام 2024، وأما ترمب فبدأ العدوان على اليمن في اليوم الأول بأكثر من 40 غارة في 15 مارس 2025، ومع ذلك استمر الحوثيون في تنفيذ عملياتهم العسكرية بكفاءة متزايدة، وفقاً لهذه التقارير الغربية.

كما تكشف الفضيحة أن قادة البنتاغون أقروا بأن بعض الضربات الحوثية كادت تصيب السفن الأمريكية مباشرة، مما أثار رعبًا داخل البحرية الأمريكية.

ومن وجهة نظر مراقبين غربيين فإن صنعاء نجحت في إعادة توزيع قواتها العسكرية واستخدام تكتيكات قتالية متطورة، مما جعل من الصعب استهدافها، بحسب تقرير مجموعة الأزمات الدولية.

لماذا تعتبر هذه الفضيحة تهديدًا للأمن القومي الأمريكي؟

كشف خطط واشنطن العسكرية لأعدائها:
تسريب تفاصيل الهجوم عبر تطبيق غير مؤمن يعني أن الخصوم، مثل الصين وروسيا وإيران، باتوا قادرين على فهم أسلوب التخطيط الأمريكي للعمليات العسكرية، مما يعرض القوات الأمريكية للخطر في أي مواجهة مستقبلية.

فشل في كبح قدرات صنعاء:
التسريبات تظهر أن الولايات المتحدة كانت تتوقع القضاء على القدرات العسكرية للحوثيين خلال أيام، لكن الواقع أثبت أنهم باتوا أكثر قدرة على شن هجمات استراتيجية، وصلت إلى مطار بن غوريون الإسرائيلي وقلب البحر الأحمر.

انقسام داخل إدارة ترامب:
المحادثات المسرّبة تؤكد أن هناك خلافات كبيرة بين مسؤولي الإدارة حول التدخل في اليمن، بين من يراه عبئًا اقتصاديًا لا طائل منه، وبين من يراه خطوة ضرورية لإعادة هيبة أمريكا عالميًا.

ما التالي؟.. تداعيات الفضيحة على إدارة ترامب

تحقيقات داخلية محتملة:
من المتوقع أن يواجه مستشار الأمن القومي مايكل والتز ووزير الدفاع بيت هيغسيث مساءلات قانونية حول كيفية تسريب معلومات سرية عبر تطبيق سيغنال، وما إذا كان ذلك يشكل خرقًا لقانون التجسس الأمريكي.

ضغوط داخلية على ترامب:
هذه الفضيحة قد تضعف موقف ترامب داخليًا، خاصة بين الجمهوريين الذين يدعون إلى ضبط الإنفاق العسكري وعدم التورط في حروب خارجية لا تخدم المصالح الأمريكية المباشرة.

تصعيد عسكري جديد من صنعاء:
في ظل استمرار الضربات الأمريكية، من المتوقع أن ترد القوات اليمنية بهجمات أكثر توسعًا على الأهداف الأمريكية والإسرائيلية، مما قد يزيد من تعقيد الموقف العسكري الأمريكي في المنطقة.

واشنطن في ورطة لا مخرج منها؟

فضيحة “سيغنال” ليست مجرد خطأ تقني أو تسريب عادي، بل هي إثبات قاطع على التخبط السياسي والعسكري داخل إدارة ترامب، وعجزها عن فرض معادلة ردع حقيقية في البحر الأحمر.

ومع استمرار فشل الضربات الجوية في تحقيق أهدافها، وتصاعد الاستنزاف الأمريكي في البحر الأحمر، تجد واشنطن نفسها أمام خيارين أحلاهما مر:

الاعتراف بالفشل وإيجاد مخرج سياسي من الأزمة.
مواصلة التصعيد العسكري، مع المخاطرة بمزيد من الإخفاقات والانقسامات الداخلية.

وفي النهاية، يبدو أن صنعاء باتت تمتلك اليد العليا، بينما تعيش واشنطن أسوأ إخفاق عسكري لها منذ حرب فيتنام، لكن هذه المرة ليس بسبب قوة الحوثيين فقط، بل بسبب سوء التخطيط والتخبط داخل القيادة الأمريكية نفسها.

قد يعجبك ايضا