واشنطن تضغط على أوروبا لتدخل عسكري في البحر الأحمر وسط تحفظات اقتصادية وأمنية

تقرير خاص – المساء برس|

مع تصاعد التوترات في البحر الأحمر، تسعى إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى دفع حلفائها الأوروبيين لتحمل مسؤوليات أكبر في تأمين هذا الممر البحري الحيوي. لكن الاتحاد الأوروبي، الذي كان يقود عملية “ASPIDES” الدفاعية لحماية سفنه التجارية التي منعت صنعاء عبورها من البحر الأحمر بسبب استمرار تعاملها مع موانئ الاحتلال الإسرائيلي، يبدو مترددًا هذه الجولة في الانخراط في عمليات عسكرية تصعيدية ضد قوات صنعاء، مفضلًا نهجًا حذرًا يحمي مصالحه الاقتصادية من أي مخاطر محتملة.

تحفظات أوروبية على التصعيد العسكري

وبحسب تقرير نشرته قناة “يورونيوز”، استثمر الاتحاد الأوروبي جهودًا كبيرة في حماية الشحن التجاري عبر البحر الأحمر منذ أكثر من عام. عملية “ASPIDES”، التي انطلقت قبل 13 شهرًا، شهدت مشاركة 21 دولة أوروبية بتكلفة إجمالية بلغت 8 ملايين يورو، حيث تحملت كل دولة تكاليف أصولها العسكرية وأفرادها المنتشرين في المنطقة.

لكن هذه العملية ظلت محصورة في إطار دفاعي بحت، بعيدًا عن أي توجه هجومي ضد قوات صنعاء، ما عكس حينها مخاوف أوروبية من تداعيات التصعيد العسكري. فالبحر الأحمر يعد شريانًا حيويًا للتجارة العالمية، وأي اضطراب فيه قد يكلف الاقتصادات الأوروبية خسائر بمليارات اليوروهات. ومع اعتماد العديد من الدول الأوروبية على الواردات عبر هذا الممر، خصوصًا في مجالات الطاقة والسلع الأساسية، فإن أي عملية عسكرية الآن ضد صنعاء قد تؤدي إلى ردود فعل انتقامية من صنعاء تعطل التجارة البحرية الأوروبية، وهو ما تسعى بروكسل إلى تجنبه بأي ثمن.

واشنطن تتهم أوروبا بـ”الركوب المجاني”

هذا النهج الحذر من جانب الاتحاد الأوروبي أثار استياء واشنطن وتحديدا الرئيس ترمب، التي جددت اتهاماتها لأوروبا بـ”الركوب المجاني” على القوة العسكرية الأمريكية، وهذا ما انكشف فعلاً وتأكدت صحته مع انتشار التسريبات للمحادثات الأمريكية بين كبار أركان ومسؤولي إدارة ترمب بشأن الخطط الحرببة الأمريكية في اليمن والبحر الأحمر ، حيث أظهرت المحادثات المسربة كيف أبدى كبار المسؤولين الأمريكيين استياءهم من اعتماد أوروبا على الوجود العسكري الأمريكي في البحر الأحمر، معتبرين أن الاتحاد الأوروبي يستفيد من الحماية الأمريكية دون تقديم مساهمات كافية في العمليات العسكرية.

الباحثة إميلي تاسيناتو، من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أكدت لـ”يورونيوز” أن هذه الضغوط تعكس استراتيجية أمريكية متجددة لإجبار الاتحاد الأوروبي على تحمل نصيباً أكبر في الدفاع عن مصالحه الاستراتيجية. لكنها أشارت إلى أن أوروبا، التي تعاني من أزمات اقتصادية مثل ارتفاع أسعار الطاقة وتباطؤ النمو، لا ترى في التصعيد العسكري حلاً مجديًا، بل خطوة قد تعمّق أزماتها الداخلية.

مخاوف اقتصادية أوروبية من تداعيات الحرب

ولا يمكن فهم الموقف الأوروبي دون النظر إلى أهمية البحر الأحمر لاقتصادات الاتحاد. فوفقًا لـ”يورونيوز”، يشهد هذا الممر عبور حوالي 12% من التجارة العالمية، بما في ذلك النفط والغاز الطبيعي الذي تعتمد عليه دول كبرى مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا. وبالتالي، أي اضطراب في الملاحة قد يؤدي إلى ارتفاع حاد في تكاليف الشحن والتأمين، مما ينعكس سلبًا على الأسواق الأوروبية التي تواجه ضغوطًا تضخمية متزايدة.

كما أن أي مواجهة عسكرية مفتوحة مع صنعاء قد تدفعها إلى استهداف السفن الأوروبية تحديدًا، مما يضاعف من المخاطر الاقتصادية. الباحث جورج تزوغوبولوس، من المؤسسة الهيلينية للسياسة الأوروبية والخارجية، يرى أن التجارب التاريخية في الشرق الأوسط تثبت أن الحلول العسكرية لا تحقق الاستقرار، مشيرًا إلى أن أوروبا تدرك أن جذور المشكلة تتجاوز تهديدات البحر الأحمر، وترتبط بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

ضغوط أمريكية أم ابتزاز؟

وسط هذه التطورات، يرى محللون أن واشنطن تحاول استغلال الأزمة في البحر الأحمر للضغط على أوروبا. فبحسب “يورونيوز”، تعتبر التصريحات الأمريكية الأخيرة بمثابة ابتزاز واضح يهدف إلى إجبار الدول الأوروبية على تحمل أعباء إضافية في تأمين الملاحة، في وقتٍ تتزايد فيه المخاطر الأمنية والاقتصادية.

ورغم ذلك، يبدو أن الاتحاد الأوروبي سيواصل نهجه الدفاعي الحذر، متمسكًا بموقفه الرافض للتورط في مواجهة مباشرة مع قوات صنعاء، حفاظًا على استقرار اقتصاده وتجنبًا للتداعيات الخطيرة التي قد تترتب على أي تصعيد عسكري غير محسوب.

قد يعجبك ايضا