حبل “التحالف” قصير

وما يسطرون -رضوان العمري – المساء برس|

في بداية يناير من العام 2022 قال المتحدث باسم قوات التحالف خلال مؤتمر صحفي له في محافظة شبوة، بأن:” العمليات العسكرية التي ينفذها التحالف ضد قوات صنعاء ليست عمليات بالمعنى العسكري( الحرب) وإنما هي عمليات تنقل اليمن إلى النماء والازدهار ليصبح اليمن ضمن المصفوفة الخليجية”، وهذا التصريح- المنفصل عن الواقع- ليس هو الأول ولا الأخير لقيادات التحالف، فالخطاب الإعلامي للتحالف الموجّه للداخل اليمني كان معجوناً بعبارات الأمل منذ أن بدأت الحرب على اليمن في العام 2015، وذلك في محاولة تصوير الحرب على اليمن بأنها جاءت لإنقاذ اليمنيين ومساعدتهم وليست لها أهداف أخرى.

وبرغم أن هذا الخطاب استطاع أن يخدع بعض اليمنيين في بداية الحرب إلا أن تأثيره تلاشى مع مرور الوقت بفعل انفصامه عن الواقع، بحيث إن الآمال العريضة التي كان بعض اليمنيين قد رسموها في مخيلاتهم ليمن مابعد 2015 تبخّرت لأن ما يعايشونه في واقعهم اليومي يختلف تماماً عن الواقع المفترض الذي بنوه بناءاً على الوعود التي روّج لها إعلام التحالف وقياداته، واليوم نستطيع القول بأن هناك شبه إجماع لليمنيين في الشمال والجنوب والشرق والغرب على أن حرب التحالف على اليمن لا تصب في مصلحة اليمنيين وإنما لها دوافع وأهداف خاصة بدول التحالف.

منذ عدة أيام والمناطق الواقعة تحت سيطرة القوى الموالية للتحالف السعودي الإماراتي تعيش حالة من الغليان الشعبي، تنديداً بانهيار سعر صرف العملة المحلية الذي وصل إلى أكثر من 2300 ريال للدولار الواحد لأول مرة في تاريخ اليمن والذي انعكس بصورة سلبية على أسعار المواد الغذائية والمواد الاستهلاكية التي ارتفعت أسعارها إلى مستويات غير مسبوقة، ويتزامن ذلك مع انقطاعات للكهرباء لفترات طويلة في المدن الرئيسية بما فيها مدينة عدن وتردي للوضع الخدمي بكافة أشكاله.

خلال السنوات الماضية عمل الإعلام الموالي للتحالف على تصوير الفشل بأنه مرتبط بشخصيات أو مسؤولين في الحكومة اليمنية الموالية له وأن تغيير هذه الشخصية أو تلك سيحل المشاكل والأزمات المتفاقمة، دون الإشارة لدول التحالف، وما عزز من هذا الخطاب هي حالة التنافر الموجودة لدى الفصائل والمكونات المحلية الموالية للسعودية والإمارات، إذ أن تضارب المصالح واختلاف الأجندات والأهداف يجعلهم يتبادلون الاتهامات فيما بينهم، فكل طرف يكيل الاتهامات للطرف الآخر ويحمله مسؤولية المشاكل والأزمات وهكذا، ليظل التحالف بعيداً عن الانتقاد وعن دائرة الاتهام.

اليوم وبعد مرور قرابة 10 سنوات أدرك المواطنون في المناطق الخاضعة لسيطرة التحالف بأن توجيه الاتهام للفصائل المحلية الموالية للتحالف وتحميل الحكومة مسؤولية انهيار الأوضاع لم يعد أمراً مجدياً، لأن التحالف هو المتحكم الأول بالقرارالسيادي للحكومة، وبالتالي فإنه لن يحدث أي تغيير حقيقي إلا بقطع (يد) التحالف لا القفازات(القوى الموالية له)، ولذلك فقد خرجت خلال الأيام الماضية تظاهرات واحتجاجات في عدن وتعز ولحج والضالع وأبين تحت شعار (لا تحالف بعد اليوم) وهذا تحوّل مهم جداً في مسار الحراك الشعبي لمعالجة جذور المشكلة لا قشورها، باعتبار أن التدخل المباشر وغير المباشر بالشأن الداخلي اليمني من قبل السعودية والإمارات يعتبر أساس وأس المشاكل في اليمن قبل أي شيئ آخر، أما الفصائل الموالية للتحالف فوجودها وحضورها مرتبط بحضور ودعم التحالف، وعندما يتلاشى حضور التحالف ودعمه فإن مصير هذه الفصائل قطعاً هو الانكماش والتلاشي.

