ترامب يعيد واشنطن إلى مستنقع اليمن: هل بدأ مخطط تغيير النظام؟
خاص – المساء برس| تقرير: يحيى محمد الشرفي|
في خطوة تعكس رغبة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في إعادة واشنطن إلى سياسة التدخلات العسكرية المباشرة، شنت القوات الأمريكية غارات جوية مكثفة على اليمن خلال عطلة نهاية الأسبوع، ما أسفر عن سقوط عشرات الضحايا، في تصعيد يعيد إلى الأذهان حروب تغيير الأنظمة التي خاضتها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
من “أمريكا أولًا” إلى شرطي العالم
ترامب، الذي خاض حملته الانتخابية تحت شعار إنهاء الحروب المكلفة، يبدو الآن في طريقه لإشعال حرب جديدة في اليمن. ففي حين كان يدّعي أن “أمريكا لن تكون شرطي العالم”، جاء وزير خارجيته ماركو روبيو ليؤكد العكس بقوله: “نحن نقدم خدمة للعالم عبر القضاء على هؤلاء الأشخاص وقدرتهم على استهداف الشحن العالمي”.
هذا التصريح يعكس بوضوح أن الحملة العسكرية الأمريكية لم تعد مجرد “ضربات انتقامية”، كما زعمت إدارة بايدن، بل تحولت إلى استراتيجية طويلة الأمد تستهدف إسقاط حكومة صنعاء، وإعادة تشكيل المشهد السياسي اليمني، في تكرار للسيناريوهات الفاشلة التي خاضتها واشنطن في أفغانستان والعراق وليبيا.
واشنطن تُشعل المنطقة قبل عودة الحرب على غزة
التصعيد الأمريكي لم يأتِ نتيجة تهديد مباشر للأمن القومي الأمريكي، بل جاء ضمن سياق سياسي وعسكري أوسع يخدم إسرائيل بالدرجة الأولى. فقد بدأ العدوان الأمريكي على اليمن قبل أيام قليلة من إعلان الاحتلال الإسرائيلي استئناف عدوانه على قطاع غزة، مما يثير تساؤلات حول وجود تنسيق مسبق بين واشنطن وتل أبيب لضمان عدم تعطيل القوات اليمنية للمخطط الإسرائيلي الجديد.
الضربات الأمريكية جاءت في وقت كانت فيه صنعاء قد أوقفت هجماتها على السفن الإسرائيلية بعد إعلان وقف إطلاق النار في غزة وفتح المعابر جزئيًا لإدخال المساعدات الإنسانية. لكن بعد أن قرر الاحتلال الإسرائيلي إعادة فرض الحصار الكامل وإغلاق المعابر كليًا أمام الغذاء والدواء والبضائع، استأنفت القوات اليمنية عملياتها ضد الملاحة الإسرائيلية، ما يعني أن القرار في صنعاء لم يكن عبثيًا، بل كان جزءًا من معركة أوسع تهدف إلى الضغط على تل أبيب عبر استهداف مصالحها الاقتصادية.
هل يجرّ ترامب المنطقة إلى حرب أوسع؟
التصعيد الأمريكي في اليمن قد يؤدي إلى اندلاع صراع إقليمي أوسع، إذ لم تقتصر تهديدات ترامب على صنعاء فقط، بل امتدت إلى إيران، الداعم الرئيسي للمقاومة في المنطقة، وهو ما قد يدفع طهران إلى التحرك المباشر ضد القوات الأمريكية ومصالحها في الخليج.
من ناحية أخرى، تشير التقارير إلى أن واشنطن بدأت بتنسيق عمليات برية مع القوات الموالية لها في اليمن، في محاولة لإعادة إشعال جبهات القتال، مما يزيد من احتمالية اندلاع معارك واسعة النطاق تتجاوز البحر الأحمر وتمتد إلى البرّ اليمني نفسه، وهو سيناريو سبق أن فشلت فيه الولايات المتحدة خلال العقد الماضي، عندما دعمت السعودية والإمارات في حربهما ضد صنعاء دون تحقيق أي مكاسب استراتيجية.
من المستفيد من الحرب الجديدة؟
اللافت أن التصعيد الأمريكي جاء في توقيت حساس للغاية، فإسرائيل كانت بحاجة إلى غطاء سياسي وعسكري يتيح لها إعادة فرض الحصار على غزة دون أن تواجه ضغطًا دوليًا كبيرًا. وما وفرته واشنطن لتل أبيب لم يكن مجرد دعم دبلوماسي، بل كان عدوانًا عسكريًا صريحًا على اليمن، القوة الوحيدة التي فرضت معادلة ردع فعلية ضد الاحتلال الإسرائيلي عبر البحر الأحمر.
هل سيقف الديمقراطيون ضد التصعيد؟
التصعيد الجديد يضع الحزب الديمقراطي أمام اختبار حقيقي. ففي عهد ترامب الأول، قاد الديمقراطيون في الكونغرس حملة لإنهاء الدعم الأمريكي للحرب على اليمن، لكنهم سرعان ما تراجعوا عن موقفهم عندما بدأ بايدن بشن هجمات ضد صنعاء في سياق دعمه للحرب الإسرائيلية على غزة.
الآن، سيكون على الديمقراطيين أن يقرروا: هل سيلتزمون بموقفهم السابق ويعارضون التصعيد العسكري الجديد في اليمن؟ أم أنهم سيسيرون خلف ترامب في إعادة إحياء سياسة “الحروب الأبدية” التي سبق أن انتقدوها بشدة؟
اليمن.. مقبرة الغزاة مجددًا؟
في نهاية المطاف، يبدو أن إدارة ترامب، مثل سابقتها، لم تستوعب الدروس التاريخية من الحروب الأمريكية الفاشلة في الشرق الأوسط. فاليمن أثبت مرارًا أنه ليس ساحة سهلة لأي غزو أجنبي، والسنوات الماضية أظهرت أن صنعاء تمتلك من القدرات العسكرية والتكتيكية ما يكفي لجعل أي تدخل أمريكي طويل الأمد مكلفًا وخطيرًا.
وبينما تستعد واشنطن لمرحلة جديدة من العدوان، فإن المعادلة لم تعد كما كانت قبل سنوات، إذ باتت صنعاء اليوم تمتلك أدوات الردع القادرة على قلب الطاولة، وهو ما يجعل من مغامرة ترامب العسكرية مقامرة غير محسوبة العواقب، قد تكون نهايتها أكثر كارثية من جميع حروب أمريكا السابقة.