التدخل الأمريكي في البحر الأحمر يعيد أزمة سلاسل التوريد العالمية إلى الواجهة
خاص – المساء برس|
عادت التوترات في البحر الأحمر مجدداً بفعل التدخل العسكري الأمريكي، مما أجبر سفن الشحن العالمية على تغيير مساراتها واللجوء إلى طرق أطول وأكثر كلفة حول قارة أفريقيا. وبحسب تقرير نشرته منصة “Supply Chain Digital” المتخصصة في سلاسل التوريد، فإن عسكرة واشنطن للممرات البحرية لصالح الاحتلال الإسرائيلي أدى إلى اضطرابات واسعة في التجارة الدولية، انعكست بشكل مباشر على الاقتصاد العالمي.
البحر الأحمر.. شريان التجارة العالمي رهينة القرارات الأمريكية
يعد البحر الأحمر ممراً تجارياً بالغ الأهمية، إذ يربط آسيا بأوروبا عبر قناة السويس التي يمر من خلالها نحو 30% من تجارة الحاويات العالمية. ومع ذلك، منذ أواخر عام 2023، ومع تصاعد العدوان الإسرائيلي على غزة وفرض صنعاء حصارًا بحريًا على الاحتلال الإسرائيلي، إضافة إلى التدخل العسكري الأمريكي في المنطقة، اضطرت معظم شركات الشحن الكبرى إلى تجنب قناة السويس بالكامل.
نتيجة لذلك، شهدت المنطقة انخفاضًا بنسبة 75% في شحنات الحاويات، مما أجبر السفن على اتخاذ طريق رأس الرجاء الصالح حول إفريقيا، وهو مسار يزيد من زمن الرحلة بين آسيا وأوروبا بمقدار 10 إلى 14 يومًا، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع حاد في تكاليف الوقود والتأمين، وخلق تحديات لوجستية للشركات التي تعتمد على مواعيد تسليم دقيقة.
ارتفاع تكاليف الشحن إلى مستويات قياسية
وفقًا لتقرير منصة “Supply Chain Digital”، أدى التصعيد العسكري في البحر الأحمر إلى ارتفاع كبير في أسعار الشحن العالمية. وأوضح التقرير أن مؤشر “بلاتس” للحاويات سجل 5272.50 دولارًا لكل وحدة مكافئة لأربعين قدمًا في يناير 2024، وهو أعلى مستوى له منذ منتصف 2022، قبل أن ينخفض لاحقًا إلى 3017 دولارًا، لكنه ظل أعلى بكثير من مستويات ما قبل الأزمة.
وأفاد التقرير بأن قطاعات التجزئة والتصنيع والخدمات اللوجستية في أوروبا باتت تواجه ضغوطًا متزايدة نتيجة ارتفاع تكاليف الشحن وتأخير وصول المخزون، خاصةً للسلع الموسمية، وسط توقعات بتفاقم الأزمة خلال موسم عيد الفصح إذا استمر الوضع الراهن.
بدائل مكلفة وغير مستدامة
وأشار التقرير إلى أن بعض الشركات لجأت إلى الشحن الجوي كحل بديل، حيث سجل الاتحاد الدولي للنقل الجوي زيادة بنسبة 11% في الطلب خلال ديسمبر 2023 مقارنة بالعام السابق. ورغم ذلك، فإن الشحن الجوي يبقى مكلفًا جدًا ومحدودًا في قدرته على نقل السلع العاجلة أو عالية القيمة فقط.
كما ذكر التقرير أن بعض شركات الشحن، مثل “CMA CGM”، استأنفت عملياتها في البحر الأحمر بحذر، إلا أن معظم الشركات لا تزال مترددة وتوازن بين مخاطر المرور عبر المنطقة والتكاليف الباهظة للطرق البديلة.
أزمة اقتصادية أعمق بفعل التدخل الأمريكي
لا يمكن فصل أزمة سلاسل التوريد عن التدخل العسكري الأمريكي في المنطقة، حيث يشير تحليل لمنصة “رادار 360” إلى أن واشنطن استخدمت الأزمة كذريعة لتوسيع وجودها العسكري في البحر الأحمر، بهدف دعم الاحتلال الإسرائيلي ومحاولة كسر الحصار اليمني المفروض على موانئ الاحتلال.
وأثار هذا التدخل انتقادات دولية واسعة، حيث اعتبرته دول مثل الصين وروسيا محاولة أمريكية لفرض هيمنة عسكرية على الممرات البحرية الاستراتيجية.
متى تنتهي الأزمة؟
ووفقاً لتحليل “رادار 360” يتوقع محللون اقتصاديون أن تستمر تكاليف الشحن المرتفعة حتى أواخر 2025 على الأقل، إلا إذا تم التوصل إلى اتفاق شامل ينهي الأزمة في غزة، وهو ما لا يبدو في الأفق حاليًا.
وفي ظل استمرار عسكرة البحر الأحمر من قبل واشنطن، فإن سلاسل التوريد العالمية تبقى مهددة بالمزيد من الاضطرابات، مما يزيد من الضغوط الاقتصادية على الشركات والمستهلكين على حد سواء، ويعزز حالة عدم اليقين في الأسواق العالمية.