وبنفس النهج الذي تنتهجه الدول الاستعمارية لحكم مستعمراتها من خلال نشر الفوضى الخلاقة والحكم بالأزمات، فإن دول التحالف تسير على هذا المنهج لإدارة المناطق التي تسيطر عليها، فهذه المناطق تعيش حالة من الفوضى والعبث منذ أن سيطرت عليها دول التحالف قبل عدة سنوات، مايعني أن الأزمات والفوضى والفساد في هذه المناطق ممهور بقرار سياسي من التحالف ويعتبر خطة استراتيجية من دول التحالف لإبقاء السيطرة عليها وتنفيذ أجنداتها.

يغفل أو يتغافل الكثير من الباحثين والمهتمين عند حديثهم عن الوضع في اليمن عامل التدخل الخارجي ويعتبرونه عاملاً ثانوياً وليس رئيسياً، وهذا خطأ فادح ينم عن عدم فهم بالوضع أو أنه تغافل مقصود يهدف لطمس الآثار السلبية التي يتركها هذا التدخل على الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي للبلاد، فالسعودية على سبيل المثال لديها وحدة مالية اسمها “اللجنة الخاصة” وهذه اللجنة مهمتها استمالة الشخصيات السياسية والعسكرية والقبلية اليمنية وتقديم الدعم المالي لهم، وتخصيص مبالغ شهرية لكل فرد في قائمة هذه اللجنة وهذا الأمر معروف لدى كل اليمنيين وليس سراً، وبالنظر إلى طبيعة العلاقات بين أي دولة وأخرى فإن تخصيص دول معينة لجنة خاصة تعمل على استمالة القيادات السياسية والعسكرية والقبلية لدولة أخرى وتخصيص مخصصات لهم، يعتبر تدخل سافر يهدف للسيطرة على ذلك البلد وجعله مجرد حديقة خلفية، وهذا ما ينطبق تماماً على تعامل السعودية مع اليمن.

منذ عقود والسعودية والإمارات لا تنفق فلساً واحداً لتنفيذ مشاريع تنموية مستدامة في اليمن، لكنها تنفق الكثير للقيادات العسكرية والسياسية والقبلية الموالية لها بهدف السيطرة على اليمن، وللتوضيح أكثر فإن مشكلة الكهرباء في عدن الواقعة تحت سيطرة السعودية والإمارات تعد من أبرز المشاكل التي يعاني منها أبناء المدينة، ومع ذلك فإن المشكلة مازالت قائمة حتى اللحظة رغم الوعود المتكررة من دول التحالف، وهذا يؤكد عملياً بأن دول التحالف تتعمد تعميق معاناة اليمنيين حتى في المناطق التي تسيطر عليها.

لكن ما تشهده المحافظات الواقعة تحت سيطرة التحالف هذه الأيام من احتجاجات شعبية تحت شعار “لا تحالف بعد اليوم” تؤكد بأن سياسة الحكم بالأزمات التي ينتهجها التحالف لن تطول وقد قربت نهايتها، لأن هذه السياسة جعلت الشعب اليمني يقطع كل حبال الأمل بالتحالف وأوصلته إلى قناعة تامة بأن التحالف لا يريد الخير لليمن مطلقاً، ومثلما أن حبل الكذب قصير فحبل التحالف أقصر، وما يعزز هذه القناعة إن السعودية والإمارات اليوم يغدقون بمئات المليارات من الدولارات على أمريكا وفي اليمن يفرضون سياسة التجويع والإفقار كأمر واقع وبنفس الوقت ينهبون الثروات ويسيطرون على مقدرات البلاد، وهذه القناعة مهمة جداً لتأسيس واقع جديد يعتمد فيه اليمنيين على ذاتهم ويرفضون أي تدخلات خارجية في شؤونهم.

قد يعجبك ايضا